جانا العيد | نشعر مؤخرًا أن هناك شيء ما بات ينغّص فرحة العيد، لأسباب تختلف من شخص إلى آخر؛ في عدة تقارير نقدمها عبر هذا الملف نطرح السؤال من بورسعيد إلى أسوان؛ لماذا بات الحديث عن بهجة العيد مختلفًا على ألسنة عدد ليس بالقليل ممن حولنا؟ وفي الوقت ذاته ما هي البدائل التي نلجأ إليها كي نتجاوز تلك المنغصات، وتستمر ذكريات أعيادنا حتى وإن كانت مغلفّة بالضغوط الاقتصادية أو الاجتماعية أو التكنولوجية.
"لم أحب يومًا قضاء أيام العيد بالمنزل، ولم أعد أشعر بالفرحة دون الذهاب لصلاة العيد"
على مدار سنوات اعتادت "جهاد" -23 عامًا-، الطالبة بكلية التجارة، وصاحبة الكلمات السابقة، الذهاب لصلاة العيد صباحًا رفقة عائلتها المكونة من والدها ووالدتها، قبل أن تقرر مؤخرًا أن تكتفي فقط بسماع التكبيرات من منزلها، وأن يكون هذا هو مظهرًا احتفالها بقدومه.
يعود السبب في ذلك إلى ما شعورها بـ "بعدم الآمان" على حد قولها في التجمعات الكبيرة، مثل تلك التي تحدث وقت الصلاة وما يعقبها من مظاهر احتفال خصوصًا في الساحات الشعبية، والذي تولّد عندها بسبب ما تعرضت له من مضايقات في آخر صلاة قضتها مع أسرتها، لتُقرر بعدها عدم مغادرة المنزل في عطلة العيد.
تقول جهاد: " في أحد الأعياد منذ أربع سنوات تقريبًا، ذهبت رفقة عائلتي لصلاة العيد في إحدى الساحات القريبة من المنزل مشيًا كما هي العادة لأن عادةً ما تكون الطرق مغلقة أمام السيارات، وبعد الإنتهاء من الصلاة قررت العائلة الذهاب لزيارة أحد الأقارب بينما ذهبت أنا إلى المنزل، وفي طريقي تعرضت للمضايقات من قبل مجموعة من الأطفال كان أغلبهم لا يتجاوز المرحلة الإعدادية، يستقلون "تروسيكل" ويحملون على عربته جردل مياه، بدأوا يتلفظون بألفاظ خارجة وقاموا بإلقاء الجردل نحوي وفروا دون رد فعل أو تدخل من أحد، وذهبت بعدها مسرعة إلى المنزل وأنا أبكي وأريد أن ينتهي العيد لكي ينتهي معه هذه التصرفات الفظة".
"لست سعيدة بقضاء العيد بالمنزل ولكني أجبرت نفسي على ذلك الأمر وبكامل إختياري، لأن معظم الناس أصبحت تعتاد مثل هذه المشاهد من جميع أنواع التحرش، وإذا بنت حاولت تاخد حقها الناس بتدخل عشان تساعد المتحرش يهرب"، تضيف جهاد.
ترك هذا الموقف لدى جهاد "عقدة" كما تصفها، من النزول مرة أخرى إلى الشارع في الأعياد، والذي من المعتاد وجود الزحام فيه والتجمعات الكبيرة، فبات العيد بالنسبة لها يقتصر على "أكل الكعك ومتابعة المسرحيات"، أما النزول فإن لم يرتبط بأفراد العائلة وأمان التواجد معهم، فلم يعد من الخيارات المطروحة.
وفي الحقيقة، لا يرتبط هذا القرار بجهاد وحدها، ففي الحديث مع عدة فتيات من مختلف الأعمار يبدو الأمر كأنه بات سمة متكررة في تجنب الكثيرات منهن النزول في العيد سوى في مواقف محددة تتباين بين ظروف كلًا منهن، لكن المشترك أنه أصبح الأمر إما كونه مرتبطًا بالنزول مع أحد أفراد العائلة ممن يستطيع توفير ولو قدر من الحماية لهنّ، ومرورًا بالتنقل في وسائل مواصلات خاصة، وصولًا إلى عدم النزول من الأساس.
في روايات النساء تلحظ أن الأمر لم يكن بهذا السوء في الماضي، كان هناك قدر من المساحة المفتوحة للحركة في الشارع دون هذا القلق الكبير من التعرض للمضايقات أو عدم وجود الردع الكافي لمن يفكر في ذلك. المزعج في الأمر بالنسبة لهن هو ما نتج عنه من شعورهن وكأن حركتهن "مقيدة"، وفرحتهن بالعيد الذي يأتي كفرصة للالتقاء وبث السرور والتفاؤل بين العائلة والأصدقاء "منقوصة"، فالأمر ليس متاحًا لمجرد أن هناك الكثير ممن الفتيان/ الشباب الذين يتخذوا من العيد مبررًا لمضايقات وتعديات باتت من أبرز
الظواهر السلبية التي تشهدها مواسم الأعياد في مصر.
ولا يخفى الأمر على أحد، فمن يوم الوقفة مرورًا بأيام العيد، تجد الكثير من المظاهر في الشارع ليس مجرد قصّات الشعر المستوحاة من صور مطربي المهرجانات، أو حتى تقمص بعض من شخصيات المسلسلات والأفلام الهابطة، ولكن ماذا عن تلك المجموعات الشبابية؟ سبعة من الشبان يزيد عددهم أو يقل، يحتلون الشواطئ والحدائق العامة ويفعلون أشياء أكبر بكثير من أعمارهم مثل تأجير "الموتوسيكلات"، ويتفوهون بكلام غير لائق يؤذي النساء بجميع أعمارهم.
ولا يرتبط الأمر بأنهم يفعلون كل ذلك ليشعروا ب "فرحة العيد"، فإذا كان الأمر كذلك لماذا يعتدون على حق غيرهم في الشعور بالحرية للخروج للساحات العامة أيضًا و قضاء "الفسحة" والأجازة خارج المنزل؟
"زوجي لا يوافق على خروجي من المنزل إلا لزيارات الأقارب فقط، وبشرط أن يكون معي"
تزوجت "منى" -30 عامًا- منذ عامين، وهي المدة نفسها التي مُنعت خلالها من الخروج والفسح في الأعياد بقرار من زوجها، وتروي لـ"البورسعيدية" بشيء من الحزن: "أنا ربة منزل ومثلي مثل معظم ربات البيوت نبدأ قبل العيد بأيام قليلة رحلة تنظيف المنزل وتجهيز "الكحك والبسكويت" والانتهاء من شراء الملابس الجديدة وأنتهي من تلك الرحلة عند شروق أول أيام العيد لذلك استقبل اليوم الأول وأنا مرهقة للغاية ولا أستمتع به، وفي اليوم الثاني نذهب إلى زيارة أمي ومن بعدها حماتي، وعندما نصل لليوم الأخير أحاول بشتى الطرق اقناع زوجي أن الشوارع أصبحت هادئة بعض الشيء ويمكن أن نخرج سويًا ولكنه دائمًا يرفض".
وتحكي منى: "أوافق زوجي الرأي في أن هناك زحام شديدة في أيام العيد ويمكن أن أتعرض لبعض المواقف السخيفة وحدي، ولكن لا أوافقه أنه يرفض أن نذهب سويًا لقضاء الوقت على داخل كافية أو سينما، ولكني لا ايأس من الاستمتاع بالعيد بالرغم من قضائه في المنزل، فأنا أشتري مجموعة لا بأس بها من منتجات العناية بالبشرة والشعر، واحصل على أجازة قصيرة من شغل المطبخ، وأقوم بارتداء الملابس الجديدة ويمكن أن أقضي اليوم بأكمله أمام المرآة دون ملل".
وسط حالة من القلق والتوتر تعيشهم مريم مسعد -16 عامًا- وذلك لأنه يفصلها عن بداية امتحانات الشهادة الإعدادية فقط أيام قليلة، وبعد أيام يملؤها التركيز في المذاكرة والعديد من مواعيد الدروس الخصوصية، تأتي إجازة العيد التي لم تخفف كثيرًا من عليها.
تُعبر "مريم" عن حالتها قائلة: "لا توافق أمي على خروجي في أيام العيد، بالرغم من أن هناك أكثر من صديقة ليّ أمهاتهن يوافقون على هذه الفكرة، ولكن لا يمكن أن أداري عليها أنهم يحكون لي تعرضهن للمضايقات في الشوارع المزدحمة طوال الوقت، في مرات كنت بضايق ولكن قد تعودت على هذا الأمر منذ أربعة سنوات، وأصبحت أيام العيد لا يميزها شيء".
ووفقًا لدراسة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية والمجلس القومي للمرأة؛ نُشرت في يناير 2022، بعنوان العنف ضد المرأة "الأبعاد وآليات المواجهة"، رصدت أن 75% من النساء يتعرضن للعنف و80% يتعرضن للتحرش في مصر.
وطبقاً لدراسة المركز المصري لحقوق المرأة (ECWR) عام 2013، كانت 72% من النساء اللاتي تعرضن للتحرّش يرتدين الحجاب أو النقاب، لذا كانت ومازالت هذه الأرقام تشير إلى أن السيدات في مصر يتعرضن للتحرش بغض النظر عن الملابس أو السلوك لدى النساء والفتيات، فلا يمكننا أن نتعجب عندما نستمع إلى خبر عن تحرش جماعي بفتاة عقب صلاة العيد.