لم يخطر ببالي يومًا أن يأتي وقت أجد فيه نفسي خارج الموقف، بعيدًا عن عملي الذي اعتدت عليه طوال حياتي، هكذا يصف حسن عادل، البالغ من العمر 45 عامًا من مركز أبو قرقاص، شعوره بعد قرار المحافظ بمنع سيارات الربع نقل من تحميل الركاب.
يقول حسن "منذ أكثر من عشرة أيام لم أذهب إلى الموقف، فقد تمت إزالة التندة الموجودة في السيارة، وأصبحت أتنقل مع تجار المواشي، أساعدهم في نقلها من سوق إلى آخر، أحصل على 300 جنيه في اليوم، وهذا لا يتكرر سوى مرتين في الأسبوع".
100 جنيه
ويضيف "خلال الأيام الماضية، أحاول قدر المستطاع توفير قوت يومي أنا وابني، في بعض الأيام لا أحصل سوى على طلب واحد لنقل مواشى داخل المركز، وغالبًا لا تتجاوز الأجرة 100 جنيه."
ويعبر حسن عن شعوره بخيبة الأمل قائلًا: "أفكر طوال الوقت في كيفية توفير لقمة العيش دون أن أطلب المساعدة من أحد. ويضيف معلقًا في أسى: "بقالنا 3 شهور في تعب أعصاب، وكل يوم نقول يمكن المحافظ يحس بينا أو يسهل الأمور، لكن في النهاية ماحصلش حاجة، وكل اللي حصل إننا اتطردنا من المواقف".
إنتهاء المهلة
يذكر أن عماد الكدواني، محافظ المنيا، قرر في السبت 5 أبريل، وأثناء جولة تفقدية للحالة المرورية في المحافظة، أن مهلة إحلال سيارات الربع نقل قد انتهت، وشدد على ضرورة تفعيل حظر استخدام سيارات "البيك أب" في نقل الركاب.
وبعد أيام من بدء تنفيذ الحظر، وظهور العديد من السائقين في فيديوهات يشكون من القرار، نشر النائب رياض عبد الستار، عضو مجلس النواب عن دائرة بندر ومركز ملوي بمحافظة المنيا، مقطع فيديو عبر صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك"، وجه فيه انتقادات حادة لمبادرة إحلال سيارات الربع نقل ب "ميكروباصات"، معتبرًا أن القرار يهدد أمن واستقرار المحافظة.
النائب والمحافظ
وأكد عبد الستار أن القرار تسبب في غضب واستياء واسع في مختلف مراكز المنيا، معلنًا عزمه التقدم بطلب إحاطة إلى وزيرة التنمية المحلية للمطالبة بوقف تنفيذ القرار.
وأوضح في الفيديو أن كل قرية تضم ما لا يقل عن 100 سيارة ربع نقل، تعول أكثر من 500 شخص، مشيرًا إلى أن السائقين لا يمكنهم تحمل تكلفة شراء ميكروباص يصل سعره إلى 750 ألف جنيه، فضلًا عن أقساطه المرتفعة التي تتجاوز 10 آلاف جنيه شهريًا.
واقترح النائب، إجراء تعديلات على سيارات الربع نقل لجعلها أكثر أمانًا، مثل تأمين الجزء الخلفي وتنجيد المقاعد، بدلاً من استبدالها بالكامل.
وقد أصدر المحافظ ردًا على تصريحات النائب رياض عبد الستار في بيان عبر الصفحة الرسمية لمحافظة المنيا، حيث أكد فيه متابعة المحافظة لما يتم تداوله عبر بعض مواقع التواصل الاجتماعي من تصريحات "تحريضية ومغلوطة"، تستهدف عرقلة مشروع استبدال سيارات "البيك أب" بسيارات ميكروباص حضارية.
حوادث
وأوضح البيان أن المنظومة جاءت استجابة لرغبات المواطنين وحرصًا على سلامتهم، بعد تزايد الحوادث الناتجة عن الاستخدام غير القانوني لمركبات "البيك أب" في نقل الركاب، والتي أسفرت خلال العام الماضي عن 332 حالة وفاة، و717 إصابة، ووقوع 342 حادثًا، مع تضرر 336 مركبة.
وأشار إلى أن استخدام "البيك أب" لنقل الركاب يعد مخالفة لقانون المرور، إذ يصرح لها فقط بنقل البضائع، مضيفًا أن تحميل الركاب على الأسطح زاد من خطورة هذه المركبات.
تسهيلات
وأضاف البيان أن المبادرة حققت نجاحًا كبيرًا، إذ تم استبدال أكثر من 2000 مركبة في مركز ومدينة المنيا فقط، مما يعكس إقبال المواطنين على النقل الآمن والمريح، بالإضافة إلى تحقيق أرباح لأصحاب الميكروباصات الجديدة التي تعمل بالغاز الطبيعي، وتقليل التكاليف وزيادة العائد اليومي، كما تم توقيع بروتوكول مع البنك الزراعي لتقديم تسهيلات في سداد الأقساط.
ونفت المحافظة ادعاءات "قطع الأرزاق"، مؤكدة أن سيارات "البيك أب" مرخصة لنقل البضائع، ويمكن لأصحابها الاستمرار في هذا النشاط ضمن الإطار القانوني، واختتم البيان بتأكيد استمرار المحافظة في تطبيق المنظومة حرصًا على أرواح المواطنين وتلبية لمطالبهم، مع توفير جميع التيسيرات لإنجاح المبادرة.
رسالة سائق
لم يخسر حسن عادل، وحده عمله بالموقف، حيث عانى محمود جمال، 44 عامًا، سائق سيارة ربع نقل من مركز ملوي، نفس الأزمة، الذي يقول "منذ تفعيل الحظر نهائيًا لم أستطع تحميل ركاب، وأعمل فقط في نقل البضائع داخل المركز، ولم يكن فى يومي لا يزيد عن ثلاث طلبين ، والأجرة لا تتعدى 150 جنيهًا. إن وصلت في نهاية اليوم إلى 200 جنيه، أكون في غاية السعادة."
ووجه رسالة إلى المحافظ قائلًا "قل لي، ماذا تفعل 200 جنيه مع أسرة مكونة من خمسة أفراد، أب وأم وثلاثة أطفال في المدارس، ضع نفسك مكاني، وشوف هل تقدر تعمل إحلال وتشتري سيارة بـ750 ألف جنيه؟".
دعم للنائب
وأعرب جمال عن دعمه لما طرحه النائب رياض عبد الستار، قائلًا "هو مننا، وعارف معاناتنا، وعارف السائقين دلوقتي حصل فيهم إيه."
كما وافق حسن عادل على ما بادر به النائب عبد الستار، لكنه أشار إلى أنه كان من المفترض أن يتحد جميع النواب معه ويسارعوا في توصيل صوت السائقين إلى المسؤولين، وأضاف "منذ ثلاثة أشهر ونحن نذهب إلى مكاتب أعضاء مجلس الشعب داخل محافظة المنيا ونقدم شكاوى ونوقع عليها، ولا أحد يسمع لأصواتنا."
