"التاريخ الإنساني للسد العالي".. عن المشروع الذي مثل طموح عامليه

تصوير: صورة تعبيرية

كتب/ت أمنية حسن
2023-01-19 00:00:00

قد ينظر البعض للمشروعات الكبرى، على أنها خرسانة وأحجار، أداة للوصول إلى مشروع يستفيد به أصحاب البلد بعد سنوات من العمل، ولكن في نظرة العاملين به يمثل جزء من حياتهم، شهدوا بناءه وعاصروا حكايات به شهدت عليها الأحجار والخرسانة.

"التاريخ الإنساني للسد العالي".. كتاب وثق به الكاتب "يوسف فاخوري" التاريخ الشعبي للمشروع ومشاعره التي لا يتحدث عنها التاريخ الرسمي، في مشروع مازالت ترقد أسفله أطراف من أجساد العاملين به.

يتحدث الكاتب "يوسف فاخوري" عن كتابه الذي ظل لعامين يجمع شهادات العاملين والمهندسين بالسد العالي، والذي يصف على حد قوله "يموت الشخص وشهادته معه"، وفي ذكرى افتتاح السد وآثاره على المجتمع الأسواني التي مازالت مستمرة، حاور "عين الأسواني" الكاتب وإليكم نص الحوار:

- كيف أثر السد العالي كمشروع على المكون الاجتماعي للمدينة؟
كان تعداد المدينة وقتها 35 ألف نسمة، وعمل بالسد 34 ألف عامل من أسوان ومن محافظات مصر من الوجه القبلي والبحري بالإضافة إلى 1700 خبير روسي، فتكونت حالة من خليط السلوكيات والثقافات المختلفة، في مدينة أسوان كانت تعيش عائلات مغلقة على نفسها، في منازل حجرية مكونة من طابق واثنين، وكانت التجارة هي الحرفة المنتشرة بالمدينة، لم تنتشر البنايات السكنية إلا قليلا للموظفين المنتدبين إلى المحافظة، لكن بعد بدء العمل على السد تحولت مناطق عدة إلى بنايات سكنية، فمنطقة السيل الريفي كانت وقتها أرض ينتشر بها أشجار النخيل، ومنطقة أطلس كانت أرض فارغة ومنطقة صحاري كانت صحراء، كل تلك المناطق بني عليها بنايات للعمال والموظفين وبعد انتهاء السد ورحيل من عاش بتلك البنايات، كان هناك جيل صغير من أهل المدينة، شهد تلك التغيرات التي أحدثها السد من ضمنها انتشار التعليم وبالتالي الإلتحاق بالسلك الوظيفي والسكن في البنايات.

- كيف كانت نظرة النوبيين وتأثير السد عليهم للمشروع الذي تسبب في غرق منازلهم وقراهم؟
لم تكن تلك الهجرة الأولى للنوبين، فقد سبقها هجرة إنشاء خزان أسوان، ووفق حديثي مع العاملين بالسد، فقد كان لديهم وعي بقدر الجغرافية، وبأن منازلهم ستتحول لبحيرة، ومع ذلك عمل الكثير من النوبيين في السد، ففي النوبة القديمة، كانت مصادر الرزق محددة تعتمد على الزراعة في أراضي صغيرة محصورة بين النهر والجبل، كان النوبي عندما يصل لسن الشباب يرحل للمدن الكبرى، للبحث عن الرزق ولا يعود إلا في نهاية المطاف ليدفن في بلده، والوظائف في أسوان كانت قليلة لقلة وجود المدارس وقتها، وعند بناء القرى الجديدة، تعويضا عن التي أغرقها السد، احتوت على مدارس فكانت نتيجة للحصول على الوظائف مستقبلا، فكان لا سبيل إلا الاندماج مع الحياة الجديدة.

- ذُكر بالكتاب أن مشروع السد أثر على الجانب المادي لفئات محددة.. كيف؟
في تلك الفترة حدث رواج تجاري، لأن مرتبات العاملين بالسد كانت أعلى من مرتبات الوظائف الحكومة، فاستطاع ممن يمتلك تجارة بسيطة أن يتوسع في نشاطه ويتحول بسرعة من فرشة على الرصيف إلى زاوية ثم إلى محل، ومن العاملين في السد من خارج المحافظة استطاعوا أن يستثمروا أموالهم في المدينة، كالعاملين من أبناء محافظة سوهاج الذين يمثلون أكبر دليل على تلك الظاهرة ومازالوا موجودين بالمدينة حتى الآن، وهناك البعض لم يؤثر عليه المشروع، لأن وقتها كان ينتشر بأسوان التعدد وإنجاب الأولاد بكثرة فعند تقسيم المواريث يصبح نصيب الفرد ضئيل، فيقرر بيعه، فيشتريه ممن عملوا بالسد أصحاب الأموال.

- كيف أثرت الحوادث أثناء العمل على العاملين، وتأثير حرب 1967 عليهم؟
في أي مشروع كبير تقع حوادث مصرع للعاملين، منها فردي نتيجة لخطأ العامل مثل الذي حدث أثناء بناء السد من نوم أحد العاملين في سيارة نقل الرمال أو قضاء وقدر مثل انهيار الانفاق على العاملين أثناء العمل، ومن عملوا بالمشروع كانوا مؤمنين به وشعروا بأنه لهم ولأولادهم في المستقبل، ودورة العمل وقتها كانت سريعة محددة بموعد انتهاء حتى في وقت الحرب كانت تنتشر مشاعر الوجع بين العمال ومع ذلك كانت دورة العمل مستمرة.

- صف مشهد حياة العمال السوفييت في المدينة ورحيلهم.
كانت طبيعة الشعب السوفيتي متشابهة وقريبة لأهل أسوان من سلوك ونفسية فاندمجوا بسرعة، وبرغم اختلاف اللغة ومناخ المدينة الذي يختلف عن بلدهم لكنهم استطاعوا التكيف، فوصف العاملين أنهم يحبون تعليم الأخرين ويعملوا لساعات طويلة دون توقف، فهناك عبارة كان يرددها العاملين باللغة النوبية "روسكي اريسكي دروجا" أي تحيا العلاقات المصرية الروسية، وخارج العمل بُنيت أماكن مخصصة لهم ونادي يحتوى على كل وسائل الترفيه وعلاقتهم بأهل المدينة تقترب في السوق، فكانوا ينزلوا لشراء احتياجاتهم بالإضافة إلى السياحة التي كانت تقتصر وقتها قبل قدومهم إلى سياحة العائلات من الطبقة الغنية، وبعد انتهاء السد عادوا إلى بلادهم، في مشهد حزين بينهم وبين العمال بعد سنوات من العمل ولم يتبقى منهم إلا المباني التي كانوا يعيشون بها.