في الإجازات، اعتدنا منذ صغرنا على الذهاب إلى بيت جدي مع إخوتي وعائلتي، كنا نمكث فيه بالأيام، نضحك ونلهو ونعيش لحظات لا تُنسى.
في يوم من الأيام، وبعد أن انتهينا من المرح واللعب كأي أطفال في عمرنا، حيث لم يتعدْ أصغرنا حينها خمس سنوات، وأكبرنا لم يصل إلى ثماني سنوات، دخلنا إلى بهو المنزل، وتناولنا أطراف الحديث مع جدتنا، واقترح أخي على جدتي أن تروي لنا قصة من القصص الأسطورية، وافقت الجدة على طلبه، وأخذت تروي لنا القصة، فكنا نستمع إليها في صمت، وأعيننا مثبتة على وجهها، ونفوسنا متوترة بالانتباه.
بدأت جدتي تروي لنا قصة قديمة، قصة كانت مخبأة في أعماق التاريخ، قصة كانت تنتظر أن تُروى من جديد، ولا تزال محفورة في عقولنا حتى الآن.
في قرية قديمة، كانت توجد قلعة مخيفة، سكنتها أرواح شريرة، كانت القلعة تقع في منتصف غابة كثيفة الأشجار، وكان ينبعث منها ضوء خافت في الليل، وكان السكان يسمعون أصواتًا غامضة داخلها، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب منها.
وكان يُحكى في قديم الزمان أن هذه القلعة كانت ملكًا لشخصيتين شريرتين، إحداهما تُدعى "النداهة"، وهي امرأة قصيرة القامة، منحنية الظهر، ذات وجهٍ مخيف كانت معتادة على التنقل بين القرية، تمنع الأطفال من اللعب حين تخيفهم بهيئتها المرعبة، حيث كانت تناديهم بصوت يتردد صداه، مما يجعل صوتها مخيفًا.
أما الآخر، فكان يُدعى "أبو رجل مسلوخة"، وهو رجل قوي البنية، ذو ساقين طويلتين، ووجه محتقن بالغضب، ممسكًا بيده عصا قوية كان يُعتبر من أخطر الشخصيات التي تعيش في القرية، إذ كان يأتي ليلًا ويطرق على أبواب المنازل، وإن نسي أحدهم إغلاق بابه جيدًا، وتمكن "أبو رجل مسلوخة" من الدخول، لم يستطع أحد من سكان المنزل الخروج حيًا، لأنه كان يقتلهم بأبشع الطرق، ثم يأكلهم!
بينما كنا نستمع إلى جدتي في صمت، سمعنا فجأة صوت طرق على باب المنزل! تسرّب الخوف إلى أجسادنا، وشددنا الغطاء علينا، ولم يظهر من أجسادنا شيء، لم يكن في أذهاننا سوى حديث الجدة عن "أبو رجل مسلوخة"، ومع كل طرقة كان خوفنا يزداد أكثر.
اتجهت جدتي نحو الباب بخطوات هادئة، ومع كل خطوة تخطوها، كان رعبنا يتضاعف لم نفهم لماذا لم تكن خائفة مثلنا! حتى فُتح الباب وظهر جدي من خلفه!
ظلّ كل منا ينظر إلى جدي بصمت، ثم دخلت جدتي إلينا وهي تضحك على مظهرنا، وقالت: "يا لها من عقول أطفال"، فضحكنا جميعًا، وذهب كل واحد منا إلى فراشه، وطغى علينا النوم العميق، بينما لا تزال أصداء القصة تتردد في عقولنا.