اشتكى مواطنون في عدة مناطق بأسوان من تعرضهم لتلوث مياه الشرب، في وقت نفت فيه شركة مياه الشرب والصرف الصحي بأسوان تعرض المياه لأي من مظاهر التلوث، وهو ما رجّحه بعض الخبراء الذين تحدثت إليهم "عين الأسواني"، رغم تسجيل 28 إصابة بنزلات معوية يوم الاثنين الماضي بالمحافظة.
وتداول مواطنون من مناطق "أبو الريش" و"بهريف" و"رقبة" منشورات عبر فيسبوك، على مدار اليومين الفائتين، يشتكون فيها من إصابتهم بالتسمم نتيجة تناول مياه شرب ملوثة. وسط انتشار أخبار عن توافد مصابين كثيرين على مستشفى الحميات بالمحافظة. الأمر الذي دفع شركة مياه الشرب لإصدار بيان يوم الاثنين الماضي، قالت فيه إنها أجرت تحقيقًا في الشكوى، من خلال أخذ عينات للمياه من محطات أبو الريش قبلي والرقبة وبدر، جاءت كلها سلبية. مُشيرة إلى أن نتائج التحليل "أظهرت أن تركيز الكلور في المياه مطابق للمواصفات، مما يثبت سلامة وجودة المياه". لكن ذلك لم يحدّ من ظهور الشكاوى التي تدعي الإصابة بالتسمم حتى كتابة هذا التقرير.
وهذه ليست المرة الأولى التي يشتكي فيها المواطنون في أسوان من تلوث للمياه تنفي الشركة حدوثه. ففي أكتوبر من العام الماضي، اشتكى مواطنون في مناطق "المحمودية، مدينة ناصر، الصداقة، عباس فريد، العقاد، السيل" من تغير لون ورائحة وطعم مياه الشرب. وأرفقوا شكواهم بصور تُظهر اصفرار المياه. لكن الشركة، أعلنت وقتها أنها شكّلت لجنة من قطاعَيْ المعامل والشرب لتحليل عينات من الماء أسفرت نتائجها عن "مطابقة مياه الشرب في المنازل للمواصفات".
المياه أم شيء آخر؟
يصيب التسمم الغذائي الشخص جرّاء تناول طعام أو شراب ملوث. ويسبب أعراض، مثل: القيء والإسهال وآلام وتقلصات في المعدة وارتفاع في درجة الحرارة وصداع. أما النزلة المعوية، أو "التهاب المعدة والأمعاء الفيروسي"، فعدوى معوية لها مؤشرات وأعراض مثل الإسهال المائي وتقلُّصات المعدة والغثيان أو القيء والحُمَّى. وتحدث نتيجة للاتصال بشخص مريض أو تناول طعام أو شراب ملوث.
وقال ثلاثة مواطنين تحدثوا إلى "عين الأسواني"، أمس الثلاثاء، وينتمون إلى المناطق المُشار إليها في بيان الشركة. إنهم وبعض ذويهم ظهرت عليهم علامات الإصابة بالتسمم، من قيء وإسهال وارتفاع في درجات الحرارة اضطرت بعضهم لزيارة الطبيب الذي شخّص شكواهم بأنها "نزلة معوية نتيجة تلوث". ومنهم من لاحظ تغير في طعم المياه على مدار اليوم.
وتقول إسراء حسين، وهي من قرية بهريف، إن والدتها وأختها عانتا من إسهال وتعب في المعدة وإرهاق قبل عدة أيام. لكن أختها تماثلت للشفاء دون علاج. أما أمها فزارت "مستشفى التأمين الصحي أمس الثلاثاء، وشُخّصت بنزلة معوية نتيجة تلوث، ونصحها الطبيب بعدم شرب المياه". مضيفة أنها بعد ذلك قررت غلي المياه قبل تناولها "فوجدت، في البداية، طبقة سوداء تتشكل على سطح المياه، ومع مرور اليوم وتكرار المحاولة زالت".
الأمر نفسه يؤكده أحمد محمد، الذي يسكن القرية نفسها، حيث يقول لـ"عين الأسواني"، إن والديه عانا من إسهال ومغص، "لذلك قررت اصطحابهما إلى عيادة طبيب خاص. الذي شخص الحالة كمغص وأوصى بعدم شرب المياه بما أننا في نطاق قرى أبو الريش وكتب أدوية مطهرة".
وأضاف: "الوضع في أبو الريش يتضمن حالات عديدة اشتكت من نفس الأعراض. ويُقال إنها قد تصل إلى 14 حالة في المستشفى الجامعي. في منطقة أبو الريش نعاني من وجود رائحة في المياه وانقطاع متكرر في أغلب الأوقات".
ونفت مديرية الصحة بأسوان، تسجيل أي حالات تسمم بالمستشفيات في بنبان وأبو الريش وبهاريف. وأوضحت في بيان أن هناك "حالات مصابة بنزلات معوية. وأنها لا تتعدى 28 حالة بجميع مستشفيات المحافظة. وذلك بسبب فيروسات الأمراض الموسمية لفصل الصيف أو تناول أطعمة ملوثة بشكل فردى".
ربما الصيف...
لا يعد الدكتور نادر محروس، المدير السابق لمستشفى الحميات بأسوان، وجود حالات تعاني من القيء والإسهال دليلًا على التسمم الناجم عن تلوث المياه. قائلًا إن "مصدر المياه عام ويُغذّي العديد من المنازل، إذا كانت المشكلة ناتجة عن المياه، كان من المتوقع أن تظهر إصابات بالمئات يوميًا ومن منطقة واحدة، لكن الأعراض المؤكدة كانت قليلة مقارنةً بالحالات الأخرى". مُشيرًا إلى أن "الأمراض المعدية للجهاز الهضمي، مثل الإسهال والقيء، تكثر في هذه الفترة من العام، وقد يكون السبب انتقال بكتيريا مثل إي كولاي".
وأضاف لـ"عين الأسواني"، أنه "حتى الآن، لم تتضح الصورة بشكل كامل، شركة مياه الشرب مُوّكلة بتحليل المياه في المرشحات والمحطات، أما دورنا كأطباء يبدأ في تحليل المياه من صنابير منازل الحالات المصابة، بعد مرورها من المرشحات لاحتمالية وجود تسمم وتحليل عينات الطعام والمرافقين بنفس المنزل، ونحن في انتظار نتائج العينات، وهذا يستغرق على الأقل شهرًا بعد عمل مزارع للعينات حتى تعطي نتائج ولو سلبية لاحتمالية ظهور نتيجة بعد أول ثلاث أسابيع، لنحدد سبب المشاكل الصحية للحالات".
ويتفق مينا جرجس، الأخصائي بهيئة المعمل المركزي لشركة مياه الشرب والصرف الصحي بأسوان، مع محروس، في "أنه في حالة حدوث تلوث حقيقي بالمياه، من المفترض وصول أعداد كبيرة من المصابين إلى المستشفيات على مدى عدة أيام، وليس حالات قليلة فقط من مناطق مختلفة مثل الوضع الراهن. مشيرًا إلى وجود سبب آخر غير المياه، مثل التلبك المعوي الناتج عن الطعام.
وقال لـ"عين الأسواني"، إن "الشركة بدأت في تلقي الشكاوى حول المياه منذ السبت الماضي. وبدأت في رصد المياه من حوالي 22 محطة وأخذ عينات من الشبكات، ولكن لم يتم تأكيد وجود تلوث، كما أن الحالات التي قدّمت شكاوى بشأنها في أبو الريش والرقبة ببنبان قد تكون نتيجة لعوامل مشتركة غير متعلقة بشبكة المياه، نظراً لبُعد المسافة وعدم وجود خط مياه مشترك".
ونفى الدكتور محمد سعيد، مدير عام الصحة بأسوان، في بيان، أمس الثلاثاء، ما تردد عن حجز أعداد كبيرة من المواطنين بالمستشفيات مصابين بنزلات معوية لوجود تلوث بمياه الشرب فى قرى بنبان وأبوالريش وبهاريف.
وحول الإجراءات التي تتبعها الشركة في التحقق من تلوث المياه. أوضح أنها "تعيد تحليل المياه في المناطق مرة أخرى، ويستغرق التحليل من ساعة إلى يوم للتأكد من سلامة المياه". مشيرًا إلى أن "نتائج التحليل أظهرت وجود تركيز مناسب للكلور وسلامة المياه، وفي حالة وجود تلوث من المياه كان من المفترض ظهور عكارة أو ترسبات، خاصة "تيتينيا" التي تنتج عن عدم استخدام الكلور في المحطات، وهو ما لم يحدث".
"ر. أ"، وهي مواطنة تسكن قرية أبو الريش، تحدثت إلى "عين الأسواني" شريطة عدم الكشف عن اسمها، أشارت إلى أن مياه الصنبور في بيتها "تبدو طبيعية رغم أن العديد من سكان قرى أخرى نشروا معلومات عن وجود حالات تسمم نتيجة تلوث المياه". موضحة أنه "منذ يوم أمس 16 أغسطس، انقطعت المياه في المساء وعادت في الثانية والنصف صباحًا، لكن كان بها رائحة قوية للكلور. ثم انقطعت المياه مرة أخرى في العصر وعادت في المساء ذاته".
ووسط هذا التخبط بين النفي والتشكيك فيه، كلّف اللواء إسماعيل كمال محافظ أسوان، أمس الثلاثاء، لجنة برئاسة المهندس عبد الصبور الراوي، رئيس فرع شركة مياه الشرب والصرف الصحي، بإجراء تحاليل معملية يومية لمياه الشرب المنتجة من مختلف المحطات والمآخذ للتأكد من جودتها وصلاحيتها للاستهلاك الآدمي.