"سمرا بس جميلة".. جرح الطفولة العنصري

تصوير: تصميم : رياض عادل

كتب/ت تسنيم حسام الدين
2022-01-28 00:00:00
"معايير الجمال سباق ليس له خط نهاية"
في عالم مثالي لن يكون هناك معايير جمال كاذبة تضع الفتيات في قالب محدد، وتصنفهن، وتحدد فرصهن في الحياة على أساس عرقهن، لونهن، أجسادهن، شكلهن..
ستكون كل الفتيات مقبولات وجميلات بطريقتهن الخاصة المميزة بكل ما فيها من عيوب، لن تكون هناك أساطير للوزن والطول المثالي، و سيصبح من حق أي شخص أن يحب جسده ويشعر بمشاعر إيجابية عند النظر إليه.
فقط لو كان العالم مثاليًا، ولأن عالمنا أبعد ما يكون عن ذلك؛ في هذا الملف نشارك معكم ٦ رحلات ملهمات لفتيات عانين من التنمر في حياتهن بسبب اختلافهن عن المعايير التي تضعها لهن مجتمعاتهن.
"كرهت شعري و كان نفسي أحلقه"
استقبلتنا يمنى الميرغني ذات الـ 22 عام والتي تعمل -عارضة أزياء- بتلك الجملة القاسية والتي تفيد بكرهها لشعرها والذي من المفترض أن يعبر بشكل كبير عن "جمال المرأة": "بدأ التنمر على لون بشرتي وشكل شعري منذ الطفولة، لأن شعري كان (أفرو) أو ما يعرف بالشكل الأفريقي وكان أغلب من حولي ينصحوني باستخدام كريمات فرد الشعر، أو تفتيحه، فكرهت شعري جدًا ولم أكن أعلم كيف أتعامل معه، وتمنيت أن أحلقه".
"أمي وأبي أغلب الوقت كانوا يحاولون مساعدتي في حل مشكلة شعري، هي لم تكن مشكلة لكنها كانت كذلك من وجهة نظرهم، فخضنا في أغلب الوقت رحلات للذهاب لأطباء، واستخدمنا زيوت، وكريمات من الهند والسعودية، وكانت هذه مشكلة أغلب الوقت لي ولهم؛ لقد أخطأوا من البداية لأنهم تعاملوا معه باعتباره أزمة، حتى لو أرادوا لي الأفضل داخل أنفسهم".
تتذكر يمنى كيف كان الوضع معها في تلك السنوات: "كنت أتماشى مع الوضع في البداية، وأغير شكل شعري لتتقبلني الناس، ولأني لم أكن أعرف كيف أتعامل معه بحالته الطبيعية" ولكن مؤخرًا مع النضج والتجارب بدأت تفهم كيف تتعامل معه، "أحببته جدًا، وأصبح ليس لدي مشكلة معه، كما اني سمعت نصائح عديدة لتفتيح لون بشرتي، ولكني لم أرد ذلك، فأنا أحب لوني جدًا".
"في بداية مشواري كعارضة أزياء كانت التعليقات المشروطة كثيرة جدًا؛ مثل: سمرة ورغم ذلك جميلة في تشبيه عنصري مؤذي، وتشبيهات للسمار بالمسك والسمار بالقهوة، وهذه التعليقات تستفزني جدًا، وتجعلني أشعر أن من يقول هذا الكلام هناك بالتأكيد شئ ناقص ولا يصل إلى تفكيره".
"أملي من أمهات وآباء المستقبل أن يحبوا أطفالهم مثلما يكونوا دون أي محاولة منهم لتغيرهم، بل أن يحاربوا معهم ما يواجهونه من تنمر وعنصرية في المجتمع، ولا يشعرونهم بأن اختلافهم مشكلة تحتاج لحل".
وتختتم حديثها بصرامة وقوة : "أي شخص مر بتجربة تنمر، أتمنى أن يوقف ذلك بصرامة، وإذا شاهد شخص يتنمر على أي أحد أمامه يردعه، وأي شخص يقوم بأفعال عنصرية يكون له جزاء فوري، وأتمنى ألا يؤثر هذا على الأطفال بل يؤثر فيهم كحافز باعتباره شخص مختلف ومميز".
في عالم مثالي.. لن تركض الفتيات في سباق تغيير لأشكالهن للتماشي مع معايير الموضة، و كلما اقتربن من نهايته، ظهرت معايير جديدة تجعل نقطة النهاية تلوح في الأفق و تبتعد من جديد.
"كنت أحاول دائمًا أن أظهر أفتح من بشرتي الطبيعية"
كنت أظن أنه نوع من المزاح السخيف "السمج"، لم تعِ أميرة خليفة ـ 40 عام والتي صارت أم لبنتين و تقنية معلومات بمركز نقل الدم بأسوان ـ أن ما قد كان يمارس عليها يعتبر تنمر، فتتذكره بابتسامة منكسرة: "الآن عندما أعود بذاكرتي لأتذكر أنني كنت أتعرض للتنمر والعنصرية من قبل عائلتي بكلمات مثل أنتِ سوداء، هي طالعة سودة لمين"، لم أكن أشعر بشيء بشكل مباشر وقت طفولتي ولكن في مرحلة المراهقة كان هذا يؤثر بي جدًا".
"لم أكن متقبلة للوني أو لشكلي في فترة المراهقة، وفي المرحلة الإعدادية كنت خارج البلاد في دولة عربية أنظر لزميلاتي أنهن أجمل مني وشعرهن أحلى، فكنت أكره شكلي وشعري ولوني، وبدأت الزميلات يشعرن بذلك، فتنمرن على لوني وشكلي وتحديدًا شعري، لأنه كان مختلفًا عن شعرهن.. بكيت كثيرا وقتها بسبب ذلك".
"كرهت لوني وبشرتي ووصلت لدرجة التنمر على نفسي، كنت أحاول تبييض نفسي لأتماشى مع معايير الجمال التي كنت أسمعها وأعرفها، فالبنت الجميلة وقتها كانت البيضاء فقط وعندما اكتشفت المكياج كنت أحاول دائمًا أن أبدو أفتح من بشرتي وأضع زيادة من مساحيق التجميل".
"ولكن على الرغم من ذلك كانت والدتي داعمة جدًا لي وكانت تحاول ألا تجعل هذه الكلمات تؤثر بي، وتخبرني أن لي لون بشرة مميز ومختلف عنهن".
"لم يُضع التنمر فرص بالنسبة لي، يمكن أن يكون أضاع فرص زواج لأنه قال بصوت عالي "لا أريد الزواج بسمراء"، ولكنها لم تكن بالنسبة لي الفرصة التي يمكن أن تضيع، بالطبع انزعجت، يعني عشان سمرة مش هتجوز".
عندما كنت أسمع تعليقات مثل (هي حلوة رغم سمارها)، في البداية كنت أغضب وأعنف القائل، لكن عندما بدأت أفهم الموضوع، أصبحت أتفادى الاصطدام مع هذه العقليات، وبدأت أضحك على كلامهم".
"سعيدة أنني كلما كنت أكبر في السن كان إحساسي بلوني وشكلي يزيد، وبدأت أتقبل نفسي وأرى نفسي جميلة، لأنني أدركت أن الجمال لايتوقف فقط عند الشكل الخارجي أو اللون، فالجميل من الداخل سينعكس ذلك على شكله الخارجي ويزداد حلاوة"
"أرى الآن أن أهم شيء لمواجهة التنمر أن نحب أنفسنا مثلما نحن، ولا نحاول تغييرها لإرضاء المجتمع، ففي البداية والنهاية إذا لم نظهر تقبلنا لأنفسنا فأن المجتمع لن يقبل بنا بأي شكل من الأشكال، ولكن إذا تقبلنا أنفسنا وشعرنا من داخلنا بالمحبة سنجبر كل من يتعامل معنا أن يحبنا".
في عالم مثالي.. لن يتعرض أي شخص للتنمر بسبب سمة من سماته التي تشكله وتكمله، سيكون هناك أطفال تكبر بثقة وحب لأشكالها وشخصياتها، وتؤمن بقدرتها على فعل أي شيء.
"جسمي مختلف عنهن .. ده مش جسم طفلة"
"المتنمرين مجرمين مثل أي شخص أجرم، كلمات التنمر هي كلمات الموت لأنها يمكن ان تدفع شخص للانتحار"، هكذا بدأت رانيا -19 عام، طالبة بكلية التمريض-" كلامها معنا: "منذ صغري أتعرض للتنمر، كنت صغيرة وبكيت بسبب كلامهم، لم أكره جسمي لأن أهلي كانوا داعمين لي جدًا ودائمًا يجعلونني أشعر بأنني جميلة، و لو أردت خسارة الوزن فلنفسي وصحتي وليس لأي شخص".
"كنت أرى النحافة رمز الجمال وأي بنت جميلة يجب ان تكون نحيفة، أخذت خطوات النظام الغذائي كثيرًا، فقد كنت أشعر أني قبيحة، وأغلب المرات فشلت، لأني فعلت ذلك لأجل الناس".
"في المرة التي قررت خسارة الوزن من أجل نفسي وصحتي، كانت هي أكثر مرة استطعت الاستمرار وخسرت أكبر قدر من الوزن".
"التنمر لم يضع مني الفرص، ولكنه خلق بداخلي هاجس أنه بالطبع سيوجد من هو أجمل مني فلماذا قد يحبني الناس؟"
"مع الوقت بدأت أقتنع أن جميعنا "حلوين" بطريقة ما، وكل شخص منا لديه الجزء الذي يميزه عن غيره، وأتمنى أن يعلم الآباء والأمهات أبناءهم ثقافة تقبل جسمهم، وحب شكلهم، وحب الناس غير المشروط ، فيقبلون الآخر لقلبه وشخصه لا لشكله وجسمه".
"امتنعت عن الأكل، لحد ما جالي أنيميا"
هنا محمد 27 عام -محاسبة-، عانت من زيادة الوزن في مرحلة الطفولة: "كان يتم التنمر علي طوال المرحلة الابتدائية بسبب وزني، كنت أسمع أسئلة من نوعية أنت وزنك زايد أوي ليه؟، أنت تخينة أوي ليه؟، "ليه اللبس ضيق فيكي كدا؟، وبدأت بعد ذلك أقف أمام المرآة وأسأل نفسي هل أنا فعلًا سمينة؟! وهل ملابسي ضيقة على جسمي؟ بدات أرتدي ملابس أكبر من قياس صديقاتي كثيرًا، وبكيت طويلًا لذلك".
"قابلت كل هذا التنمر بعمل نظام غذائي إجباري، وتوقفت عن الأكل في محاولة مني لجعل الناس تتقبلني، حتى أصبت بالانيميا وكنت دائمًا أشعر بالدوار وأتعرض للإغماء".
"في المرحلة الثانوية انعزلت تماما عن المجتمع وأصبت بحالة اكتئاب، لم أكن أحب مقابلة الناس، وكل تفكيري في الذهاب والعودة من الدروس سريعًا، قبل أن يراني أحد، فبعد النظام الذي اتبعته أصبحت نحيفة جدًا".
"عندما دخلت الكلية شعرت أني أضعت جزءً كبيرًا من حياتي دون اختلاط بالناس، وبدأت وقتها أتقبل ذاتي أكثر وأشترك في الأنشطة الطلابية، وحاليًا وبعد معاناة كبيرة وبكاء ورياضة، وغذاء، يمكنني القول إنني متقبلة لنفسي بنسبة ٩٠٪؜ واقتنعت أن معايير الجمال بالمجتمع كذبة، وصادرة من أشخاص غير أسوياء نفسيًا".
"قالت لي ده المفروض أنا اللي أبقى من المنصورة وأنت من الصعيد"
"لماذا يراني الناس لست جيدة كفاية؟ لماذا يرون في شئ ناقص؟، لماذا يجب أن أكون بشكل معين؟" تقفز هذه الأسئلة إلى عقل يارا عبد الناصر -21 عام، طالبة بكلية إعلام بالجامعة البريطانية في القاهرة- عندما تسمع كلمة تنمر.
"في بداية المرحلة الإعدادية كنت غير محجبة وكل زميلاتي محجبات فكنت أتعرض دائمًا للتنمر منهم، خاصة من إحدى المعلمات التي كانت دائمًا ما تجبرنا على ارتداء الحجاب".
"أنا من المنصورة و عندما ذهبت إلى الجامعة في القاهرة تعرضت للتنمر بسبب الصورة النمطية عند الناس عن بنات المنصورة أن شعرهم أصفر وأعينهم خضراء"، "فعند التحاقي بالجامعة كنت كلما أخبر شخصًا أني من المنصورة يظهر على ملامحه علامات تعجب، لدرجة أن هناك زميلة لي من صعيد مصر عينها ملونة وشقراء قالت لي: ده المفروض أنا اللي أبقى من المنصورة وأنت من الصعيد".
لم يكن هذا الكلام يؤثر في يارا "بالرغم من أن شكلي مختلف عن أهلي لكنهم لم يجعلوني أشعرأبدًا أني لست جميلة".
"كلنا جميلات ويجب أن نتقبل أنفسنا لأننا إن استمرينا بالركض وراء معايير المجتمع لن نصل إلى أي شئ، ورسالتي لجميع الأمهات والآباء أن يغمروا أبنائهم بالحب لأن هذا هو الدرع الذي سيجعلهم قادرين على مواجهة أي شيء".
"كنت أخاف النزول للشارع"
تحكي سارة 22 عام (اسم مستعار) "بدأ التنمر معي منذ سن الحادية عشر تقريبًا، بسبب قصر طولي، وكان لذلك أثر كبيرً علي، بكيت كثيرًا ووصلت لدرجة الخوف من نزول الشارع، والتعامل مع أي شخص جديد".
"كلمة بنت جميلة بالنسبة لي هي أي شيء عكسي، أخذت خطوات كثيرة لأغير شكلي فكنت ألبس حذاء بكعب عالٍ لساعات طويلة، رغم أنه كان يسبب لي مشاكل في قدمي، ولكن كنت أتحملها لأتخطى أذى الكلمات المؤلمة".
"أضعت فرصًا كثيرة بسبب قلة ثقتي في نفسي، فمثلًا لم أدخل كلية تربية، رغم أني أحبها، لأنني أشعر بالخوف إن أصبحت معلمة من تنمر الطلاب على طولي".
"رسالتي للأهالي: لا تكونوا سببًا فى مشروع متنمر أو عنصري يؤذي الناس، علموا أولادكم أنه ليس من حقهم قول الكلام البذيء لأى شخص مهما كان لا يعجبهم شكله، أو لونه، أو جسمه لأنهم من الممكن أن يكونوا سببًا فى تدميره نفسيًا، وأن تلك الجمل تعيش للأبد ولا نتخطاها بسهولة".