#جانا_العيد | نشعر مؤخرًا أن هناك شيء ما بات ينغّص فرحة العيد، لأسباب تختلف من شخص إلى آخر؛ في عدة تقارير نقدمها عبر هذا الملف نطرح السؤال من بورسعيد إلى أسوان؛ لماذا بات الحديث عن بهجة العيد مختلفًا على ألسنة عدد ليس بالقليل ممن حولنا؟ وفي الوقت ذاته ما هي البدائل التي نلجأ إليها كي نتجاوز تلك المنغصات، وتستمر ذكريات أعيادنا حتى وإن كانت مغلفّة بالضغوط الاقتصادية أو الاجتماعية أو التكنولوجية.
لبس العيد أحد مظاهر الاحتفال الأساسية لدى كثير منّا، فمهما كانت ظروف الأسرة الاقتصادية، يحرص الأهالي أن يكون لأبنائهم ميزانية خاصة لشراء ملابس جديدة يرتدونها في العيد، وهنا من يبدأ في ارتداؤها منذ الصلاة.
"لم نعتاد في الأسرة على تحديد ميزانية لنفقات العيد، نعم كانت الأسعار في السنوات الماضية ترتفع لكنها كانت لا تزال في نطاق قدرتنا المادية وتتناسب مع مرتب زوجي، لكن هذا العام الأسعار زادت خمس أضعاف سواء السلع أو الملابس، رغم أن المرتب ظاهريًا زاد عن الماضي، لكن أصبح لا يغطي احتياجاتنا السنوية".
كان توفيق احتياجات أسرة غادة، 47 عامًا، أزمة قبل العيد، فالميزانية التي كانت تحتاجها لشراء نفس احتياجات كل عام تتضاعفت، فكان لابد من اتخاذ عدة قرارات في سبيل ذلك، فمبدأيًا الأبناء أولًا، وليس شرطًا أن يكون الطقم كاملًا من محال الملابس الجديدة، فمحال الاستوكات كانت بديل، وكميات الحلوى انخفضت للنصف، أما شراء مفروشات جديدة تزين المنزل في العيد فتم الاستغناء عنها كما تم الاستغناء عن ملابس الوالدين.
حاولت غادة وأبناءها الخمس وزوجها التكيف مع الوضع رغم كل ما يشهدونه من ضغوط اقتصادية تمثل عبئًا على ميزانيتهم التي لا تتعدى 6 آلاف جنيه هي راتب الزوج الشهري،ولكن في النهاية، كما تقول غادة: "حاولنا المقاومة بقدر الإمكان عشان منتحرمش من فرحة العيد كله".
بالطبع تأثرت فرحة العيد عند غادة رغم محاولاتها السابقة للتأقلم، خصوصًا أن الأمر لم يكن مقتصرًا على احتياجات العيد فقط بل بدأ الأمر من #رمضان نفسه، فعلى سبيل المثال تقول أنها على مدار الشهر لم تقدم لعائلتها من حلوى إلا مرتين فقط، تقليلًا للنفقات.
لا تحب غادة الديون، ولا "الجمعيات"، ولا تلجأ إليها إلا في حالات محددة، "مصروفات الدراسة أو شراء أجهزة كهربائية مهمة" مثلًا؛ لذا قررت هي نفسها أن تستغنى عن شراء ملابس جديدة لها لتقضي بها العيد مقابل توفير ما يلزم لشراء لبس الأبناء، التي ترى أنه لا يمكن التخلي عن إسعادهم بها مهما كانت الأوضاع".
تستعرض عادة الأسعار التي صدمتها أثناء جولاتها للشراء تقول: "ملابس الأطفال القطعة الواحدة بلغت 400 و 500 جنيه، يعني الطقم للطفل الواحد قد يتخطي الألف، أما العبايات التي اعتدت على أن أشتري واحدة للمنزل وأخرى للخروج وجدت أنها وصلت إلى 500 جنيه بعدما كنت أشتريها ب 200 جنيه فقط".
اتصرفت غادة، كعادة السيدات في مصر. يقضي أبناؤها الآن العيد بملابسهم الجديدة وفي المنزل، أعدت لهم أطباق البسكوت والكعك، ولكن هذا لا يلغي أن حدوث هذا وقع في مقابل تخليها هي نفسها عن لبس العيد وأن الإعداد المرهق للحلوى تحملته بنفسها حتى توفر في سعر الجاهز، فضلًا عن إلغاء بنود أخرى مثل فرش المنزل بقطع جديدة أو التفكير في نزهة خارجية للأسرة كلها، باتت الآن عبئًا على الميزانية قد لا يستطيع كثير من الآباء الآن توفيرها لأسرهم.
تضيف غادة: "صناعة البسكويت في المنزل يعطي كمية أكبر، فسعر البسكويت من المحلات يصل ل70 و120 للكيلو الواحد ويوفر عينات تنفذ خلال يومين، أما البسكويت المنزلي يستمر لفترة أطول ويفيد في الإفطار بدلًا من شراء بسكويت من محلات البقالة أو العيش الفينو، واستغنينا عن "الغريبة والانكشير"لأنها تحُمل الميزانية نفقات كثيرة بسبب مكوناتها، فكرتونة البيض ارتفعت من 30 جنيه العام الماضي إلى ما يزيد عن 100 جنيه هذا العام".
ولا تعد أسرة غادة الوحيدة التي رفعت شعار "الاستغناء" هذا العيد ليكون سيد الموقف، فنفس الأمر وقع مع جميلة سيد، 47 عام، التي تعمل في مشروع للأكل البيتي، وتتولى هي وزوجها الذي يعمل في الأعمال الحرة، مسؤولية أسرتهما المكونة من 6 أبناء.
يخفف الضغط قليلًا على جميلة أن أكبر أبنائها صاروا في الجامعة، ونزلوا مؤخرًا إلى سوق العمل فيستطيع شراء احتياجاتهم، لكن هذا لم يمنع من صدمتها حينما وجدت أن ملابس أطفالها الأصغر صارت 3 أضعاف.
قررت جميلة أن تخفّض عدد القطع التي كانت تعتاد على شراؤها لكل طفل. تعلق: "اختلاف كبير لم نعتاد عليه، لكن الحمد لله، فللعيد فرحته رغم كل الظروف"، وتضيف: " معاكي مش معاكي لازم نتصرف".
تشرح جميلة أن لبس العيد أساسي لفرحة الأطفال، وأن أغلب الآباء يحرصوا على التزامهم بذلك حتى لو وصل الأمر إلى الاستدانة.
وعلى عكس غادة، اضطرت جميلة شراء الكعك والبسكوت "جاهز"، لأنها لا تملك الوقت الكافي لتصنيعه في المنزل نظرًا لانشغالها المستمر في عملها.
لكنها تلفت النظر إلى جانب آخر، تقول: "الزيارات العائلية والعزومات انخفضت عن الماضي، حتى مع من حولي، وأصبحت تمثل ضغط وتكلفة عالية لزيادة الأسعار، عن نفسي قللت منها".
ومثل غادة، استغنت جميلة أيضًا عن شراء مفروشات جديدة للمنزل هذا العام أيضًا، وهو أمر يتكرر في الغالب هنا في أسوان. تعلق: "على الأقل الولاد بيعيّدوا بلبس جديد، ميبقاش استغنينا عن كله".
وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مارس الماضي، فقد وصل معدل التضخم في فئة الطعام والمشروبات إلى 62.7%، بينما وصل في فئة الملابس الجاهزة إلى 20.09%.