قبل خمس سنوات، بدأت عفاف راغب مشروعها للأكل البيتي، عن طريق تقديم الوجبات المتنوعة من "محاشي" و"مكرونات"، بجودة عالية وبسعر يناسب جميع الفئات، لكي يصبح لديها القدرة على منافسة المطاعم، وأصحاب المشروعات المشابهة.
تروي "عفاف" لـ"عين الأسواني"، أنها بدأت مشروعها بتأسيس جروب على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، باسم "أم سلمى"، لتنشر عليه وصفاتها "المصروف عليها" بحسب قولها، مشيرة إلى أنها قدمت أشهى الأطباق بأسعار مناسبة، دون الاضطرار إلى تقليل جودة الطعام، خاصة بعد ارتفاع أسعار الأرز، الأزمة التي طالت جميع الأسر المصرية.
تقول عفاف: “تكلفة الطعام الذي أقوم بطهيه، زادت آخر شهرين بنسبة 20%، نظرًا للاتفاع المستمر في أسعار السلع، وللأسف لا يقدّر الزبائن هذه الأزمة، بالرغم من أن الغلاء طال الجميع، فهم يريدون الحصول على الوجبات بجودة جيدة وسعر مناسب لهم".
اعتذرت "عفاف" عن تنفيذ بعض طلبات الزبائن، بسبب اختفاء الأرز الذي تعتمد عليه في الطهي، من الأسواق، مشيرة إلى أنها تبحث عنه دائمًا، وتشتري منه كميات كبيرة، حالما تجده لدى أي تاجر، حتى لا تضطر للتوقف عن العمل مرة أخرى.
أوضحت "عفاف" أنها تلجأ في بعض الأوقات إلى شراء الأرز "الفلت" ذي الجودة العالية، والذي يتخطى سعره الـ20 جنيهًا، بعدما كان يبلغ سعر الكيلو منه 15 جنيهًا فقط، مشيرة إلى أن عملها يعتمد على السمعة، ولذلك لن تقبل بطهي أي نوع من الأرز غير الجيد.
في منتصف نوفمبر الماضي، أصدر رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، قـرارًا برقم ٨٩ لسنة ٢٠٢٢، بخصوص تحديد سعر بيع كيلو الأرز الأبيض، واعتباره من المنتجات الاستراتيجية، مما يحظر حبسه عن التداول سواء من خلال إخفائه، أو عدم طرحه للبيع لأي سبب كان.
كما صرّح وزير التموين والتجارة الداخلية، علي المصيلحي، في بيان صادر عن الوزارة، بأن مصر لديها احتياطي استراتيجي من القمح يكفي لمدة 5 أشهر، ولكن بالرغم من ذلك، مازالت أزمة اختفاء الأرز وارتفاع أسعاره مستمرة.
وفي أسوان، قلّما تجد الأرز متوافر لدى الباعة، وإذا توفر فالأسعار إما مرتفعة أو متباينة. ولا يوجد شكل واضح للتعامل الرقابي مع هذه الأزمة، أو معرفة ما إذا كان الأمر يعكس قيام الباعة أنفسهم بإخفاء الأرز لبيعه فيما بعد بسعر مرتفع، أم أنه مختف بالفعل ولا يستطيعوا الحصول عليه.
لا تعاني "عفاف" وحدها من هذه الأزمة، ولا تقف وحدها في حيرة وسط عدم توافر المعلومات عن حقيقتها أو حلول مواجهتها مستقبلًا، فتقريبًا أغلب أصحاب مشروعات الأكل المنزلي "البيتي"، واللاتي تحول كثيرات منهن من ربات منزل إلى فتح المشروع للمساهمة في المصاريف ومواجهة ارتفاع الأسعار المتواصل.
تقريبًا تردد هويدا دياب نفس تفاصيل المعاناة، خاصة بعدما طالبها زبائن مشروعها، بتقديم وجباتها بنفس الأسعار القديمة، مشيرة إلى أن الزيادة التي وضعتها على سعر الوجبات بسيطة جدًا، لدرجة أنها تؤثر في معظم الأحيان على المكسب.
"عاوزة الحال يمشي"، هذا ما قالته "هويدا" التي توقفت عن طهي المحاشي، حتى لا تستخدم الأرز بعد أزمة ارتفاع أسعاره مؤخرًا، موضحة أنه عندما يطلب منها أي زبون طبقًا يحتوي على الأرز، تبلغه أولًا بسعره، والتكلفة الإجمالية للوجبة، بعد إبلاغه أيضًا بثمن بقية المكونات وورق التغليف، وذلك حتى لا يمتنع الزبون عن استلام الوجبة في النهاية، بسبب سعرها المرتفع.
تفصّل هويدا ل”عين الأسواني” وقت إجراؤنا الحوار معها، أسعار وجباتها، مشيرة إلى أنها لا تتوقع أن تستقر وقد تزيد مرة أخرى وفقًا للارتفاعات المتوالية: “زادت أسعار الوجبات بنسبة تتراوح بين 20 و30%، ففي السابق، كنت أبيع كيلو الممبار بسعر 90 جنيهًا، ولكن تخطى سعره حاليًا الـ130 جنيهًا، وبالرغم من أن معظم وجباتي تعتمد على الأرز، إلا أنني أحاول الابتعاد عن شراؤه، ففي السابق كان سعر الكيلو 11 جنيهًا، ولكن حاليًا يترواح سعره ما بين 20 إلى 28 جنيهًا".
تحاول هويدا التأقلم مع أسعار الأرز الجديدة، عن طريق بيع الوجبات محدّثة يوميًا، بحسب الأسعار في ذلك اليوم، حتى لا تعتذر لزبائنها عن طهي وجبات الأرز مرة تلو الأخرى، فيبحث الزبائن عن مكان آخر لشراء وجباتها منه.
ونفس الأمر حدث مع نجلاء، التي لم تشفع سنوات خبرتها في مواجهة غلاء الأسعار، فقد أثّر ارتفاع الأسعار على مشروعها للأكل البيتي، بالرغم من معاصرتها لهذه الأزمة أكثر من مرة، خلال العامين الماضيين.
تعلق نجلاء قائلة: “أصبحت زيادة أسعار الوجبات الآن حتمية، خاصة بعد تناقص الإقبال على شراء الطعام من الخارج، وما زاد الطين بلة، هو ارتفاع أسعار الأرز، فقد توقفت عن العمل في بداية شهر نوفمبر الماضي، بعد اختفائه من الأسواق، ولم أعد إلا بعد شراء كميات كبيرة منه".
وأضافت: “اضطررت للتخلي عن نوع الأرز الذي اعتدت شراؤه، فسعره كان 15 جنيهًا للكيلو، وأصبح سعره الآن 20 جنيهًا، ومعظم وجبات الزبائن تعتمد على المحاشي، ولذلك قمت بزيادة أسعار الوجبات".
حتى كتابة هذا التقرير، لا زالت انعكاسات زيادة الأسعار مستمرة على أصحاب المشروعات التي حاولنا أن نتحدث مع عينة منهم وإن كانوا ليسوا الوحيدين في خضم هذه المعاناة. جميعهن يخشين أن يضطروا في نهاية الأمر إلى التوقف، وكما يحاولوا مواكبة الأسعار، يحاول زبائنهم أيضًا ذلك.