في فجر كل صباح اعتادت "مها" الوقوف أمام سور نادي المقاولين العرب المطل على كورنيش النيل، ترسم المارة، بعد أن توضح لهم فكرة مبادرتها ، لم تتوقع أن تُزال الجدارية بعد مرور 4 سنوات، وبعد أن رسمت حوالي 300 شخص.
بدأت القصة في بداية شهر يوليو الماضي، حين تلقت "مها" رسائلَ من أصدقائها تتضمن إخبارها بأن الجدارية قد أزيلت، وسؤالها عن ما إذا كان هناك مشروع جديد سَيُرسم، لتتفاجأ “مها” بإزالة الجدارية، من أجل رسم الهوية البصرية للمحافظة، وهو المشروع الذي بدأت المحافظة العمل عليه في شهر يناير الماضي، بعد مؤتمر أسبوع الصعيد، فخرجت ببث مباشر على صفحتها الشخصية عبر الفيس بوك؛ لتعبر عن استيائها لما حدث لجداريتها، والتي لم تكن الجدارية الوحيدة التي أزيلت، على حد قولها.
تواصلت "عين الأسواني" مع الرسامة "مها جميل"، ذات الـ 30 عاما، خريجة كلية الفنون الجميلة جامعة حلوان، حيث أوضحت أن فكرة الجدارية جاءت بعد مشاركتها بمبادرة تستهدف رسم الشخصيات المؤثرة وأصحاب الإنجازات بمحافظة أسوان، فقالت لما لا أرسم الناس غير المشهورين، وأعطي لهم قيمتهم، فبدأت "مها" في رسم المارة ممن يتوقفون ليشاهدوا ما تفعله، أو تقوم "مها" بتصوير من توقف ليشاهدها بهاتفها وترسمه فيما بعد.
تقول "مها" إن الهدف في البداية كان رسم 100 شخص، لكن انتهت الجدارية برسم 300 شخص، بالإضافة إلى مشاهير قابلوها أمام السور، كلاعب نادي الزمالك شيكابالا، جاءها هو وأصدقاؤه فرسمته، "أثناء عملي على الجدارية لم أفرق في حجم الوجوه بين شخص وآخر، لأقول للناس أن قيمتكم كبيرة وليس أصحاب الإنجازات فقط، وبالفعل هناك أشخاص رسمتهم على الجدارية حققوا إنجازات شخصية بحياتهم وهذا ما أسعدني”.
واجهت مها في رحلتها أثناء رسم الجداريات تحديات بين الدعم والإهمال، ففي سنة 2017 خصص لها المجلس المحلي مكان الجدارية لتنفيذ مشروعها، ووفر لها المواد اللازمة لرسم الجدارية، فتقول مها إن "محمود عليان" رئيس مجلس المدينة السابق، هو من ساعدها على تنفيذ المشروع، لكن لم يعد هناك أي تعاون فيما بعد، فقدمت مشروعات تطوعية للميادين خاصة العام الماضي مع بداية تطوير شوارع المدينة، لكن دون أي رد، وبعد مسح الجدارية، أبلغها موظفو المجلس المحلي أنها إذا أرادت الرسم على الجدران مرة أخرى، سترسم التصميمات الخاصة بمشروع الهوية البصرية فقط، وبالفعل شاركت مها برسم جداريتين عند محطة القطار ضمن مشروع الهوية البصرية وفق نموذج تصميمي مقدم لها وليس من ابتكارها.
توضح "مها جميل" أنها ليست ضد المشروع، لكن أسوان بها ميادين وأسوارا كثيرة، فليس من العدل أن نمنع الفنانين من التعبير عن فنهم، فالجرافيتي يعتبر وسيلة للتعبير عن البلد وثقافتها، وتوضح قائلة :"آخر عمل رسمته صندوق كهرباء بأحد شوارع منطقة العقاد، ففي الواجهة الأمامية رسمت الهوية البصرية، وعلى جانبيه رسمت أطفالا من المنطقة؛ رغبة في توضيح أننا نستطيع دمج الهوية البصرية والجرافيتي، في النهاية هذا تخصصي ومجال عملي الذي أمتهنه، فأنا أعتمد على رسم الجداريات بفنادق ومطاعم المدينة، وليس على رسم اللوحات وإقامة المعارض الفنية"، مشيرة إلى أن رسم الجداريات في الشوارع هو عمل تطوعي في الأساس بدون مقابل، ترغب منه في نشر البهجة وإبراز ثقافة المدينة وعرض فلكلور أسوان، فالسائحون دائما يلتقطون الصور أمام الجداريات أثناء زياراتهم للمدينة، فلما يُمنع رسم الجداريات بالشارع؟
بعد انتهاء العمل على التقرير توصلنا مع الرسامة "مها جميل"، بعد أن علمنا عن تواصلها مع اللواء أشرف عطية محافظ أسوان، وأخبرتنا عن الاجتماع الذي دار مع المحافظ في الثامن والعشرين من يوليو الماضي بعد حادثة مسح جداريتها، وأوضحت قائلة: "تواصل معنا صحفي للوساطة في عقد اجتماع مع المحافظ، معي ومع الفنان على عبد الفتاح، والذي أخبرنا بعدم علمه بمحاولتنا للتواصل معه والمشروعات التي أردنا تقديمها للمحافظة، واقترح علينا أن نقدم أفكارا لجداريات تدمج مشروع الهوية البصرية والثقافات المتنوعة بأسوان، مثل العبابدة والجعافرة والبشارية وغيرهم، حتى يتقبل سكان المدينة مشروع الهوية البصرية، وهو اقتراحنا بالفعل قبل لقائنا به، ووعدنا بلقاء ثانٍ من أجل عرض نماذج لأفكارنا”.
وبالنسبة لمسح الجدارية، أوضحت "مها" أن المحافظ أبلغها أن الجدارية أُزيلت بقرار رئاسي، نظرا لموقع الجدارية الاستراتيجي،لأنها على مدخل المحافظة، وليس من حق صاحب الجدارية أن يمنع مسحها، وعلقت، لكن من المفترض أن يتم إبلاغ الفنان قبل مسحها، وأن المحافظة ستدعم أي فنان سواء مادياً أو معنوياً.
وأضافت قائلة: في اللقاء القادم سأعرض عليه أن يتم إعادة رسم الجدارية مرة أخرى، خاصة أن الجدارية التي أُزيلت رسمتها بخامات قوية ومضادة للعوامل الخارجية، وأثبت ذلك للمحافظ أثناء اللقاء، وسأحاول أن أتأكد من تمكين الفنانين من رسم الجرافيتي في شوارع أسوان بعيداً عن مشروع الهوية البصرية.