في أخميم، أحد أقدم المدن التاريخية في مصر، وأكبر مراكز محافظة سوهاج؛ يبرز منزل "فواز الطهطاوي"، الأب والجد، الذي أسس منزلًا ليضم عائلته وأبناءه.
اختار "فواز" الحجر الفرعوني في بناء منزله، الذي يبدو مميزًا فيما حوله من المباني المحيطة. وقد تفرغ لبنائه بعد أن خرج على المعاش، من وظيفته كمدير لفرع بنك الإسكندرية وسط سوهاج.
داخل منزل العائلة؛ احتفظ "فواز" بإرث من الصور، في ألبوم يعود إلى زمن الأبيض والأسود، من سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
يحمل الألبوم ذكريات فواز، الشاب الذي أحب من قلبه زيارة أضرحة أولياء الله الصالحين، مثل كثيرين غيره من أبناء الصعيد وأخميم.
تجمع الصورة الأولى إلى مطلع التسعينات، يظهر فيها "فواز" وشيخه الراحل "محمد الحواشي"، الذي كان يصطحب "فواز" شابًا، إلى صلوات الجمعة وحلقات الذكر، وموالد آل بيت النبي، حيث كان "الحواشي" شيخ الطريقة.
وفي القاهرة، أعتاد السفر سنويًا لحضور الليلة الكبيرة لمولد السيدة زينب منذ ١٩٥٥م.
أظهر في هذه الصورة مع جدي. التقطتها عبر هاتفي المحمول. لم يمانعني فهو يحب التوثيق مثلي، وإن كان معتادًا أكثر على الكاميرا الشخصية.
يعتقد كثيرون أني ابن فواز، وليس حفيده، من شدة قربي منه، فمنذ أن وعيت على الدنيا، التقطني جدي، وكانت علاقتي به مميزة، اصطحبني في كل رحلاته، حتى في المنزل كنت دومًا مصاحبًا له.
قربي إليه جعلني أشبهه في طباعه، وهو يعلمنى طريقة في صلته بالله، وسيدنا النبي، وكذلك علاقته بآل بيت النبي، يحدثني عن الحب والأولياء وما تعلمه منهم أو تعلموه هم منه، وفي كل خلواتنا يجذبني حديثه حول كيفية استغلال رحلة الحياة في إرضاء الله ورسوله.
ويعد مولد السيدة زينب أحد الرحلات الهامة في حياة جدي، بدأ يصطحبني إليه منذ حوالي 5 سنوات، وخلال هذه الفترة أدركت أنها ليست مجرد رحلة، بل تحوي العديد من الاستعدادات التي تبدأ ما قبل المولد.
وتبدأ لدى جدي فواز بشراء "خروف".
زرت مع جدي المولد مرة واحدة، قبل أن تغلق أبواب المسجد بسبب كورونا، ومن ثم تطويره. وبعد 4 أعوام، ومع إعادة افتتاح المسجد وفتح أبوابه وإقامة المولد، عدت هذا العام مع جدي، لأخوض معه رحلة لم أكن قد شاهدتها وعايشتها معه بهذه التفاصيل من قبل.
قبل السفر بعدة ساعات من سوهاج، توجّهنا إلى القاهرة، كانت ثاني الاستعدادات؛ ذبح الخروف داخل منزل جدي فواز وتقطيع اللحوم وتعبئتها في أكياس محكمة الإغلاق، لطهيها فى القاهرة، وتوزيعها في الليلة الكبيرة على محبي آل البيت وزوار مولد السيدة زينب.
يجمع جدي زوار السيدة زينب من قريته، ويذهب بهم سنويًا.
وفي الصورة الأرشيفية، التي التُقطت قبل سنوات قليل، يظهر"محمود الشريف" نقيب السادة الأشراف، والدكتور عبدالهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية ورئيس المجلس الأعلى للتصوف.
وفي القاهرة أيضًا، يستقبل زواره من سكان القاهرة، وبينهم الشيخ خالد وافي الرفاعي عميد البيت الوافي ووكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية.
بمجرد وصولنا إلى القاهرة، كنت أنا وجدي ويصحبنا 15 شخص من أبناء أخميم إلى شارع مرزوق الحنفي، بمنطقة السيدة زينب، يستقبلنا زحام القاهرة.
أرى في ملامح جدي شوق جاء من انتظار 4 أعوام لم يأتْ فيهم إلى هنا.
وخلال أيام مولد السيدة زينب تطوف فرق الطبل والمزمار على القائمين بـ"الخدمات"، منذ الفجر وحتى صلاة العشاء.
حيث تقوم فرق الخدمة بتوزيع الطعام والشراب و"النذور" على زوار السيدة زينب.
ومع إجراءه، لجراحة المياه البيضاء، يبقى في المنزل الذي استأجره، وبجواره أدويته، ويفضل الحفاظ على طاقته، لقضاء الليلة الكبيرة.
فرغم إرهاق السفر وطلب الطبيب عدم تعرضه للإضاءة وأشعة الشمس، أصر على الرحلة السنوية.
وأثناء بقائه في المنزل طوال مدة المولد، وحتى الليلة الكبيرة، يستقبل أصدقاءه، وبينهم من جاء من مدينة أسوان لحضور الليلة الكبيرة أيضًا، لكنه لم يُفوّت فرصة الاطمئنان على صحته وتهنئته بمولد السيدة زينب.
في الخارج، يبدأ صخب المولد، وتجمع المئات أمام الضريح.
فيما تنتشر قوات الأمن، انتشارًا كبيرًا، وتسعى لمرور أيام المولد، دون وقوع أية حوادث، خاصة السرقات والتدافع.
ويظهر التواجد الأمني داخل وخارج الضريح.
داخل الضريح، يستعد اتباع طريقة المدرسة الزينبية، للاحتفال.
وهي طريقة تنتسب إلى السيدة السيدة زينب، وشيخها هو الشيخ علاء الدين بكير.
ويعتبر المشهد الأهم هو الوقوف خارج مقام السيدة، والاستعداد للدخول لوضع الورد على المقام.
وأمام الضريح، يتضاعف محبي السيدة زينب - حيث يقومون بالدعاء وقراءة الفاتحة لحفيدة الرسول.
داخل المقام أيضًا تستقر مقبرتين، داخل محيط المسجد، في الفاصل بين مصلى السيدات والرجال.
وهما ضريحي عبدالرحمن العيدروس، من علماء اليمن، ومحمد العتريس شقيق الشيخ إبراهيم الدسوقي، وهو إمام صوفي سني مصري، وآخر أقطاب الولاية الأربعة لدى الصوفية، وإليه تنسب الطريقة الدسوقية.
الجميع ينظر من بين الفاصل الحديدي، على الهيكل الرخامي الأخضر، حيث يستقر تحته جسد السيدة زينب.
يجتمع الزوار لرؤيته عبر القضبان، حيث لا يوجد باب للدخول.
ويتجمع بعض من المتصوفة، لذكر الله في حلقة، بعد أداء صلاة الفجر داخل مسجد السيدة زينب.
يضيء المسجد، وبعد إحباط محبي وزوار مولد السيدة زينب، تعود البهجة لقلوبهم، في مساء الليلة الكبيرة.
لا يكتمل بهاء الليلة الكبيرة، دون الإنشاد، بحضور محمود ياسين التهامي في الليلة الختامية، ليبدأ وصلة مدح النبي محمد وآل بيته.
في حلقات الذكر والإنشاد يخوض الزوار، أحاول أن أقف وأسجل والتقط صورًا لأوثق بها ما يحدث.
بينما استقر جدي في موقعه بسبب حالته الصحية، فيما حضرها رفاقه، شعبان البيضا والسيد البواب وراضي عطية والشيخ رمضان، الذين صاحبوه الرحلة من أخميم.
43 عامًا على بناء المنزل، بدأت بهجة الليلة الكبيرة تعود إليه مرة أخرى، بعد أن فُتحت أبواب مسجد السيدة زينب أمام محبي آل البيت.
لتُضاف صورة جديدة إلى ألبوم جدي "فواز الطهطاوي".