أسمايا

تصوير: -

كتب/ت سلمي الهواري
2023-06-08 00:00:00

هذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها، فلم أعتد الكتابة لكنني أحبها عن ظهر قلب، لا أُجيد اختيار كلمات تصف ما في قلبي بدقة حتى جاءتني اللحظة التي صفعتني فيها الحياة؛ أضطرت أن أكتب، عن قلبي، مشاعري، حياتي، وعن قادمًا مجهولًا لا أعرفه، و ماضيًا مر لم أفهمه.

سُميت أسمايا، لم أفهم اسمي في طفولتي، و"إن جيت للحق كنت أكرهه كثيرًا لأنني لم أفهمه"، لكن ما إن وصلت إلى مرحلة الصبا حتى بحثت عنه ووجدته اسم فرعوني يعني اللطيفة، وحينها فهمت لماذا أخذت أمي تُصبّرني وتقول لي "الاسم يليق بلطفاء مثلك"، كنت لطيفة مع الحياة والناس، ولم أر لطفاء غيري في الحياة.

قضيت الماضي في السكوت والشرود، ورأيت أطفالًا يلعبون في فناء المدرسة بكرة القدم، ورأيتني في مخبأ سُمي بـ"البيت" لا أجرؤ على الخروج منه، لأنه وببساطة سمعت أمي تردد "البنت المحترمة متطلعش بره بيتها أبدًا "، لذا نشأت في بيئتهم بين جدران منزلي وغرفتي، لا يألفني أحد ولا أعرف من الدنيا سوى طريق المدرسة؛ والتي تخرجت فيها بلا رفيق.

لم أتعلم الكتابة، لأن أبي ظن أنها ستجعلني أتمرد، بعدما استعرت كتابًا لأول مرة كان يحكي عن فتاة تسافر كثيرًا، ثم تدخل في مغامرات وعلاقات اجتماعية مختلفة فسألت أبي بفضول مراهقة: "ليه مينفعش أسافر لوحدي وأدخل في علاقات وأعمل صحاب، مش يمكن ده اللي هيخليني إنسان واعي؟"

أجاب: "عشان البنت عندنا بيتقفل عليها لحد ما يجيلها العَدل".

لم أفهم ما هو العَدل الذي ينتظره أبي، لكنني فهمت قلقه حين عُدت من مدرستي ذات مرة، ووجدته أخذ كل كتبي وأخبرني في حدة:

"مفيش قراية كتب من دي تاني، قبل ما تشتري أي كتاب هشوفوه الأول".

صُعقت مما أراه واسمعه، أيكره أبي أن يرى ابنته مثقفة وتتعلم!؟، لم أعتد الرد على أبي لكنني تمنيت لو ينطق لساني بما يدور في عقلي ولو لمرة، لكنه أكمل حديثه بغضب ورفع صوته وقال: 

"الكتب دي هتبوظك ومش هعرف المك يا أم علاقات".

يا أبي ليتك فهمت ما قصدته، لم أقصد علاقات بالمعني الحرفي، لكنني وددت في صحبة وحياة أخرى غير التي رأيتها في بيتكم.

خاف أبي من دخول علاقة وخافت أمي أن أخرج من البيت، ولم يدروا أن هناك خطرًا حقيقيًا يحيطني داخل أربعة جدران؛ وهو خطر تجسد في ابن عمتي المدعو  "جلال".

قلت لماما: "جلال بيكلمني في حاجات مش كويسة! المفروض نقول لبابا".

صفعتني أمي على وجهي، ونهرتني: 

"اخرسي، وإياكي الكلام ده يطلع لحد.. ده ابن عمتك عمره ما يعمل كده".

"بقيت طول عمري أخبي نظرتي المسكينة وضحكتي المكسورة، وأنا أتحمل ذلك المخلوق المُقرف الذي كرس وقته لحديثي عن شهواته حتى جعلني أكره كوني بنتًا". 

للمرة الأولى أكتب كل هذا وأصارح نفسي بالحقيقة وأصارحكم معي، أكتب وأنا أرى فيّ 100 فتاة أخرى تحملت تسلط أبيها في الخطأ، وتعلق أمها بعادات مجتمعية خاطئة.

لكن لولا الكتب التي قرأتها خلسة، لكنت استجبت لابن عمتي عن ظهر قلب، وأنا في سن الـ15 عامًا، ولكنت رافقت كل شباب المنطقة، لولا العلم بالحياة عن طريق الكتب والقصص على مواقع التواصل لكنت خسرت شيئًا أكبر مني وقتها؛ لكنت وضعت رأسهم في الطين- كما يقولون دائمًا – هل لا زلت يا أبي تنتظر العَدل؟

الآن تجاوزت سن الأربعين ولم يأتيني العَدل الذي أرغبه أنا، رغم حرصك على إقناعي بكل من تقدم لخطبتي وإذا رفضت تنهرني وتقول: "هتعنسي ومش هصرف عليكي".

اليوم أنا أكتب للعالم، أنا أسمايا ذات الأربعين، أكتب لكم عن تعرضي للتحرش والاغتصاب على يد ابن عمتي، والذي أجبرني والدي على زواجه وأنا في سن الـ 18 حتى "يُستر على الفضيحة" كما كان يردد وقتها. زواجًا صوريًا، لكن حافظ أبي على شرفه وترك قلبي يُذبح.

أكتب، لأني لم أعد قادرة على الصمت، فمن يستبيح الجسد والشرف يستحق الفضح، وليس أن نصمت خوفًا من مجتمع يرانا مجرد عورة حتى وإن كنّا الضحايا. 

"لا تكونوا مثلي، لا تكونون أسمايا اللطيفة التي لم تر أية لطافة”.