وحيدًا في أتوبيس المنصورة الجديد!

تصوير: يوسف سامي - أتوبيس النقل الجديد بالمنصورة

كتب/ت يوسف سامي
2021-11-27 00:00:00

منذ سنوات أصبح الاعتماد على ميكروباصات المنصورة  في الخطوط الداخلية مزعجًا، بعد أن قرر شخص ما مجهول ألا يعتمد على الثلاث كراسي الموازية للباب واستبدالهم بكنبة خشب تأخذ من ثلاث أفراد على الأقل إلى ما لا نهاية حسب أجسام الركاب المكتظين حتى صارت فرصة الحصول على مقعد مريح في الميكروباص كفرصة قبول سائق تاكسي مشوار لداخل طلخا!

تحاوطني المخاوف يوميًا عند ركوبي للميكروباصات، دقائق من الإنتظار بها مغامرة لاختيار عربة لا تجبرني للجلوس على الكنبة سيئة السمعة، زالت تلك المخاوف عندما أخبرني صديقي نور بوجود أتوبيسات جديدة في المنصورة مكيفة ومزودة بخدمة الإنترنت، تأكدت من الخبر من خلال مشاهدتي لمؤتمر تدشين مشروع النقل الجماعي في مرحلته الأولى.

في اليوم التالي كان لي الحظ عند انتظاري لـ"مواصلة" أن يأتي الأتوبيس فورًا للمحطة، ولكنه مزدحم ازدحام كامل مثل  أي أتوبيس مصري أصلي أصيل، صممت أن أقوم بتجربته، كان الفارق في الأجرة جنيهًا زيادة بينه وبين الميكروباص، مؤكد ذلك في سبيل التكييف.

صعدت إليه بالفعل واستمتعت ببقايا التكييف الذي سبقني لجيراني الأعزاء في الأتوبيس، وعند تجربة الإنترنت لم تظهر لي أي شبكة على هاتفي.. كان السؤال هل الشبكة مخفية؟ أم هناك (باركود) على التذكرة؟ أم لسبب كثرة الركاب لم تظهر لي الشبكة؟

لم أتوصل لإجابة ولم أستمتع بالتجربة الأولى بسبب كثرة الزحام، وقصر المسافة بين محطة الركوب والنزول الخاصة بي.

في المرة الثانية لتجربة الأتوبيس كانت في بداية خط  من "صنية ميت خميس"، كانت الساعة تجاوزت الحادية عشر مساءًا، الهدوء يسيطر على المكان والسقيع يقتحم العظام، جاء الأتوبيس وهو خالي تمامًا من الركاب لبداية رحلة جديدة، أتوبيس جديد، ستائر من اللون اللبني الجديدة لم تهلكها الزمن، الأرض نظيفة بخلاف بعض التذاكر الملقاه على الأرض.

 دفعت الأجرة للسائق وجلست في آخر كرسي، وطلبت من السائق كلمة السر الخاصة بخدمة الإنترنت - لم أكن في أمس الحاج للخدمة ولكن تحليل للثلاث جنيهات ثمن التذكرة - فكان رده أنها غير مفعله حتى الآن! على الرغم من تواجد شبكتين يتشابهان في الاسم اشارتهما كاملتلان.

شعرت بالبهجة وأنا جالس في الكرسي بشكل مريح جدًا؛ استطعت أن أريح قدماي بشكل سهل بعد مشوار يوم طويل.

كسر السائق الصمت السائد بصوت صاخب لأغنية شعبية، تأملت وجه السائق في المرآه وهو يحرك رأسه و"يتسلطن" مع الأغنية، حاولت تخمين اسم الأغنية من الكلمات:

الله يعوض علينا

من اللي يجرح عنينا

غلطان في غيرتي عارف

علشان عليكي خايف

هل هناك كلمات وأغنية أفضل من تلك تؤكد أن بينما تجري الحياة.. ثمة أغنية ما تدور في الخلفية، وبينما تدور أغنية ما.. ثمة حياة تجري في الخلفية؟!

كنا قد اقتربنا من محطة "بوابة حقوق" وبدأ السائق ينده "جديلة.. جيديلاااه جيديييلاااع" بالتوازي مع عزف "درامز" الأغنية، لتركب فتاة عشرينية يظهر عليها أنها عائدة إلى منزلها من نزهة بعد توديع صديقة لها من خلف زجاج الأتوبيس، ظهر عليها التوتر عندما اكتشفت أن العربة فارغة تمامًا ليس سواي أنا والسائق فقط، فجلست في كرسي بجوار باب الصعود، من ثم ظهر عليها الإطمئنان عندما صعد آخرون في المحطة التالية من بينهم نساء وعائلة.


مع كثرة المحطات امتليء الأتوبيس نسبيًا، ظهرت مشكلة العثورعلى "فكة" لباقي ثمن التذكرة، مشكلة تجميع الأجرة في العموم، لا يوجد"كمسري" يساعد في إيصال الأجرة، تأزمت من المرة التي طلب مني فيها راكبان توصيل الأجرة، والمسافة بيني وبين أقرب شخص بها صفين فارغين أي سيستدعي ذلك وقوفي وميلي بجسمي لتوصيلها لهم. حينها قلت كان الله في عون الفتاة التي تجلس وراء السائق وعملت كتبَّاع مخلص طوال الرحلة!

كنا نقف في محطة الثانوية، امتلأت العربة بالكامل، لا مكان للجلوس لا مكان للوقوف، شعرت كأني في أوتوبيس في القاهرة، هربت من تلك الفكرة باستماعي لحلقة بودكاست على هاتفي المحمول، حتى تأتي محطتي. جاءت المحطة، استغرقت جهدًا في زيادة مستوى صوتي لكي يصل للسائق بالتوقف.

نزلت.. ربما أفتقد بعض لحظات الميكروباص ومغامرة العثور على كرسي مريح، ولكنني أعرف أنها كانت تجربة مرهقة دائمًا، لذلك أتمنى ألا تعود أبدًا، فكل ما أتمناه أن يقع حظي مع الأتوبيسات الجديدة؛ ذات الكراسي المريحة التي تجعلني وحيدًا في الأوتوبيس.