قصة "فيلات هيئة قناة السويس".. الإهمال يطول التراث الفرنسي

تصوير: مؤمن مسعد

كتب/ت مؤمن مسعد
2023-08-24 00:00:00

إذا أردت أن ترى البيوت الفرنسية قديمًا يمكنك أن تتصفح كتابًا تاريخيًا، أو تشاهد فيلمًا وثائقيًا، والأفضل أن تزور مدينة بورسعيد وترى ذلك بعينيك.
 
تتميز البيوت بتصميمها البسيط، يحيطها حديقة لها سور خشبي أبيض قصير، تخطف الأنظار لأول وهلة، ألوانها متناسقة تدفعك للحلم بأن تكون أحد سكانها يومًا ما وتجاور العاملين بهيئة قناة السويس ممن سكنوها  خلفًا للفرنسيين بعد تأميم القناة.

ومثل كل شئ جميل هُجرت الآن أكثر من ثُلث عدد الفيلات، أبوابها محطمة ومفتوحة من دون رقابة أو متابعة.
 
وبالبحث عن أصل بناء فيلات هيئة قناة السويس والفترة التاريخية التي تنتمي إليها، نجد أنها بُنيت في عام 1926 على أيدي الفرنسيين بعد سنوات من افتتاح القناة، وامتلكها العاملون بهيئة قناة السويس من الأجانب، وظنوا أن القناة ستدوم لهم طوال العمر وأن استقرارهم في بورسعيد أبدي.  
 
وصدر بعد تأميم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قناة السويس في 26 يوليو 1956، قرارًا بتخصيص الفيلات للعاملين بالهيئة من المصريين بشكل مؤقت وحتى سن المعاش.

تقع الفيلات في منطقتين، في بورسعيد، وبورفؤاد على الضفة الثانية من قناة السويس، وكلاهما مُصمم على الطراز الأوروبي بهيئة كنيسة صغيرة سطحها هرمي.
 
وتتكون الفيلا الواحدة من طابقين أرضى وثالث علوي، وجميع الفيلات متراصة جنبًا إلى جنب بطول الشارع، وبُنيت بحجر "القرميد الأحمر" ويتميز أنه لا يملح، ففي الشتاء يجعل البيوت دافئة، وفي الصيف لا يمتص الحرارة، ويوجد في الريف الفرنسي نفس الطراز من عمارة الفيلات.
 
أما التصميم الداخلي، فكل فيلا متصل بها حديقة صغيرة، وتختلف مساحة الحديقة عن الأخرى، ويربط الطابق الأرضي بالعلوي سلم خشبي، وكل غُرفة لها بابين، كل باب يربط كل غُرفة بالأخرى، وفي النهاية تشعر أنك داخل متاهة. 

وفي بورسعيد يوجد العديد من العقارات المعمارية التي تعتبر من التراث الأثري الرائع في شكله ومضمونه، والتي تم حصرها طبقًا لقرار مجلس الوزراء رقم 1096 لسنة 2011، والخاص بقيد بعض العقارات بسجلات التراث المعماري لبورسعيد، ويشمل 340 مبنى بحي الشرق، و139 مبنى في مدينة بورفؤاد، و106 مبني بحي العرب، و59 مبنى بحي المناخ.


ولا يجيز القرار هدم أي من هذه المباني جزئيًا أو كليًا إلا بموافقة اللجنة القومية للتظلمات، ولا يجوز أيضًا إجراء أي تعديلات عليها إلا بموافقة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري؛ وذلك للحفاظ على التراث المعماري والتاريخي المتميز لبورسعيد.
 
وتصنف بورسعيد من أغلى المناطق في مصر في سعر متر الأرض، وقيمتها أصبحت أضعاف قيمة تكلفة البناء عليها، ومع ذلك فلا يوجد استغلال لفيلات الهيئة المهجورة؛ لأن عدد موظفي هيئة قناة السويس أقل من عددها.

وحتى بعد مرور سنوات طويلة فلا توجد آليات واضحة لاستغلال الفيلات، مثل تحويلها إلى مساحات مفتوحة تحقق رواجًا سياحيًا وتجتذب الأجانب الذين ولدوا وعاشوا بها لزيارتها واستعادة ذكرياتهم، أو مراكز إبداعية على سبيل المثال مع أعمال الترميم والصيانة والاحتفاظ بالتراث.  

وأسأل؟.. أين وزارة الثقافة أو السياحة والآثار أو الجهاز القومى للتنسيق الحضاري؟، هذه مسئولية الوزارات في الحفاظ على الآثار المعمارية المسجلة ومنع المساس بها، وهذا دورهم في متابعة أعمال الترميم والصيانة وسد جميع ثغرات القانون، وليس فقط جرد وتسجيل مئات المباني كأثر وتراث ومنع هدمها.
 
وبينما تتعرض المدينة هذه الأيام لهجمة بدعوى التطوير، فلا يعرف أحد في بورسعيد مصير تلك الفيلات، لكن التجارب تقول أن تسجيله كمبنى أثري ذو طراز معماري مميز لا يضمن حمايته، وبالأمس القريب تم هدم متحف بورسعيد القومي لإقامة مشروع سكني على أرضه.
 
وصنف أساتذة وخبراء العمارة والفنون مدينة بورسعيد في مهدها كمتحف معمارى مفتوح يضم تكوينًا من أروع الطرز المعمارية لدول البحر الأبيض المتوسط، أبدعها معماريون فرنسيون وإيطاليون وإنجليز ويونانيون؛ لذا فهي تتميز بطابع أوروبي من حيث تخطيطها.

ووفقًا للقانون فهي في حماية من الهدم، ولكن هناك ثغرة تسمح لأصحاب المباني برفع قضايا تطعن في أثريتها.

فهل تضمن لنا القوانين بقاء تراثنا؟ ووقف ما تتعرض له بورسعيد من عمليات تغيير فى هويتها المعمارية.

تصوير: مؤمن مسعد -