شتريت خمسة أطقم جديدة بالمبلغ نفسه الذي كنت أتوقع أن أشتري به فستان أو اثنين، والمفاجأة الأكبر بالنسبة لي، كانت أني وجدت ماركات ملابس لم أحلم يومًا باقتناءها، نظرًا لارتفاع أسعارها، لكنني وجدتها في سوق البالة”.
لم تكن "مايا"، الطالبة بكلية العلوم، وصاحبة الكلمات السابقة، تعلم شيئا عن البالة سوى اقترانها بـ "الخجل"، وذلك لشيوع استخدامها في عبارات السخرية، قبل أن تدرك أخيرًا أن هذه العبارات تصنف على أنها "تنمر"، وأنه "لا شيء يُخجل في ارتداء البالة".
ليست "مايا" الوحيدة التي تذهب إلى محال البالة لشراء ما يلزمها من ملابس، ففي بورسعيد، يرتكز جانب كبير من اقتصاد البالة، سواء الملابس المستعملة أو الجديدة، وكلاهما مستوردين من الخارج، ومع الارتفاع المستمر في الأسعار في السنوات الأخيرة، باتت البالة أحد الأسواق الجاذبة للمستهلكين الجدد، فاختفى "الخجل" الذي كان من الممكن أن يمنع أحدهم سابقًا من التوجه للشراء منها، وزاد الإقبال عليها، وتضاعف أعداد المشترين.
الاحتياج المتزايد إلى ملابس جديدة في الجامعة كان دافعًا لـ "مايا" للاتجاه إلى ملابس "البالة"، تقول: "ظل معي شعور الخجل من تكرار ارتداء الملابس نفسها في أيام الذهاب إلى الجامعة، حتى اقترحت صديقتي "زينة" أن نذهب معًا إلى سوق البالة، ونرى إن كان هناك شئ يناسبنا، أو حتى على سبيل التجربة".
استكملت، "ترك لي والدي في ذلك الوقت مبلغًا لشراء ملابس جديدة، ولكنه كان أقل كثيرّا مما كنت أريد، وهذا تحديدًا ما دفعني للذهاب مع "زينة"، واكتشاف عالمًا مليئا بالمفاجآت، خاصة بعدما اشتريت من "برندات"، كنت أعرفها من مهرجانات الأزياء العالمية فقط”.
الضغط على "مايا" من ضرورة مواكبة "الموضة" لا يبدو غريبًا، في ظل الضغوط المتزايدة على الشباب بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، التي جعلت الموضة لا تقتصر على مغني أو ممثل كما كان يحدث سابقًا، بل أصبح هناك صانع محتوى متخصص في عرض الملابس الجديدة، عبر منصات مثل انستجرام، يوتيوب، وتيك توك، لذا أصبح معظم شباب الطبقة المتوسطة، يتخوفون من ارتداء ملابس لا تواكب هذا التطور، بشكل أكبر من تخوفهم من الرسوب في مادة دراسية.
ومع ارتفاع الأسعار وتدنّي الرّواتب مؤخرًا، يبدو الأمر لافتًا للانتباه، فقد تزايدت نسبة المقبلين على شراء "البالة"، التي لم تعد ترتبط بالخجل مثلما كان شائعًا من قبل.
اتجهت الكثير من ربات المنازل المصريات للشراء من سوق البالة أيضًا، ليخترن ما يردن مما يعرف بـ "صندوق البالات"، وهي تلك الأكياس البلاستيكية التي توضع فيها الملابس، ويتم فتحها أمام الجميع، هذا بحسب ما ذكرته "أسماء" -45 عامًا- التي تذهب إلى سوق البالة، صباح يوم الجمعة كما هي العادة في بورسعيد، كي تكون أول من يتفحص القطع عند فتح الصناديق.
تقول أسماء لـ "البورسعيدية": "البالة من الأشياء التي نتوارثها في مدينة بورسعيد، ولا نخجل منها، فعلى سبيل المثال في فترة الثمانينات والتسعينات، كان من الممكن أن تلتقي بسعيد صالح أو عادل إمام، وهما يتبضعان من سوق البالة، فهذا الشئ كان معتادًا بالنسبة لأهل بورسعيد".
وأضافت، "على عكس ما يعتقده البعض، نحن لا نقلق من ارتداء ملابس البالة، لأنه يتم تعقيمها جيدًا قبل استخدامها، وزيادة على ذلك، أُرسلها إلى المغسلة لتعود إليّ وكأنها جديدة، وفي وجهة نظري، لا يمكنك العثور على جاكيت جلد أصلي إلا من البالة، وبالرغم من رخص ثمنه، إلا أنه يمكن لأولادي ارتداؤه لمدة عشرة سنوات قادمة، ويظل على حالته كما اشتريته، على عكس الصناعة المصرية".
وسط أكوام الملابس الموجودة داخل المحال، وعلى أسطح العربات، وأصوات البائعين وهم ينادون على بضائعهم، تنغمس مريم -16 عامًا- بينهم، فيما تغمرها سعادة كبيرة، حيث أنها تهوى البحث عن الملابس وليس فقط اقتنائها.
تُعبر "مريم" عن سعادتها قائلة: "عندما أكون في حالة نفسية سيئة، أذهب إلى سوق البالة، وبمجرد رؤية الملابس واستخراج ما يلائمني منها، أشعر بسعادة كبيرة، فأنا لا أخجل من شراء الملابس المستعملة، لأن ذلك يحدث في كل دول العالم، وقد قرأت من خلال موقع التواصل الإجتماعي، فيس بوك، عن مواقع بيع الملابس المستعملة بالكيلو، وأعتقد أنهم في الخارج يرون أن الشيء المهم هو رضاك عمّا ترتديه، وليس من أين قمت بشراءه".
وأضافت: "أول مرة اشتريت من سوق البالة، كان قد اقترب فرح أحد الأقارب، وطلبت من أمي وقتها أن نذهب سويًا لشراء فستان "سوارية"، ولكن كانت أسعار الملابس مرتفعة للغاية، خصوصًا أنني سوف أقوم بارتداء الفستان ليلة واحدة، ولذلك اشتريته من سوق البالة، وكان سعره 200 جنيهًا فقط، في حين أن أقل فستان جديد، كان يتخطى سعره الـ 700 جنيهًا، ووقتها أخبرت الجميع، بأنني اشتريته من البالة، وكنت فخورة لأنني انتظرت تعليقاتهم وانبهارهم بشكل الفستان".