على شاطي ميناء بورسعيد، في الرابع من شهر يناير الجاري، فتحت المكتبة العائمة "Logos Hope" أبوابها للزوار، حاملة على متنها أكثر من 50 ألف كتاب ورواية، ولم يكن يعلم طاقمها، أن المصريين سيقابلونها بنسخهم الخاصة من الروايات عنها، فكما كانت السفينة منفذًا لنموذج مختلف عن المكتبات العامة، و"فسحة" و"رحلة" حلوة لأبناء بورسعيد أو زوارها من المحافظات الأخرى، اختلفت الانطباعات عنها وتباينت أهداف كل زائر خطت قدمه لها.
قبل وصول السفينة وبعدما رست في ميناء بورسعيد، شاعت حولها المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي عن أنها "تبشيرية"، مستخدمة كتبها لنشر الدين المسيحي بين الزائرين، بينما انتقد البعض السفينة، زاعمين أنها تدعم إسرائيل، ضد القضية الفلسطينية، وعلى الجانب الآخر مجّد آخرين المكتبة العائمة، حتى قارنها البعض بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، لأنها تحتوي على كتب لم يرونها من قبل.
منذ قدوم السفينة وتحاول "البورسعيدية" رصد آراء زائريها على أرض الواقع، فماذا كانت رواية من لم يكتفوا بالحكم على الكتاب من عنوانه، وقرروا قراءته بأنفسهم؟ وما هو الصحيح مما قيل عن "logos Hope"، وما هو الزائف؟.
من القاهرة إلى بورسعيد، سافر "إبراهيم فاروق"، استشاري توثيق العلوم ونشر التوعية العلمية العامة، لزيارة المكتبة الفخمة، بالرغم من أن رأيه أن السفينة لا يمكن مقارنتها بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، لأنه ثاني أكبر معرض للكتاب في العالم، والأول من حيث عدد الزوار.
يقول "فاروق" لـ"البورسعيدية": "يصل عدد إصدارات المكتبة العائمة إلى 50 ألف إصدار، ولكن يحتوي معرض القاهرة الدولي للكتاب، على أكثر من 2 مليون كتاب، كما أن أسعار الكتب هنا تبدأ من 120 جنيهًا فيما فوق، بينما يمكنك شراء كتاب ثمنه 20 جنيهًا فقط من معرض القاهرة للكتاب، فلا يوجد مقارنة بينهما على أي مستوى من المستويات".
وعن الرواية التي تقول إن السفينة تبشيرية، هدفها نشر الدين المسيحي في البلاد التي تزورها، فيقول "إبراهيم": "يُوزع الكتاب المقدس في معرض القاهرة للكتاب، وأيضًا في معارض الكتب المحلية مجانًا، ولم يتهمهم أحد بالتبشير، فإذا طبعت القرآن الكريم، ووزعته، لن يتهمك أحد بمحاولة نشر الدين الإسلامي، ولن يمنعك أحد من ذلك".
يوضح الموقع الرسمي للسفينة "Logos Hope"، أنها سفينة خيرية، وليست دينية، تابعة لمنظمة GBA الألمانية، يصل عدد متطوعيها إلى أكثر من 400 شخصًا، من 60 جنسية حول العالم، ومن مختلف الأديان، لا يتقاضون رواتب، مقابل خدمة زوار المكتبة، وحثهم على القراءة، ولذلك فهي تجسد التفاهم الدولي في أبهى صوره، ولم يذكر الموقع أي حديث عن التبشير، ولم يشير إلى أي دين من الأديان السماوية.
أما الرواية الثانية التي قيلت عن السفينة، فتبنّتها "فاطمة أحمد"، التي تحدثت بنبرة يملؤها الغضب قائلة،: "تفاجأت بأن المكتبة تعرض خريطة للعالم، وتضع بها إسرائيل على أنها الدولة الرسمية، وحذفت فلسطين من الخريطة نهائيًا، كيف نقبل بهذا الأمر؟ هل هذه هي الثقافة والرسالة التي تريد المكتبة تعليمها لأجيالنا الجديدة؟".
أعربت "فاطمة" عن استياءها أيضًا من الزحام الشديد، مشيرة إلى أن مساحة المكتبة صغيرة جدًا، وأنها كانت تتوقع أن تكون ذات مساحة أكبر، خاصة وهي تصنف كأكبر مكتبة عائمة في العالم، نافية شراؤها لأي كتاب من كتبها، بسبب أسعار الكتب المبالغ فيها، قائلة: "لم أحظ بتجربة ممتعة خلال زيارتي للسفينة، فخرجت منها مهرولة بعد 30 دقيقة فقط من دخولي إليها، لأنني شعرت بالانزعاج، فالمكتبة العائمة حطمت كل توقعاتي".
ومن ناحية أخرى، لم يندم "محمد هاني" على السفر من المنصورة إلى بورسعيد لزيارة المكتبة العائمة، فبالرغم من توقعاته الخاطئة بأنها ذات مساحة أكبر، وأنه من الممكن أن يستعير الكتب ويقرأها كأي مكتبة أخرى، إلا أن انطباعه عنها، ظل إيجابيًا، مكانًا جيدًا يفيد الجميع وينمي ثقافتهم.
يقول هاني: "أعجبني وجود العديد من الجنسيات على متن السفينة، خاصة وأنهم كانوا في غاية اللطف، فتحدثوا معنا، واهتموا بنا، ووجدت من خلال نقاشاتنا، أنهم يتشابهون معنا في العديد من وجهات النظر، كما أعجبت أيضًا بتنوع الكتب، ولم أشعر بالضيق بسبب ارتفاع أسعارها، فهي في متناول الكثيرين، ومن يهوى القراءة، يعلم أن مصر شهدت ارتفاعًا في أسعار الكتب مؤخرًا، فهذا شيء طبيعي، والشيء الوحيد الذي أزعجني، هو الزحام، و صعوبة الدخول إلى السفينة".
انبهرت "آلاء سعد"، 16 عامًا، بعدما زارت المكتبة العائمة، ووقفت أمام قسم العلوم، فقد شاهدت مجموعة كبيرة من الكتب، لأول مرة تراها في حياتها، وبالرغم من أنها لا تتحدث اللغة الإنجليزية، إلا أنها استطاعت التواصل مع طاقم السفينة، بعدما طلبت من شقيقها مرافقتها إلى هناك، لكي يترجم لها ما تود قوله لهم، حيث كان أول سؤال لها هو، كيف تستطيع التطوع والانضمام لطاقم السفينة؟.
"سأظل أتباهى بأنني زرت هذه السفينة"، هكذا قالت "آلاء"، التي شعرت بحماسة جعلتها ترغب في تصفح جميع الكتب الموجودة على متن السفينة، مشيرة إلى أنها حصلت على البريد الإليكتروني لها، من أحد أفراد طاقمها، الذي شجعها على تعلم اللغة الإنجليزية، لكي تستطيع الانضمام لهم في يوم من الأيام.
أيام قليلة وتغادر المكتبة العائمة ميناء بورسعيد، حيث ستتجه إلى ميناء العقبة بالأردن، في 23 من شهر يناير الجاري، حاملة معها ذكريات أكثر من 110 ألف زائر، قاموا بزيارتها في مصر، تاركة وراءها قصص وحكايات، سيرويها المصريون عنها لأشهر قادمة.