لم استسلم

تصميم لباسم حنيجل

كتب/ت محمود جابر
2024-07-22 11:36:13

في يوم من الأيام، عندما كنت في سن السابعة عشر عامًا، وأعيش مع أسرتي، عندما أتى الليل قررت أن أدخل إلى غرفتي لأنام. كان يبدو ذلك اليوم مثل أيام سابقة، لكن لمّا استيقظت من نومي في الصباح وقعت الكارثة، إذ وجدت نفسي في وضع غريب للغاية.

لم أعد قادرًا على استخدام كل حواسي، باستثناء حاسة البصر، كنت لا أزال في طريقي لاستيعاب الأمر، حين دخل أفراد أسرتي عليّ، فأخبرتهم في دهشة عمّا واجهته وأنا لا أدري ماذا أشرح، وكيف أنني لم أعد قادرًا على سماع الأصوات أو تذوق الطعام أو الشعور باللمس.

ظهرت على وجوههم الصدمة والقلق بينما أشرح لهم ماذا حصل، وبعدها قررنا أن نتوجه إلى الطبيب للحصول على تشخيص دقيق لمعرفة سبب هذا التغيير المفاجئ في حواسي، وقام الطبيب بإجراء الفحوصات اللازمة والاستماع إلى قصتي بتفاصيلها.

أخبر الطبيب عائلتي أن هذا التغيير المفاجئ في حواسي قد يكون له تأثير مؤقت، ثم ستعود حواسي مرة أخرى. كان الأمر مُحبطًا، لذا قررت عدم الخروج من المنزل حتى يتم رجوع حواسي ثانية، ولمدة شهر مررت بحالة اكتئاب، حيث حبست نفسي بداخل المنزل، ورغم محاولات عائلتي للترويح عني، لكني لم أستجب لهم.

حتّى أن أبي غضب غضبًا شديدًا، وعرض علي رحلة إلى مدينة الإسكندرية وإن لم أذهب معه هذه الرحلة هددني بأن يُخاصمني إلى يوم الدين، انصعت له بسبب تهديده وقررت الذهاب معه، وعلى عكس توقعاتي قضيتّ وقتًا جميلًا برفقة العائلة في استكشاف حاسة البصر مرة أخرى، كأني لم أختبرها من قبل، أصبحت أكثر وعيًا تجاه التفاصيل البصرية وجمال الألوان والتفاصيل الصغيرة في الأشياء من حولي. كنت مُمتنًا للغاية لهذه الحاسة التي بقيت معي، وصرت عازمًا على الاستمرار في التعامل مع هذه التحديات.

مرّت الأيام والأسابيع، فيما دار في ذهني بعض التساؤلات؛ لماذا أراد الله هذا بي، وكيف سأتخطى هذه العقبة، ومن سيقبلني بهذا الشكل، ومتى سترجع لي حواسي، ومن الذي واجه عقبة مثل تلك من قبل، وما الخطوات التي يجب أن أتبعها في هذه الفترة؟؟

في ظل ظروفي، تعلمت كيفية التكيف مع الواقع الجديد، وأخذت قرارًا بالبدء مع التعامل مع الناس مرة أخرى والتأقلم مع العالم الخارجي.

قررت استكشاف عالم الفن والرسم، وأصبحت أعبر عن نفسي من خلال الرسم والتصوير الفوتوغرافي. كانت هذه وسيلة لي للتواصل مع العالم الخارجي وللتعبير عن مشاعري، وفي نفس الوقت كان مجال عملي هو الرسم والتصوير الفوتوغرافي.

رافقتني الأزمة طويلًا، ظللت مستمرًا في استخدام حاسة البصر فحسب في عملي لأكثر من 10 سنوات، وحققت نجاحات كبيرة، عرضت لوحاتي في معارض عالمية، ووثقّت الحياة الريفية المصرية بالرسومات والصور الفوتوغرافية، وكتبت القصة والرواية أيضًا.

كانت عائلتي وأصدقائي الدُعامة القوية لي طوال الرحلة، ساعدوني في الاستمتاع بالحياة بطريقة جديدة، أدركت أن الحياة تحمل في طياتها العديد من التحديات، ولكن القوة والتصميم يمكن أن تُساعدنا على التغلب عليها.

لم أعد أرى العالم فقط بعيني، بل رأيته بروحي وإبداعي، أصبحت قادرًا على رؤية الجمال في التفاصيل الصغيرة والتركيز على الأشياء الحقيقية المهمة في الحياة.