المسرح الجندري.. طريق استقطاب الجمهور إلى قضايا المرأة

تصوير: أمنية حسن - صورة للعروض

كتب/ت أمنية حسن
2024-03-27 16:00:06

حين تعرضت شيماء أبو زيد، للرشق بالحجارة على مسرح إحدى القرى في محافظة أسوان، علمت أنها تسير في الطريق الصحيح، إذ كانت مع فريقها المسرحي يقدمون عرضًا مسرحيًا عن قضية تشويه الأعضاء التناسلية للفتيات «الختان»، ويومها قررت أن تُخصص عروضها المسرحية عن المرأة وقضاياها.

رُشقت شيماء بالحجارة من قبل الحاضرين بسبب رفضهم للتطرق إلى تلك القضية الحساسة وخطورتها، وبالفعل توقف العرض مؤقتًا نتيجة إثارته لجدل تلك القضية، إلا أن شيماء وفريقها لم يتوقفوا بل بدأوا طريقًا أكثر جدلًا.

بدأت شيماء وفرقتها تقديم عروض مسرحية تخص النساء في مجتمع يعاني من القبلية والعصبيات، منها قضايا تزويج القاصرات، إذ إن تقريرًا أجراه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء العام 2021 أكد فيه أن عدد حالات تزويج القاصرات في المحافظات بلغ 96 ألفًا و533 عقد زواج، مقابل 20 ألفًا و687 عقدًا في المدن.

ومؤخرًا انتشر في أسوان فكرة المسرح الكندري على يد فرق خاصة أو مؤسسات تنموية ومجتمع مدني التقت «عين الأسواني» مع البعض منهم.

في البداية كانت تعمل شيماء في المجال التنموي منذ 2007 تقول لـ«عين الأسواني» إن قرار البدء في ذلك المجال جاء إيمانًا بدور رائدات المجتمع الأسواني ودورهم الملموس في إصلاح المجتمع.

وبعد ذلك، على مدار ثلاث سنوات بدأت شيماء في تخصيص جزء من عملها التنموي في إقامة عروض مسرحية، لانتباهها بأهمية هذا المجال في التأثير على الجمهور المتلقي: «المسرح لاقى إعجابًا من الجمهور من حيث واقعيته وسرد الحكاية ونقل المشاعر من فرح وحزن وما يمر به المتضرر في المشكلة، وليس مجرد نقل المعلومات، حتى المؤدي يستطيع أن يرى بعينه ردود الأفعال».

ثم بدأت شيماء في التخصص بالعرض المسرحي عن النساء والقضايا الخاصة بهم، توضح: «لم يكن الأمر سهلًا لأن الخروج إلى الجماهير والحديث عن قضايا حساسة في مجتمع منغلق يحتاج إلى دقة وتركيز، كما أن محاولة تغيير قناعاتهم أمر صعب، ولكن الدعم الأسري هو من حفزني على الاستمرار».

تضيف: «كنت في البداية أنا من أكتب وأخرج وأشارك في تمثيل المسرحيات لرفض الفتيات وعائلاتهم المشاركة في عروض مسرحية تتناول قضايا جندرية وانتشار الصور ومقاطع الفيديو لها على منصات السوشيال ميديا ثم بدأت بعضهن تقتنع».

توضح: «بدأت في قياس تقبل الجمهور في المدن بمعرفة الفرق بينها وبين القرى، ولمست تفاعل السيدات مع القضايا التي تلمسهم، وتطلب منا معرفة طرق للتأثير على السلطة الأبوية التي تجبرهم على ممارسة بعض الأفعال غير الراضين عنها كالختان والزواج المبكر».

وقدمت شيماء عروضًا مسرحية عن الاغتصاب الزوجي: «في قرية غرب سهيل نظمنا مسرحية بعنوان رفقًا بالأجيال تشمل خمس قضايا منها الختان والزواج المبكر، وعروض مسرحية ضمن مسرح مكاوي، وفي جامعة أسوان قدمنا عرضًا مسرحيًا عن الختان وبدأت ألمس تقبل فكرة المسرح الجندري».

الجندرية هي الهوية الاجتماعية للأشخاص في المجتمعات دون النظر إلى جنسهم، ظهر المصطلح في مصر خلال التسعينيات، وهناك مسرحيات تناولت تلك القضايا الجندرية منها مسرحية المرأة الحديدية للأديب توفيق الحكيم،

ومسرحية الست سلمى للكاتب أحمد عبدالحليم، وتدور المسرحيتان حول محاولات النساء للتحرر.

انعكست محاولات شيماء الإيجابية لفرض المسرح الجندري في المجتمعات المنغلقة على الحاضرين، منهم عبير أحمد طالبة الفرقة الثانية بكلية التربية جامعة أسوان، التي لم تكن تهتم بحضور المسرحيات التي تنظمها اللجان الشبابية بالجامعة، حتى بدأت في الحضور للعروض الخاصة بشيماء وفرقتها.

تقول: «لدي قناعة بأهمية حصول المرأة على حقوقها، خاصة أنني أعيش في هذا المجتمع وأرى الواقع بعيني، لكن لم يكن لدي اهتمام بمجال المسرح، أو قدرته على طرح تلك القضايا بشكل جيد، الأمر اختلف عند حضوري للمرة الأولى، كانت الرسالة تصل بشكل مبسط، غير الطريقة التقليدية كالنصح والإرشاد، لأن المسرح يقدم العمل كأنه حكاية سهلة تصل إلى الجماهير».

أما فاطمة عبدالله، إحدى المهتمات بحضور العروض المسرحية عن قضايا النساء، تقول: «لدي اقتناع تام بالقضايا الجندرية وشاهدت إعلانات توعية وبرامج كثيرة تتحدث عن ذلك، لكن تجربة المسرح كانت الأولى لي، بعد انتهاء العرض، أستطيع أن أرى سهولة الوصول إلى المعلومة وطريقة الإقناع من خلال الحكاية التي تعرضها اسكتشات المسرحية، ومن المسرحيات التي لا تنسى عرض تحدث عن إصابة أم وطفلها بالإيدز وما تعرضوا له من وصم».

إلى جانب شيماء فهناك العديد من مؤسسات المجتمع المدني التنموي التي بدأت تهتم بالعروض المسرحية عن قضايا المرأة والجندر، منهم مبادرة «طوق نجاه»، المتخصصة في توعية الشباب بقضايا الصحة الإنجابية والأمراض المنقولة جنسيًا.

تقول أمل صلاح، مؤسسة المبادرة: «خلال سنوات من العمل التنموي وجدنا أنه من المهم استخدام المسرح في التوعية بالقضايا التي نريد توصيلها للجمهور».

تضيف: «بدأت ذلك منذ العام الماضي بسبب طبيعة المجتمع الأسواني الذي يتفاعل مع الفن، لأن البعض ليس لديه الجرأة في الحديث عن تلك الموضوعات أو التجاوب معها».

كما أطلقت الدولة والمؤسسات التنموية العديد من المشروعات التي تناولت قضايا الجندر عن طريق المسرح، منها مشروع وزارة الثقافة عام 2005 باسم «مسرح المرأة»، كما أطلقت منظمة المركز العربي للدراسات الاستراتيجية «مسرح التغيير» في العام 2019 بهدف تقديم مسرحيات تتناول قالقضايا الاجتماعي.

بينما ترى راندا ضياء، مديرة مشروع قناوي وحكاوي المهتم بالفن وقضايا النساء، أن الفن يتقبله الجمهور سريعًا أكثر من العروض النظرية، وخاصة المسرح الذي عن طريقه نقدم حكايات مستوحاة من الواقع ونعيد صياغتها في حكايات وعروض مسرحية، ونضيف إليها أغاني واستعراضات ونمرر عبرها خطابات ورسائل للجمهور تخص القضية، حتى يخرجوا من العرض متشبعين بتفاصيل القضايا التي نتناولها ومقتنعين بأهميتها».