لا كهرباء لإنارة الزينة.. شهادات أهالي غزة عن أول رمضان بعد العودة

تصوير: صور من المصدر - أول رمضان في غزة بعد العودة

كتب/ت أمنية حسن
2025-03-04 11:00:06

داخل خيمة صغيرة نجت من الدمار، يحاول مصطفى سلامة، عشريني، أن يعيد شيئًا من أجواء رمضان التي اعتادها ويعلق الزينة على جدرانها المهترئة، وكأنها خيط أمل يربطه بالماضي.

بعد رحلة نزوح مريرة عنوانها الألم والحنين، عاد مصطفى برفقة أسرته إلى منزلهم المدمر في منطقة نيتساريم غرب قطاع غزة، بعد أن فرضت عليهم قوات الاحتلال الإسرائيلي تهجيرًا قسريًا العام الماضي، إذ لم يكن أمامهم سوى النزوح بسبب استهداف النيران عدة منازل في المنطقة.

طوال تلك الفترة، تنقل سلامة بين أماكن النزوح، مترقبًا لحظة العودة التي لم يكن يعلم أنها ستأتي يومًا، حتى قرر العودة في يناير الماضي مع دخول الهدنة حيز التنفيذ.

لكن عند عودته إلى غزة بعد الحرب، اكتشف أن الواقع أشد إيلامًا مما شاهده عبر نشرات الأخبار، واصفًا الشعور بالصعب للغاية، فلم يعد منزل الأسرة المحمل بالذكريات، لا سيما في شهر رمضان موجودًا.

يعيش أكثر من 376 ألف فلسطيني رمضانهم الأول بعد العودة من النزوح الذي فرضته عليهم حرب 7 أكتوبر. عادوا إلى بقايا منازلهم التي كانت تحتضن أجواء رمضان في الأعوام الماضية، لكنها اليوم تروي قصة أخرى، حيث تُعلق الزينة على الخيم بدلًا من الجدران، ورغم ذلك، يتمسك العائدون باستعادة الأجواء.

تزيين الخيم

يقول مصطفى لـ"عين الأسواني": "بات واقع المدينة مختلفًا تمامًا عما اعتدنا عليه، كان منزلنا قريبًا من منطقة نيتساريم التي تعرضت لدمار شامل، وأصبح المكان بلا ملامح واضحة، والتعامل مع هذا الواقع كان تحديًا كبيرًا، فلم يعد أمامنا سوى التأقلم مع ما هو متاح".

قبل أيام من رمضان، اعتاد سلامة الخروج إلى الأسواق المزدحمة بالمواطنين لشراء السلع الغذائية وتعليق الزينة، وهي من العادات التي تحرص عليها العائلات في غزة لاستقبال الشهر الفضيل.

لكن الحرب غيرت كل شيء، كما يحكي: "بعد العودة، لم يعد بإمكاني ممارسة الطقوس التي كانت جزءًا من حياتي لسنوات، إذ فرضت الظروف واقعًا جديدًا ليس أمامي سوى التعايش معه".

يسرد: "استعدادات رمضان هذا العام مختلفة، لا توجد تجهيزات فعلية بسبب الظروف الصعبة التي نواجهها، ورغم دخول بعض السلع إلى الأسواق، لا يزال الاحتكار موجودًا حيث يستغل التجار الوضع، مما يزيد من تكلفة الحياة اليومية ويجعل تأمين الاحتياجات الأساسية تحديًا يوميًا".

ورغم القصف والتشريد، يصر سلامة على التمسك بروح رمضان، متجاوزًا قسوة الواقع ليخلق أجواءً عائلية دافئة داخل خيمته الصغيرة.

لم يتخلَّ عن المظاهر التقليدية للشهر الفضيل، أحضر زينة رمضان ليزين بها المكان، محاولًا إعادة شيء من البهجة، كما يحرص على تحضير بعض الأكلات الرمضانية، مثل القطايف، التي لا تزال حاضرة رغم التحديات، آملاً أن تعيد بعضًا من الأجواء الروحانية رغم كل ما مر به.

رمضان بين الركام

ما تزال أزهار الدحدوح، 37 عامًا، تتمسك هي الأخرى بالمظاهر التقليدية لشهر رمضان، محاولةً بث الفرح في نفوس أبنائها رغم قسوة الظروف.

عندما عادت إلى مدينة غزة، خاضت رحلة شاقة برفقة سبعة من أفراد أسرتها، متنقلةً عبر وسائل النقل المختلفة للوصول إلى تبة نويري وسط قطاع غزة، ثم إلى الشيخ عجلين، قبل أن تكمل الطريق سيرًا على الأقدام حتى منزلها في منطقة تل الهوى في الجنوب.

كان شعور أزهار مزيجًا من الفرح والمرارة. تقول: "لم أكن أصدق أنني سأعود يومًا، لكن ما رأيته عند وصولي كان صادمًا، كل ما تابعناه عبر الصور لم يكن سوى لمحات مبهمة، أما الواقع فكان أشد قسوة، سجلت في ذاكرتي مشاهد لا يمكن وصفها، فقد تعرضت مدينتي إلى دمار يفوق كل التوقعات، وكل المشاهد تركت في داخلي أثرًا لا يُمحى".

تسير أزهار الآن بين الركام وهي تشدو بأغاني رمضان، لتشجيع الأطفال على الغناء والعزف، لمحو آثار الفقد الذي عاشوه، كما نظمت برفقة زملائها مسابقات بسيطة تتعلق برمضان، تتضمن أسئلة خفيفة مثل متى نصوم؟ ومن هو نبينا؟ لإدخال الفرحة على قلوب الأطفال.

تروي أزهار استعداداتها لاستقبال شهر رمضان لـ"عين الأسواني": "كنا نذهب إلى السوق لشراء مستلزمات الشهر لكنه الآن يبدو مختلفًا تمامًا، وكأنه فقد كل ملامحه التي اعتدنا عليها".

التغيرات التي لحقت بالمدينة جعلت أزهار تواجه صعوبة كبيرة في التأقلم، إذ وصفت حالتها بأنها بدأت "من الصفر"، بعدما فقدت المأوى واضطرت للتعامل مع ندرة المواد الأساسية، حتى أبسط الاحتياجات اليومية التي كانت متوفرة سابقًا أصبحت رفاهية يصعب الحصول عليها، مما ضاعف المعاناة.

تحكي: "ورغم كل ذلك، حرصتُ على استقبال رمضان بطريقتي الخاصة، فأنا أعلم جيدًا أن هذا الشهر لن يشبه أي رمضان سابق، فقدتُ العديد من أفراد عائلتي كنا نتشارك في ذكريات رمضان وفرحة الأطفال، لذا تطوعت في أنشطة تهدف إلى إدخال السعادة على وجوههم، خاصة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة".

الكثير منهم فقدوا آباءهم أو أمهاتهم، وبعضهم أصيب بإعاقات، ومع ذلك، أرادت أزهار أن تمنحهم ولو لحظات بسيطة من الفرح خلال شهر رمضان، لتعيد إليهم جزءًا من طفولتهم المسلوبة.

لا كهرباء لإنارة الزينة

آخر رمضان قبل النزوح في منزل تغريد سيف، 27 عامًا، كانت تستعد هي وعائلتها المكونة من 15 فردًا لاستقبال رمضان قبل موعده بقرابة شهرين، حيث كانت أسواق منطقة البريج التي تقطن بها وسط غزة، تعج بالألوان والزينة وأشجار العيد في كل زاوية.

إلا أن رمضان بعد الحرب لم يعد كما كان، بل تغيّر تمامًا، كما تقول تغريد: "حلّ رمضان عام 2024 وسط أجواء الحرب المأساوية، ورمضان 2025 يأتي وسط آثار تلك الحرب المدمرة فلم تعد هناك فرحة كما في السابق، وكأن الفرح انكسر بداخلنا، داخل كل بيت في غزة شهيد وقلوب ذويه تبكي من الفقد والحسرة، لم يبقَ بيت إلا وطاله الهم والحزن".

تحكي: "بعد رحلة نزوح شاقة، وشهور قضيناها في خيمة صغيرة، عدتُ إلى منطقة البريج في غزة قبل شهر رمضان لكنني لم أجد سوى الدمار، منزل عائلتي الذي احتوانا لسنوات لم يعد موجودًا، ومصادر رزقنا اختفت تحت أنقاض القصف".

تسكت تغريد برهة وكأنها تتذكر لحظات آخر رمضان قبل الحرب: "نحاول رسم البسمة على وجوه الأطفال بشراء أضواء أو زينة بسيطة لاستقبال رمضان".

 كانت عائلة تغريد في رمضان تتبادل الزيارات والتهاني وقضاء أوقات الفطار والسحور معًا، إلا أن عدد الأسرة تناقص بسبب سقوط الكثيرون منها شهداء في الحرب.

تقول: "لا أنسى التجمع على موائد الإفطار وصلاة التراويح كنا نشعر بالألفة وقتها، ونتشارك بعد الصلاة إعداد القطايف وقضاء الوقت مع الأقارب والأصدقاء لكن الآن الوضع مختلف، الأسر تكافح لتأمين وجبة، وأغلب المحلات التجارية دُمّرت، ولم يتبقَ سوى ثلاثة محلات تقريبًا في غزة تبيع زينة رمضان لكن لا كهرباء لإنارة الزينة".

تقول بحزن: "قبلتُ بكل ما حدث لنا، وأؤمن بأن الله لا ينسى أحدًا، كنتُ أحب التجول في شوارع غزة، أتأمل الزينة وأشعر ببهجة العيد، لكن الآن، كل شيء تلاشى، وما زلنا نعيش في صدمة، ورغم كل هذا، لا نفقد الأمل، نعلم أن غزة ستنهض من جديد، وستعود أجمل مما كانت عليه".

يصنع مصطفى زينة رمضان داخل الخيمة من قطع القماش الملونة التي نجت من الدمار، مستعيضًا بها عن الزينة الضوئية التي تحتاج إلى كهرباء، وفي مكان آخر بين الركام، تشدو أزهار بأناشيد رمضان بصوت يملؤه الشجن. ورغم كل شيء، يتمسك أهالي غزة برمضانهم ويستقبلونه بروح الصبر.

تصوير: صور من المصدر - أول رمضان في غزة بعد العودة