بعد الأزمة الأخيرة.. كيف أهدرت محافظة أسوان مليارات الجنيهات في مشاريع المياه؟

أزمة المياه/ صورة مُعدلة بواسطة: باسم حنيجل

كتب/ت أمنية حسن
2025-01-11 11:42:10

ظنت رانيا محمد، ربة منزل، وإحدى سكان حي الصداقة الجديد بمحافظة أسوان، حين رأت إعلان عن الانتهاء من مشروع للقضاء على ضعف وانقطاع المياه بتكلفة بلغت 35 مليون جنيه، أن أزمة المياه بالمحافظة لن تعود مجددًا، إذ عاصرت تاريخ طويل من الانقطاعات المتكررة.

تتابع رانيا عن كثب بيانات المحافظة؛ لمعرفة متى تنقطع المياه، إلا أنها في الوقت ذاته تتعجب من المشاريع الضخمة التي تُعلن المحافظة عن تنفيذها بمليارات الجنيهات؛ دون أن يكون لها عائد مباشر في الأحياء والمناطق التي انقطعت عنها المياه 75 مرة خلال العام 2024.

تقول: "آخر مرة انقطعت المياه لمدة 7 أيام، ونفدت المياه المخزنة لدينا، لا سيما أنه لا يكون هناك إنذار مسبق في أغلب المرات، ويكون سبب القطع إصلاحات أو وصلات لإمداد الأحياء بالمياه، فكيف تنفذ المحافظة كل تلك المشاريع في قطاع المياه ولا يتم تحسين الخدمات؟".

مشاريع ضخمة وانقطاعات متكررة

سؤال رانيا حاولت "عين الأسواني" الإجابة عنه في التقرير التالي، إذ بدا أن هناك تناقضًا شديدًا بين المشاريع الضخمة التي تقوم بها المحافظة بالمليارات لتحسين قطاع المياه، والواقع الذي يعاني فيه السكان من الانقطاعات المتكررة للمياه.

استخدمنا المصادر المفتوحة لتحليل بيانات المحافظة حول انقطاعات المياه في عام 2024، وتبين أن المياه انقطعت 75 مرة في العام 2024، وهو رقم يتنافى مع وعود تحسين الخدمة، وكذلك تحليل البيانات التي أعلنت فيها المحافظة عن مشاريع المياه إذ وصلت التكلفة الإجمالية لها 3.5 مليار و942 مليون جنيه، وأبرزت البيانات التناقض بين الخطط المعلنة والواقع.

تهالك المواسير والبنية التحتية

يُرجع مصدر من الفرق الفنية في شركة مياه الشرب بأسوان، رفض ذكر اسمه، تكرار أزمة المياه في المحافظة إلى تهالك مواسير، إذ يحدث ذلك في أثناء محاولة ربط المواسير الضعيفة بالقوية لتقويتها، بسبب الضغط الكبير على الشبكة الناتج عن زيادة عدد السكان، ما يؤدي إلى حدوث كسور في الخطوط.

ويوضح لـ"عين الأسواني": "تساهم عوامل أخرى في المشكلة، مثل طبيعة مدينة أسوان الجبلية المرتفعة التي تتطلب سحب المياه من مناطق بعيدة، بالإضافة إلى تعرض المواسير للتلف بسبب مرور سيارات النقل الثقيل على الخطوط في مسارات غير مخصصة له، وعدم حدوث صيانة أو تطوير لها".

وبين أن المشاريع التي تقوم بها المحافظة لا تصب في إصلاح تلك الأزمات مباشرة: "هناك حاجة ملحة لتوفير خزانات ومواسير قادرة على تحمل هذا الضغط الكبير على الشبكات".

75 انقطاعًا للمياه خلال 2024

حللّت "عين الأسواني" 75 منشورًا على الصفحة الرسمية للمحافظة، يفيد بقطع المياه في مناطق مختلفة بالمحافظة بمتوسط من يوم إلى يومين وأقصى مدة كانت 7 أيام متواصلة، واتضح من البيانات أن أبرز أسباب انقطاع المياه المتكررة كانت انكسار المواسير والإصلاحات.

بينما نفذت المحافظة خلال آخر 5 أعوام 9 مشاريع لتحسين قطاع المياه بتكلفة إجمالية 3.5 مليار و942 مليون جنيه، في أحياء: "طريق السادات - حي الصداقة - مركز إدفو"، وهي نفس الأحياء التي شهدت انقطاعات للمياه متكررة على مدار العام.

آخر تلك الانقطاعات ما حدث في ديسمبر الماضي، إذ انقطعت المياه لمدة 12 يومًا؛ نتيجة -وفق بيان المحافظة- وجود جيوب هوائية في محابس مياه مناطق المحمودية وحي الصداقة، تطلبت تغييرها بالكامل، رغم إعلان محافظة أسوان في يونيو الماضي أي قبل الأزمة بـ5 أشهر، عن الانتهاء من مشروع يقضي على أزمة انقطاع المياه في تلك الأحياء التي تضم 100 ألف نسمة بتكلفة 35 مليون جنيه.

أخطاء في الصيانة

وتعقيبًا على ذلك، يفسر مصدر شركة مياه الشرب بأسوان، مشكلة انقطاع المياه التي استمرت لأيام، بأنها نشأت بعد تفريغ خزانات المياه لمعالجته، ومع دخول الهواء إليها، تعذر رفع المياه لاحقًا إلى المناطق المتضررة، وهي مشكلة شائعة تحدث أثناء أعمال الصيانة وتتكرر في أسوان.

وأشار المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لـ"عين الأسواني"، إلى أن الخطة كانت تقضي بربط حي اللوتس بخزان المحمودية نظرًا لمعاناة الحي من ضعف المياه، إلا أن انقطاع المياه عن مناطق أخرى أدى إلى توقف تنفيذ هذا الربط.

وعود بلا نتيجة

لا تهتم دعاء عصام، تقطن في منطقة المحمودية، بالإنجازات التي تقوم بها المحافظة طالما لا ترى انعكاسها على أزمة المياه، إذ تكلفت خلال الأزمة الأخيرة مصاريف زائدة عن الميزانية بسبب شراء المياه المعدنية؛ نتيجة انقطاع المياه 7 أيام متواصلة.

تقول لـ"عين الأسواني": "لا أشعر بأي إنجازات تذكر في قطاع المياه بالمحافظة، فالعام الحالي شهد انقطاعات متكررة وغير مسبوقة، وكل فترة نأخذ وعود من المحافظة من حل الأزمة بشكل جذري وتركيب خطوط وإمدادات لكن دون جدوى".

مسكنات مؤقتة

آخر تلك الخطوط التي تم تركيبها، ما أعلنت عنه المحافظة في 30 ديسمبر الماضي عن ربط خط جديد لتغذية حي الإسكان المتميز "اللوتس" مباشرة من خزان المحمودية دون ربطه بأي خطوط أخرى، وذلك بهدف تجنب تكرار الأزمة الأخيرة وعودة المياه.

يرى الدكتور الحسين حسان، خبير التطوير والتنمية المستدامة، أن الأزمة في أسوان أكبر من خطوط التغذية الجديدة التي تركبها المحافظة في الوقت الحالي كحل دائم، مبينًا أنه لا بد من تغييرات جذرية في البنية التحتية لأن الخطوط الجديدة تعتبر مسكنات مؤقتة.

وأضاف لـ"عين الأسواني": "المحافظة بها شبكات ومواسير مياه قديمة لا سيما مع زيادة السكان، فكان يجب زيادة عدد المواسير الخاصة بضخ المياه لتتناسب مع العمر الافتراضي للبنية التحتية للمحافظة".

يصف حسان أزمة الانقطاع الأخيرة في أسوان بأنها جريمة لا بد أن يحاسب المسؤولين عنها، لأن انقطاع المياه عدة أيام ليس خطأ إداري، مبينًا أن المحافظة تعاني من تهالك في المواسير، وتلجأ خلال الأزمات إلى الحلول المؤقتة مثل الإمدادات أو خطوط التغذية التي لا تصمد كثيرًا، ووصول المياه هي حق لكل مواطن.

تدلل الأرقام على الانعكاس المباشر الذي تُحدثه أزمة المياه على نصيب الفرد من المياه في أسوان، وفق النشرة السنوية لإحصاءات المياه النقية والصرف الصحي الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مايو الماضي، التي أوضحت انخفاض متوسط نصيب الفرد من المياه النقية المنتجة من 87.6 مليون متر مكعب لعام 2022/ 2021 إلى 80.2 مليون متر مكعب في عام 2022/2023.

تحركات برلمانية لمشاكل المياه بأسوان

لذلك تحتاج أزمة المياه في أسوان إلى تحركات عاجلة، وفق طلب الإحاطة الذي قدمته النائبة ريهام عبدالنبي، عضو مجلس النواب، عقب أزمة المياه الأخيرة، مشددة على ضرورة توفير نحو مليار جنيه لإصلاح البنية التحتية وشبكات المياه بأسوان.

كما استمرت المشاريع بقطاع المياه في المحافظة حتى 31 ديسمبر الماضي، حين التقى عدد من نواب أسوان بالمهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، وقدموا مقترح تفصيلي باحتياجات المحافظة لتنفيذ رافع للمياه من منطقة خزان المحمودية إلي منطقة المحمودية والصداقة، وإنشاء خزان مياه في منطقة طريق الفنادق بمدينة ناصر.

وزارة التنمية المحلية: "ليست مشكلتنا"

قامت "عين الأسواني" بالتواصل هاتفيًا مع وزيرة التنمية المحلية، منال عوض، وكذلك مع المتحدث الرسمي للوزارة، الدكتور خالد قاسم، بهدف منحهم فرصة للرد على مشكلة الانقطاعات المتكررة للمياه في أسوان وسط المشاريع الجارية، إلا أنهما لم يجيبوا على المكالمات. 

كما تم إرسال رسائل عبر تطبيق "واتساب"، حيث لم تتجاوب الوزيرة، بينما رد المتحدث الرسمي قائلًا: "الأزمة تتعلق بشركة مياه الشرب والصرف الصحي التابعة لوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة"، وعند الاستفسار منه عن دور وزارة التنمية المحلية في تدريب العاملين بشركات المياه على التعامل مع الأزمات والمشكلات المتعلقة بالمياه، لم نتلقَ أي رد حتى لحظة كتابة التقرير.

 

أزمة المياه في أسوان