لا يزال المصريون في صدمة منذ إعلان رئاسة الوزراء، رفع سعر الخبز المُدعّم، من 5 قروش إلى 20 قرش، القرار الذي طُبّق في الأول من يونيو الجاري، أي أن الزيادة تصل إلى 300%، وعبّرت زينب أحمد، أحد أهالي منطقة السيل بمدينة أسوان، عن حُزنها، قائلة "الوضع أصبح كارثيًًا الآن، غلاء سعر العيش، ومن ثم إلغاء الدعم نهائيًا، لا أعلم إلى أين سيصل الأمر"
قرار الحكومة يعني أن المواطن من حاملي البطاقة التموينية سيحصل على 5 أرغفة بجنيه واحد، بعدما كان يحصل على 5 أرغفة بـ25 قرش، ولا تُعدّ الزيادة بسيطة وسط أزمة ارتفاع أسعار طالت جميع السلع، بعد تخفيض قيمة الجنيه المصري 3 مرات، حتى وصل سعر الدولار اليوم 47 جنيه.
محاولات لإيجاد بدائل
تقول زينب، إنها تحمل بطاقة تموينية تكفي أربعة أفراد من أسرتها فحسب، فطفلها الثالث والأخير لم يُحسَب ضمن البطاقة التموينية بسبب قرار عدم إضافة المواليد، الذي أقرته الحكومة، مُضيفة أنها تحصل اليوم على 20 رغيف ببطاقة التموين، لكنها لا تكفي "وبضطر أشتري عيش حر"، فيما يصل سعر رغيف العيش السياحي نحو جنيه ونصف، لوزن 80 جرام.
وتُكمل زينب "قبل تلك الزيادة لم نكن نشعر بفارق، لكن مع زيادة عدد أفراد الأسرة، وعدم تمكننا من إضافة ابني الصغير، تأثر وضعنا مع الوقت، خاصة مع تقليل حجم الرغيف"، ورغم تحديد وزارة التموين لوزن رغيف الخبز المدعم نحو 90 جرامًا، إلا أن العديد من المصريين يشتكوا من تقليل حجمه، فالبعض يقول إن الوزن يبلغ الآن 80 جرامًا.
وتحصل اليوم أسرة زينب على 20 رغيف بـ4 جنيهات، بعدما كانت تدفع جنيه واحد فقط للحصول على نفس الكمية، وتزداد التكلفة في حالة وجود ضيوف كما تقول ربة المنزل، "أحيانًا بتوصل تكلفة الخبز لـ40 جنيه، يمكن الموضوع ميكونش مهم بالنسبة لكتير، لكن بالنسبة لدخل أسرتها فهو كبير جدًا"، فالدخل اليومي للأسرة لا يتخطى 150 جنيه بحسب قولها.
فكّرت زينب في اللجوء للدقيق بدلًا من شراء الخبز، خاصة أن بعض المخابز تتعاون في بيع الدقيق بدلًا من الخبز بطريقة غير قانونية، توضح السيدة "عن طريق وضع البطاقة التموينية في المكنة المخصصة على أساس صرف الخبز ظاهرًا، لكن باطنًا يُصرف الحصة دقيق حتى تكون التكلفة أقل بالنسبة لي".
غير أن زينب تقول إن سعر صرف الدقيق بالنسبة لها مُرتفع، مع إتاحة الحكومة لصرف 10 كيلو دقيق بـ30 جنيه، وتستكمل قائلة "ربما أضطر لشراء الدقيق بتلك الطريقة، لكن ليس بيدي شيء، خاصة أني لن أتكلف غاز نظرًا لخبز العيش في فرن بلدي".
مشاجرات مع أصحاب المخابز
صدمة الناس رأتها فايزة رجب بعينها في مشوارها اليومي إلى المخبز، فقد شاهدت عدد من المشاجرات التي حصلت بين الأهالي وصاحب المخبز، خاصة مع عدم علم البعض بالبيان الرسمي الصادر عن الحكومة برفع سعر الخبز، مُعتقدين أن صاحب المخبز هو المسؤول عن ارتفاع السعر.
الأمر يُعدّ أزمة كبيرة بالنسبة لزينب خالد، ربة منزل، أيضًا، لأن أسرتها في العادة تعتمد في وجباتها الثلاثة على الخُبز، خاصة مع ارتفاع سعر الأرز والمكرونة.
وتصف صفاء أحمد، ربة منزل، حالها بأنها داخل دوامة لتوفير البدائل، منذ بداية موجة غلاء الأسعار وإلى الآن، مُتخوفة من تردد أحاديث حول إلغاء الدعم نهائيًا، وتعاني صفاء من أزمة مالية مع تجهيزها لابنتها الكبرى للزواج، وتمتلك السيدة 6 بنات، فيما توفى زوجها منذ 6 سنوات.
ولأنها المعيل الوحيد للأسرة اضطرت صفاء للبحث عن مصدر رزق، فعملت في حضانة للأطفال، حتى استطاعت فتح محل بقالة تُعينها على المصاريف، ولا تملك السيدة سواه كمصدر دخل، بالإضافة إلى معاش تكافل وكرامة الذي يبلغ 600 جنيه.
وأشارت صفاء إلى أن الوضع كان مُيسّر في المنزل، وكانت تحاول استقطاع مبلغ ٥٠٠ جنية لجهاز ابنتها الكبرى شهريًا، إلى أن أتت موجة الغلاء منذ ما يقرب السنة والنصف "منذ ذلك الوقت وأنا أبحث عن بدائل للأطعمة التي ارتفع سعرها، وأبحث عن الملابس الرخيصة لشرائها لبناتي، وأصبحت لا أستطيع استكمال جهاز ابنتي التي تبقّى على زواجها ٩ أشهر، ومتبقي أكثر من ربع الجهاز".
حينما عرفت صفاء بارتفاع سعر الخبز المدعم، تقول إنها شعرت بأن هناك حملًا آخر وُضع على كتفها، حتى أنها لم تستطع الذهاب لفتح محل البقالة كما اعتادت، وحينما ناقشت ابنتها الكبرى فيما حدث اتفقا على بدء مشروع آخر داخل المنزل، وهو خبز العيش البلدي لمن يريد بمقابل مادي بسيط "خاصة أننا نمتلك فرن بلدي ولن نتكلف ثمن الغاز"، وقررت صفاء أن يكون مقابل الأربع أرغفة جنيهًا واحدًا.
هاشتاج للضغط والدعاء
منذ رفع سعر الخبز المُدعّم وأصحاب المخابز هم من يواجهوا غضب الأهالي، فتقول آسيا خضر، مديرة مخبز بمنطقة أبو الريش: "لم يكن معظم المواطنين بالمنطقة يعرفون خبر الارتفاع، كان الأمر صادم بالنسبة لهم وعبروا عن غضبهم صارخين عند تسجيل البطائق، ولكنهم استسلموا للأمر الواقع بعد معرفتهم أن حصة الفرد لا تزال كما هي".
تلقّى أيضًا أحمد محمود، عامل بمخبز عمومي بمنطقة السيل، غضب الأهالي، بسبب اعتقادهم أنهم المسؤولين عن رفع سعر الخبز، ويقول محمود "الناس حسبنت عليا أنا والعمال واتهمونا بالجشع، وأرهقت كثيرًا في اليوم الأول في الشرح بأن القرار صادر من الحكومة ونحن لا دخل لنا".
لم يثق الأهالي في حديث العمال، مُتجهين إلى مخبز آخر للتأكد من السعر، وبسبب ذلك عانى المخبز من إقبال الناس في ذلك اليوم كما يقول محمود، وأشار أيضًا إلى أن كثير من الزبائن علّقوا قائلين أن الدعم سينتهي نهائيًا مع الوقت، وقال بعض الشباب إنهم سيدشنوا هاشتاج "رجوع دعم الخبز" على مواقع التواصل الاجتماعي، آملين في نجاح الضغط وعودة سعر الخبز المدعم لما كان عليه.
لم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل إن البعض لم يكن يمتلك نقود أكثر فاضطر للعودة إلى المنزل، وآخرين لجأوا إلى استلاف المبلغ لحين العودة إلى منازلهم "ومنهم من صبّ غضبه تجاه أفراد الحكومة، إلا أن الجميع رددوا قائلين حسبي الله ونعم الوكيل".