في الأسواق الآن، يبدو البصل أحد الموضوعات الرئيسية التي تتصدر أحاديث الجميع وشكواهم. المشتري يتهم البائع برفع السعر الذي يتراوح حاليًا بين 25 جنيه إلى 30 جنيه للكيلو الواحد، والبائع يدافع بأنه يشتري هو الآخر بأسعار مرتفعة وأنه مضطر، وما بين هذا وذاك غالبًا ينتهي المشهد بشراء نصف كيلو فقط، أو رحيل المشتري من الأساس.
ازمة ارتفاع البصل التي بدأ ظهورها منذ عدة أشهر حينما بدأ يتجاوز العشر جنيهات ووصل إلى 20 جنيهًا في عيد الأضحى وواصل ارتفاعه حتى بات يلامس الآن ال30 جنيهًا، لم تلق أي صدى جاد على المستوى الرسمي إلا في 20 سبتمبر الماضي حينما نشرت وسائل الإعلام قرارًا من مجلس الوزراء بحظر التصدير تراجع عنه في اليوم التالي، ومن ثم أعلن مجددًا عن تطبيق الحظر بدءًا من غدًا، الأول من أكتوبر ولمدة ثلاث أشهر، ينتهي في 31 ديسمبر المقبل.
على مستوى الأسر المصرية، لا يتوقع الكثيرون انعكاس قرار التصدير بخفض السعر للقدر المتوقع منهم، بل يرون أن القرار جاء متأخرًا لسلعة لا تمثل فقط مجرد أحد المكونات الرئيسية في أغلب وجباتها، بل أن له منظور اقتصادي واجتماعي أيضًا في استخدامه أحيانًا للإشباع أو لزيادة كمية الوجبة.
تقول كريمة محمد إنها أتبعت نظام تقليل الكميات التي تشتريها، تضيف: "اعتدت على شراء أكثر من كيلو في المرة الواحدة حتى يكفيني لفترة، لكن توقفت عن هذا الآن، أشتري كيلو واحد أو 2 كيلو على الأكثر، مع تقليل الكمية المعتادة في إعداد الوجبة نفسها".
نفس الأمر لجأت إليه سهير سيد، ربة منزل، التي ترصد ارتفاع سعر البصل منذ عيد الأضحى الذي وصل فيه الكيلو إلى 20 جنيه، ومنذ ذلك الوقت بدأ يرتفع تدريجيًا حتى أنها تجده يصل الآن إلى 30 جنيه في بعض الأيام.
ومن شراء 3 كيلو في المرة الواحدة، بدأت سهير تقتصر على كيلو واحد فقط، مع تقليل استخدامه، فمثلًا صينية البطاطس التي يحبها أفراد أسرتها وكانت تعدها ب 3 بصلات، باتت تعدها ببصلة واحدة.
تشكو سهير الوضع، فالبصل ليس رفاهية للأسر، بل أن استخامه كان يحقق مزيد من الاشباع في الوجبات، فضلًا عن أنه يزيد من كميات الوجبات خصوصًا مرتفعة التكلفة مثل "المحشي واللحم المفروم"، تعلق: “لم أعد أطبخها كما اعتدت".
ووفقا للنشرة الشهرية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ارتفع سعر البصل في أغسطس الماضي بنسبة 434% من سعره، وبلغت قيمة الصادرات من البصل الطازج في يناير هذا العام حوالي 18.4 مليون دولار مقابل صادرات بلغت 6 مليون دولار في يناير 2022 بنسبة ارتفعت إلى ٪208.5 ، وتعد دول "هولندا والسعودية روسيا ايطاليا بريطانيا" من أبرز الدول المستوردة للبصل المصري خلال النصف الأول لسنة 2023.
وفي تقرير لوزارة الزراعة، يتضح أن كمية الصادرات نفسها زادت هذا العام فوصلت إلى 351 ألف طن، مقارنة بالعام الماضي الذي كان 280 ألف طن، بل أن "السيد قصير"، وزير الزراعة أعلن في يونيو الماضي فتح سوق جديد أمام صادرات البصل في أوزبكستان لأول مرة.
وقد أصدر مجلس الوزراء المصري في 20 من سبتمبر الجاري قرارًا بوقف تصدير البصل لمدة ثلاثة أشهر لضبط الأسعار في الأسواق، إلا أنه لم يمر على القرار أيام حتى نشرت مواقع إخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي، نسخة من قرار آخر يفيد بتراجع الحكومة عن القرار، ومن ثم الإعلان عن تأجيل تطبيقه للأول من أكتوبر وحتى آخر ديسمبر 2023.
تتابع هويدا دياب، صاحبة أحد مشروعات الأكل البيتي، القرارات والأسعار لعلها ترى أي بارقة أمل تنتشلها من الأزمة التي تواجهها هي والعاملين في المجال الغذائي من الارتفاع المستمر في السلع دون رادع.
تأثرت بالفعل هويدا من اضطرارها لرفع أسعار لتتناسب مع ارتفاع اسعار السلع المستمر، تقول أن نسبة الإقبال باتت 10% تقريبًا من الطلبات المعتادة، لكنها لا تستطيع أن تتخذ نفس قرار ربات البيوت من خفض كمية البصل في الوجبات لأنه يؤثر على جودتها، خصوصًا تلك التي تعتمد عليه كمكون رئيسي مثل "المحاشي والبرجر والكفته".
وتتابع: “الأسبوع الماضي ذهبت لشراء البصل من سوق السيل كانت الأسعار تتراوح بين 25 لـ 30 جنيه، أشتريت أربعة كيلو من البصل بسعر مائة جنيه، الزبون لديه علم بالأسعار الجنونية التي وصلت إليها السلع فلا يناقشني فيها لكن الإقبال عليها تأثر بذلك، وأحاول تقليل كمية البصل في الطعام بمنزلي للتخفيف من التكلفة”.
يقول مصطفى أحمد، بائع خضراوات، ل "عين الأسواني" إن سعر شوال البصل الذي يشتريه من شادر لبيع الخضروات، وصل إلى 500 جنيه ويحتوي على 20 كيلو والسعر غير ثابت، يعلق: “التجار في الشادر قالوا أن الغلاء نتيجة تصدير البصل خاصة للسودان”.
ورغم أن القرار الحكومي يعوّل بالأساس على أن وقف التصدير سيعود بخفض السعر على المستهلك إلا أن أغلب الباعة والمشترين يتحدثون عن أن عدم تقنين معدل الأرباح والتحكم في السعر عند التجار هو الأساس، وأن الأزمة التي بدأت في الظهور منذ ارتفاع سعر كيلو البصل إلى 20 جنيه في عيد الأضحى كان لابد من التدخل الحاسم لها منذ ذلك الوقت خصوصًا أنه سلعة أساسية لدى الموائد المصرية.
ويوافقه الرأي بائع خضار آخر، فضل عدم ذكر اسمه، أن تصدير البصل كان سببًا لارتفاع سعره، موضحًا: من بعد عيد الأضحى بدأ البصل في الارتفاع بين 25 لـ 30 جنيه للكيلو، كنت أشتري شوال البصل بين 200 ل300 جنيه وبعد الغلاء كنت أشتريه ب400 جنيه، لكن الآن وصل سعر كيلو البصل الذي يحتوي على 40 كيلو بين 800 جنيه لـ 1000 جنيه.
ويعلق قائلًا: "الإقبال ليس كالماضي كان الزبون يشتري من 3 لـ 5 كيلو لكن مع الغلاء بدأ بعض الزبائن في شراء نصف كيلو، فهو شيء أساسي الزبون مجبر على الشراء وأنا مجبر على بيعه في فرشة، البصل والطماطم يعتبر روح الفرشة والزبون الذي يشتري لا يشتري صنف واحد بل يشتري تشكيلة الخضراوات التي يحتاجها ويرحل، فإذا لم تتوفر يقرر الذهاب لبائع لشراء طلباته”.