من العاصمة السودانية الخرطوم إلى أسوان؛ جاءت هبة صلاح وهي سودانية الجنسية وأختها، بعد رحلة شاقة استمرت أيامًا، هربًا من الاشتباكات، وبحثًا عن ملجأ آمن خاصة في ظل انقطاع الكهرباء والمياه عن أغلب المناطق التي تقع في محيط الاشتباكات فضلًا عن نقص السلع الغذائية والخدمات عمومًا، وأخيرًا نقص مواد الوقود.
بعد وصولها من معبر أرقين، وعلى رصيف محطة قطار أسوان انتظرت هبة لساعات موعد القطار المتجه إلى القاهرة ثم الانتقال إلى مطار القاهرة ثم إلى السعودية، حيث مقر إقامة باقي أفراد أسرتها، هكذا حكت قصتها لـ"عين الأسواني"، موضحة أن شراء الطعام والمياه خلال ساعات الانتظار لم يشكل عائق مادي، لانخفاض سعرها عن أسعار المعبر، حيث وصل سعر زجاجة المياه المعدنية لـ 5 جنيهات، في حين السعر في المعبر تضاعف.
وكان الحديث عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية أو الطعام عمومًا مجرى حديث الكثيرون سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو ما يتناقله الناس في الشارع، فكانت التخوّفات من الجانبين الأول أن يقوم الباعة برفع أسعار منتجاتهم استغلالًا للأزمة، والثاني أن يترتب على الأزمة نفسها واستقبال هذه الأعداد الكبيرة من الفّارين في المدينة قد يترتب عليه زيادة الأسعار أو نقص السلع.
لذلك أجرت "عين الأسواني" جولة لرصد أسعار السلع قبل وبعد بدء الاشتباكات وفتح مصر معابرها لاستقبال اللاجئين، وانعكاس ذلك على الشارع الأسواني خصوصًا في المناطق المحيطة بتمركز السودانيين.
كانت البداية من محيط محطة قطار أسوان، التي تشهد تزايد في أعداد المتمركزين حولها، سواء في الفنادق أو الشقق السكنية أو حتى في المساحات العامة، انتظارًا لإقلال القطارات إلى الوجهات التالية المختلفة.
خلال الجولة، رصدنا الإقبال المتزايد على محال البقالة ومطاعم الوجبات السريعة، وهي المنطقة الأكثر نشاطًا في حركة المسافرين، ولم تشهد الأسعار زيادة مختلفة عن الأسعار القديمة، والتي قد ارتفعت مؤخرًا بالفعل ليس بسبب أحداث السودان وإنما بسبب ما شهدته مصر من تعويم للجنيه وانخفاض سعره مقابل الدولار.
كان الأمر نفسه في حي العقاد الذي يستقبل أيضًا عدد كبير من القادمين من السودان ولكن للإقامة فيه سواء فندقيًا أو في الشقق السكنية. لم تتغير الأسعار تقريبًا، هي نفسها المقررة لسكان هذه المناطق ما قبل الأزمة.
"سعر السلع لم يتغير قبل وبعد الأزمة"، هكذا أوضح المقيمون في المنطقة التي تضم عقارات سكنية يقيم فيها السودانيون للدراسة والعمل.
وفي منطقة السيل، وهي أقل المناطق في أسعار السلع، وتضم أسواق مختلفة في منطقة السيل الريف والشادر، رصد "عين الأسواني" الأسعار في منطقة شادر السيل لبيع الخضراوات الذي تراوح بين 7 إلى 10 جنيهات، وزجاجة المياه 3 جنيهات، وكيلو البطاطس10 جنيهات.
الحديث عن الأسعار اختلط بالحديث عن الأزمة السودانية، حيث قالت سيدة فضلت عدم ذكر اسمها، إنها جاءت إلى مصر بعد 4 أيام من زيادة الأزمة في العاصمة السودانية الخرطوم وانقطاع خدمتي المياه والكهرباء.
فضلت السيدة الإقامة المؤقتة في أسوان لحين استقرار الأوضاع في السودان، وأقامت في حي العقاد مع أولادها وأختها، بعد تواصلها مع قريب لها مقيم في الحي، وتنتظر السيدة الانتقال مع أسرتها إلى القاهرة في شقة تملكها هناك، إذ هذه هي أول مرة تقيم في أسوان، بعد اعتيادها الإقامة في القاهرة على فترات مختلفة لامتلاكها محلات تجارية هناك.
"عشت فترة صعبة لأيام في معبر أرقين، افتقرت للخدمات وعانيت غلاء السلع، فزجاجة المياه تساوي 10 جنيهات، العصير 15 جنيهًا، وهو سعر أعلى من حي العقاد، وخرجت أختي لشراء دجاجة بسعر 200 جنيه، وأخبرني المقيمون أنه السعر المعتاد"، تقول لـ"عين الأسواني".
ويذكر أن الأسعار في منافذ البيع في معبر أرقين الحدودي تعتمد على "الأسعار السياحية"، وذلك وفقًا لزيارة سابقة قامت بها عين الأسواني هناك أيضًا.
لم تكن الخدمات والأسعار فقط شاغل السيدة، فمصير امتحانات ابنها في الثانوية العامة في السودان أصبح معلق، الامتحانات موعدها يونيو القادم، لكنها تركت كل شئ بعد الأحداث وتوقف الدراسة.
لم يشعر الموظف في وزارة المالية بالخرطوم عبدالمطلب عثمان بغربة عن أسوان، فقد اعتاد على الإقامة في شقة بحي العقاد للاحتفال بالمناسبات مع أولاده الذين يدرسون في أسوان في مدرسة تحولت الأن لمقر يضم السودانيين الفارين من الأحداث.
لكن عثمان، لم يتوجه إلى أسوان هاربًا من الأحداث، فهو وصل أسوان في رحلته المعتادة قبل يوم واحد فقط من وقوع الأزمة.
وعثمان الأن يتحدث بقلق على معارفه في السودان ممن عجزوا عن الذهاب إلى أسوان، شغلتهم وظائفهم وانتظار أجورهم عن الفرار، يضيف عثمان أن فكرة العمل في أسوان غير واردة لديه، قد لا يجد وظيفة تكفي معيشته، ينظرويفكر ويقول إنه سينتظر استقرار الأوضاع في السودان ليعود.
اعتياد عثمان على أسوان، جعله يؤكد أن الأسعار لم تتغير قبل وبعد الأزمة، يقول: “أخرج للسوق لشراء السلع، فسعر كيس السكر مثلًا بـ 20 جنيه ولم يتغير".
يؤكد أحمد محمود وهو يعمل في مشروع لإنشاء الكباري في الخرطوم، أن أسعار السلع والخضروات لم تتغير في منطقة السيل، وهو أيضًا اعتاد الذهاب إلى أسوان لعلاج أخيه، لكنه يتذكر أنه منذ اندلاع الأزمة فقد عمه في انفجار منزله.
يصف محمود الساعات العصيبة، قبل إحضاره زوجته وأولاده لأسوان كمدينة آمنة، ويقول إنهم استطاعوا الذهاب إلى أسوان والعبور بعد 5 أيام، لكن محمود ينتظر المجهول لمعرفة مصير عمله، خاصة وهو لم يتوقع الأحداث، ولم يتمكن من سحب أمواله من البنك في السودان.
وتحاول المبادرات من جمعيات وأحزاب وأفراد، تقديم المساعدات للسودانيين لتخفيف المشقة عليهم، مثل توزيع الوجبات الغذائية عليهم خلال رحلة الوصول إلى أسوان، وأيضًا في المناطق السكنية التي أقاموا فيها بعد الوصول، بالإضافة للمسافرين الواقفين أمام محطة قطار أسوان، من المنتظرين لتذاكر قطار السفر للمحطة التالية لهم.
وقد رصد "عين الأسواني" تحول محيط محطة قطار أسوان إلى وجهة وصول للأتوبيسات وللسيارات القادمة من المعابر الحدودية بين مصر والسودان.
يقول قاسم العبادي أمين تنظيم حزب حماة الوطن بأسوان، لـ"عين الأسواني"، إن الحزب يوفر وسائل نقل مجانية للأسر القادمة من السودان لتنقلهم من معبر "أرقين" بين مصر والسودان إلى مدينة أسوان، ووزع المياه المعدنية والوجبات المعلبة، كما يحاول مساعدتهم في البحث عن أماكن للإقامة في الفنادق أو الشقق السكنية في المدينة.
معظم من استقبلهم حزب حماة الوطن، كانوا يرون في أسوان محطة وصول مؤقتة "ترانزيت"، تمهيدًا لاستكمال رحلة السفر إلى القاهرة أو إلى الخارج، هكذا يوضح العبادي الموقف.
ولخّص العبادي شكاوي المقيمين خلال الأيام القليلة التي استقروا فيها بأسوان، في استغلال الأزمة في زيادة سعر الانتقالات وأسعار تأجير أماكن الإقامة، لكن شكواهم لم تتعرض لأسعار السلع المختلفة.