للوصول إلى جامعته، اعتاد الطالب محمد حسن،22 عامًا، المرورعلى طريق خزان أسوان ومشاهدة أسوار الجبانة الفاطمية يوميًا، دون أن يعلم أنها ليست فقط المقبرة المدفون فيها جده، بل هي منطقة تتنوع فيها المقابر الأثرية والتاريخية، مثل مقبرة النجومي ومقابر الكومنولث وهي مقابر قتلى الحرب العالمية.
نتيجة الزحف العمراني وتقلص العديد من المساحات، توجد المدافن الأثرية والتاريخية في أسوان في موقعين فقط، وهما طريق خزان أسوان، وطريق النفق في منطقة العناني المنسوبة لمقام الشيخ العناني المدفون فيها.
يرى محمد السائحين وهم يزورون المسلة الناقصة القريبة من المقابر الفاطمية، ولا يعلم أنهم يزورون أيضًا الجبانة التاريخية التي يعود عمرها إلى القرن الأول الهجري، نظرًا لعدم وجود أي لافتات تشير إلى وجودها أو أهميتها.
طوال أيام العيد أو الأجازات عمومًا لا يلتفت الكثيرون إلى المدافن الأثرية على أنها مساحات للزيارة، ولا يختلف هذا الأمر بالنسبة للمصريين داخل أسوان أو زوّارها من المحافظات الأخرى، بينما تقل أعداد السيّاح المقبلين على اتخاذ هذه المدافن كأحد المواقع التي يزورونها ضمن برامجهم، وذلك على الرغم من ثراء هذه الأماكن بالتاريخ.
يقول علاء أبو الدهب، مدير منطقة آثار أسوان الإسلامية والقبطية، لـ"عين الأسواني": “تحتوي الجبانة على أقدم شاهد قبر إسلامي مؤرخ بسنة 31 هجريًا، بالإضافة إلى وجود قبة السبعة وسبعين وبعض الشواهد لأسماء الصحابة والأولياء سواء الذين دفنوا أو لم يدفنوا بها، ومن أشهر الأولياء المدفونين هنا، الشريف حسن والسادة الجعافرة".
أوضح علاء أنه لا يزور هذه المواقع إلا من كان لديه اهتمامًا بالآثار الإسلامية أو الجمهور الذي يهوى زيارة الأولياء، مثل هؤلاء الذين يزورون مقام السيدة زينب الموجود بالقرب من المقابر الفاطمية، مشيرًا إلى زيارة الناس لمقابر ذويهم، حيث تحتوي الجبانة أيضًا على مقابر المدنيين من أهل أسوان.
يعتبر موقع الجبانة الفاطمية التي يبلغ طولها 2000 مترًا ويبلغ عرضها 500 مترًا، موقعًا استراتيجيًا يشبه البانوراما، وذلك لقربها من المتحف النوبي والمسلة الناقصة.
بدأ مشروع تطوير الجبانة في عام 1996 ببناء سورًا حولها، وبحلول عام 1999، تم إنشاء مخزن يحتوي على شواهد القبور الأثرية التي تم اكتشافها في الجبانة، بالإضافة إلى قاعة عرض لأهم الشواهد والقطع الأثرية الموجودة هناك.
وبالتعاون مع بعثة المعهد الألماني السويسري، رممت وزارة السياحة والآثار مناطق متفرعة بالجبانة، حيث رُممت قبابًا يرجع تاريخها لأكثر من 1300 عامًا، ومُهدت الطرق المؤدية إليها، كما أضيفت لوحات إرشادية تبين موقع كل قطعة آثرية هناك، على عكس الجبانة الثانية الموجودة في منطقة العناني، فهي تحتوي على قباب آثرية فقط، ولذلك تم إغلاقها فلا تفتح إلا في حالة دفن مدنيين بها.
تجرى الآن عملية ترميم أخرى للجبانة الفاطمية لحل مشكلة المياه الجوفية الموجودة أسفلها والتي من الممكن أن تشكل خطرًا على المقابر والقباب الأثرية، ولكن يعوق هذا الترميم استمرار فتح الجبانة لدفن المدنيين فيها.
من المقابر الأثرية الموجودة في أسوان أيضًا مقبرة النجومي، التي بُنيت عام 1941 بأمر من الملك فاروق، لتكون ضريحًا لـ17 جنديًا من شهداء معركة توشكى التي كانت ضد قوات الاحتلال الإنجليزي، وسميت المقبرة بمقبرة النجومي، نسبة لقائد المعركة، عبد الرحمن النجومي.
يوضح أبو الدهب: “مقبرة النجومي مسجلة كآثر لكنها مغلقة لعدم تردد الزائرين عليها، فهي غير مشهورة حتى بين أهالي المدينة، كما أنه لا ينجذب إليها السائحين بعكس الآثار الفرعونية، فالمقبرة بحاجة لأن توضع على خريطة البرامج السياحية حتى يتعرف الناس عليها ويقبلون على زيارتها، فهي تُفتح الآن بشكل خاص إذا طلب أحد الأشخاص زيارتها".
وأضاف: "أما مقابر الكومنولث فهي تقع على طريق خزان أسوان، وهي تضم جثامين عددًا من الجنود الذين ماتوا خلال الحرب العالمية الأولى والثانية في أسوان، وهي مفتوحة للجميل وغير مسجلة كأثر لأنها تعتبر من المقابر الحديثة، كما أنها تتبع هيئة الكومنولث لضحايا الحرب، وهي بالطبع لها قيمة تاريخية كبيرة".
تقع مقبرة أغاخان على ضفاف النيل غرب أسوان، وهي مقبرة عائلية خاصة أغلقتها الأسرة منذ سنوات طويلة بعدما كانت مفتوحة للزيارة.
سميت المقبرة بهذا الاسم نسبة لإمام طائفة الشيعة الإسماعيلية النزارية السلطان، محمد شاه، الذي حضر إلى أسوان للعلاج من الروماتيزم، وتوفي عام 1957 ليدفن في المقبرة التي صممت على الطراز الفاطمي.
يقول عبد الناصر صابر، نقيب المرشدين السياحيين الأسبق: "تحتوي أسوان على العديد من المقابر الأثرية المختلفة مثل مقبرة الكاب بإدفو ومقبرة منطقة السلسلة وغيرها، وتعتبر مقابر النبلاء هي المقابر الأكثر زيارة، ولا يتعدى برنامج زيارتها العشر أشخاص في اليوم الواحد، لأن المقابر الأثرية ليست محط اهتمام الكثيرين بشكل عام وأصحاب الشركات السياحية لا يضعون برنامجًا يدعم زيارة الآثار الدينية".
بالرغم من أن زيارة المقابر الأثرية لا تحمّل السائح أي تكاليف مادية، إلا أنهم لا يزورونها لأكثر من سبب، فيوضح عبد الناصر: "يميل السائحون إلى زيارة الآثار الفرعونية بشكل أكبر، ولذلك يزور السائح مقابر النبلاء بشكل شخصي ولكن يقف أمامه عائقًا آخر وهو أن برنامج الشركات السياحية يشمل في العادة زيارة المسلة الناقصة ومعبد فيلة والسد العالي، ولا يستطيع السائح زيارة مقابر النبلاء في وسط هذا الجدول المزدحم".