جاء خبر إزالة سينما الأوبرا صادمًا لكل من تعلّق بها، إذ تذّكر محمد فاروق، شاعر وكاتب وناقد أدبي، أفيشات الأفلام على جدران ميدان الثقافة، المعروف سابقًا باسم ميدان العروبة، الذي تتوسطه سينما الأوبرا، وكان يُضفي طابعًا جميلًا للميدان، كما افتقد الحيوية التي يشعّ بها الميدان بسبب حفلات السينما الصباحية والمسائية.
في نهاية شهر يوليو الماضي ترأس اللواء دكتور عبد الفتاح سراج، محافظ سوهاج، اجتماع المجلس الاقتصادي الاجتماعي للمحافظة، الذي تقرر فيه إنشاء مجمع تجاري خدمي ترفيعي بموقع سينما أوبرا، كما كُلّف مسئولو حي شرق سوهاج باستصدار قرار إزالة لمبنى سينما "أوبرا" القديم، التي تُعدّ آخر سينما قائمة بسوهاج.
"خسارة كبيرة".. بأسى يقول دكتور مرزوق العادلي، أستاذ الإعلام بجامعة سوهاج، عن انبطاعه ما إن عرف بقرار الهدم، ففي رأيه أن هدم سينما أوبرا يُمثّل خسارة كبيرة لدعم وتعزيز الثقافة، وتوفير مساحات للتجمع والتفاعل الاجتماعي.
ويؤكد العادلي أن السينما تعتبر وسيلة من وسائل الإعلام، ولها دور كبير في حياة الناس، خاصة الشباب، مُضيفًا "هي وسيلة للتسلية وتوسيع الأفق الثقافي والاجتماعي"، كما أن السينما تناقش قضايا مختلفة وهامة، مما يساعد في فهم ما يدور في المجتمع من زوايا متعددة، بحسب قوله.
ويوضح أستاذ الإعلام أن قرار إزالة سينما أوبرا وتحويلها إلى مجمع تجاري خدمي يتوقف على عدة عوامل؛ فبحسب تفسيره ربما تكون المنطقة في حاجة للتطوير العمراني وزيادة المساحات التجارية "وهذا قد يكون مفيدًا للنمو الاقتصادي وتلبية احتياجات السكان".
وتتعرض سينما أوبرا للإهمال منذ سنوات، فقد أغلقت عام 2011، بعد عرض فيلم "صرخة نملة"، بعدما فقدت أعداد كبيرة من جمهورها بسبب تهالك مبناها وقاعتها وتعطل التكييف المركزي بها.
ومنذ 2010 وحتى لحظة الهدم لم يحدث أي تطوير بمبنى السينما ذاته، باستثناء قرار صدر عام 2019 من محافظ سوهاج السابق، الدكتور أحمد الأنصاري، الذي أعلن عن تطوير وتجديد سينما "أوبرا"، وكان قد رفض المحافظ السابق هدم مبنى السينما، وإقامة بدلًا منه مول تجاري ترفيهي.
شعرت سامية عبد الحفيظ، أستاذ مساعد بجامعة الأزهر، بالاستياء أيضًا من قرار الهدم، وتقول في حديثها لـ"أهل سوهاج" إنها ترفض أي قرار متعلق بإزالة أي شيء يمثل نوع من أنواع الفنون أو الثقافة "لأن هدمه يؤثر بالسلب على فكر ووعي الشباب"، وهو ما يُسمى أكاديميًا بـ"تجفيف المنابع"، مُوضحة أن هدم السينما يُعدّ تجفيفًا لمصادر الوعي والثقافة لدى الشباب وحصر اهتماماتهم في شؤون مادية فقط.
السينما لدى سامية هو أمر هام، إذ تقول إن جيلها التي تنتمي إليه، وهو جيل الثمانينيات، تربى على حب السينما "وكان المتنفس الوحيد لنا في الأعياد، خاصة الأفلام الحديثة التي لم تكن تُعرض في التلفاز"، ففي تلك الفترة لم يكن الإنترنت مُتاحًا كما هو الآن، كما لم تتوفر المسارح في الصعيد، كما تقول الأستاذة الجامعية.
ضمّت محافظة سوهاج في السابق 6 سينمات، من بينها 3 في مدينة سوهاج فقط، وأخرى بمدينة جرجا واثنتان بمدينة طهطا، فبحسب تقارير صحفية كانت سينما "النصر" بشارع الورشة المتفرع من شارع المحطة بمدينة سوهاج أول سينما تُفتتح بالمحافظة في خمسينيات القرن الماضي، وأغلقت بعد 10 سنوات، وأقيم مكانها عمارة سكنية.
وافتتحت بعد ذلك سينما "الحرية" الصيفي، وبالقرب منها افتتحت سينما أوبرا، على قطعة أرض ملك للدولة، وأشرفت عليها وزارة الثقافة.
وبسبب حداثتها لكونها سينما مُكيفة وجاهزيتها، تسبب ذلك في خسارة سينما الحرية التي أغلقت في عام 1995. كما أغلقت سينما "شريف" بمدينة جرجا في فترة الثمانينيات، وتحولت إلى برج سكني هالي من دور للعرض السينمائي.
تحسّر أيضًا محمد عبد المطلب، رئيس النقابة الفرعية لاتحاد الكتاب، بسبب هدم سينما الأوبرا، وأكد على ضرورة حرص الدولة على مباني السينما وإعادتها للحياة "فقد كانت السينما في العصر الملكي أي قبل ثورة يوليو 1952 تمثل الدخل الثاني بعد القطن".
وافقه الرأي علي أيمن، مصور فوتوغرافي، قائلًا إن مبنى سينما أوبرا يعتبر أثر هام للسوهاجيين، وعلى الرغم من أنه لم يعاصره، إذ يبلغ عمر أيمن 25 عامًا، "لكن أهلي من أكثر الناس المتحدثين عنه"، وتمنى أيمن دخول سينما أوبرا بعد ترميمه وتجديده، إلا أن ذلك لم يحدث، لتُغلق آخر سينما قائمة بسوهاج.