عندما تسود الرائحة الذكية شوارع بني خلاد ويبتهج الناس باستنشاق الرائحة العطرة في كل مكان، إذا هذا هو موسم جني زهر النارنج.
تزين أشجار النارنج منازل بني خلاد وتتواجد في معظم الأراضي الزراعية، ويستعد الناس حاليًا لموسم جمعها لتحويلها إلى ماء الزهر، حيث يبدأ الموسم في النصف الثاني من شهر مارس ويستمر حتى منتصف شهر أبريل من كل عام.
يقول البشير عون الله، رئيس اتحاد الفلاحين، لـ"المشعل": "سيستمتع أهالي بني خلاد بأزهار النارنج لمدة شهر ونصف تقريبًا حتى يتم جمعه من قبل الفلاحين لتجهيز مخزون الزهر في أراضيهم الزراعية استعدادًا لبيعه في الأسواق، فموسم جني النارنج هو موسم الرزق لهؤلاء الفلاحين".
وأضاف: "تحتوي ولاية نابل على ثلثي إنتاج زهر النارنج في تونس وهي الأولى بالنسبة لزراعة أشجاره، وهي شجرة من نوع القوارص تم جلبها إلى تونس من الأندلس، وهي تغطي حوالي 350 هكتار من الأراضي أي بما يعادل 150 ألف شجرة تنتج سنويًا ما يتراوح بين 1000 و1200 طن من الزهر".
وأكمل: "يتم تقطيره الزهر فيما بعد ليصبح ماء الزهر الذي يستخدم في صناعة مواد التجميل والعناية بالبشرة والعطور وصنع الحلويات، كما أنه له فوائد طبية لأنه يصلح كدواء للسعال ويخفض من حرارة الجسم".
شهد إنتاج الزهر هذا العام في ولاية نابل تراجعًا كبيرًا بلغت نسبته 17%، وذلك بسبب أزمة نقص الماء التي تمر بها بني خلاد مما أدى إلى جفاف الأشجار وإصابتها بالأمراض.
تنتشر أشجار النارنج في جميع ضواحي تونس، فيقوم بعض الأشخاص بجمعه وصناعة ماء الزهر يدويًا، وهذا ما فعلته خديجة الحمامي، ربة منزل، موضحة أنها تجمع زهر أشجار النارنج الموجود أمام منزلها كل عام، ثم تضعه على لحاف لليلتين متتاليتين حتى يذبل.
تزيل خديجة الأتربة والشوائب من أشجار النارنج وتضعه في القطار مضيفة إليه الماء البارد لتحصل في النهاية على ماء الزهر العتيق الفوّاح الذي تستخدمه سيدات بني خلاد في إعداد الحلويات والقهوة العربي، فهذه عادة تمثل موروثًا ثقافيًا تناقله الخلاديّون من جيل لآخر.
لم يستطع كل منزل في بني خلاد الحفاظ على هذه العادة الهامة بسبب ارتفاع أسعار ماء الزهر، فأوضحت سمية شلاقو أنه بالرغم من أهمية ماء الزهر الذي يعتبر بمثابة دواءا طبيعيًا للإنسان، إلا أنها لن تستطيع شراؤه.
"أبيع ماء الزهر كل عام وهو مصدر الرزق بالنسبة لنا ويبلغ سعره هذا العام عشر دينارات"، هكذا قال علية بريك، فلاح، مشيرًا إلى انخفاض الإقبال على شراء الزهر بسبب ارتفاع أسعاره والتي أرجعها إلى أزمة نقص الماء التي قللت من إنتاج المحصول.
يذكر أنه سجل معدل الإنتاج السنوي للزهر خلال الخمس مواسم الأخيرة تطورًا نسبيًا بإنتاج ما يقرب من 1999 طنًا من الزهر، وبحسب توقعات اتحاد الفلاحين فمن الممكن إنتاج 2520 طنًا من الزهر هذا العام مقابل 2541 طنًا تم إنتاجهم الموسم الماضي.