يعتبر شهر رمضان هو شهر الدراما بامتياز، حيث يتابع الملايين العديد من المسلسلات التي تزين التليفزيون خلال الشهر الكريم ومن ضمن هذه المسلسلات التي تابعها الجمهور، مسلسل فلوجة.
أثار المسلسل حالة من الجدل بعد عرضه، فقد انقسمت الآراء حوله حيث قال البعض إن مسلسل تنويريًا يعرض مشكلات في المجتمع حتى نتجنبها، بينما طالب البعض بوقفه لأنه يقدم محتوى خطيرًا سيؤثر على نفسية الأطفال والمراهقين ويفسد عقولهم، حتى أن الأمر وصل إلى رفع بعض أولياء الأمور والمدرسين دعوى قضائية مطالبين بإيقاف عرض المسلسل.
يدور مسلسل فلوجة حول مجموعة من الطلبة في إحدى المعاهد الحكومية، يقعون في فخ المخدرات ويروجون لها وسط بقية الطلبة حتى تسببت المخدرات في وفاة طالبة مراهقة، بينما صدم طالب آخر إحدى السيدات بسيارته ليدمر حياتها وهرب إثر تناوله للكحول، ووقع طالب آخر في حب أستاذته وخطفها.
لا يحترم هؤلاء الطلبة أساتذتهم أو مجتمعهم، فيتنمرون على الكبير والصغير، فهم يعيثون في المجتمع فسادًا حتى أنه تم اغتصاب فتاة بعد تخديرها واضطررت للهروب من منزل عائلتها لتعيش مع أحد الشباب المتشددين ذو العقلية المتشددة حتى إنه يفكر في إرهاب المواطنين، وهي زاوية أخرى رفضها المجتمع التونسي أيضًا.
نظرت المحكمة في القضية التي رفعها الأساتذة وأولياء الأمور ضد المسلسل ولكنها رفضت الدعوى، وبالتالي أذيع المسلسل حتى آخر حلقاته.
أصدرت الجمعية التونسية لأئمة المساجد بيانًا ضد المسلسل، مشيرة إلى أنه ينشر قيم العنف والجريمة والشذوذ والتطرف بين التلاميذ المراهقين، كما أنه يسيء إلى المجتمع التربوي الذي يصوّر الأساتذة أناس فاسدين يقوموا ببيع الامتحانات مقابل المال، ويتحرشون بتلاميذهم.
ولكن كانت المفاجأة في موافقة وزارة التربية على محتوى المسلسل، بل ووقعت عقدًا مع صاحب القناة التي تعرضه مقابل تبرعه للمعهد بالأثاث.
انقسمت آراء الناس حول المسلسل بين دعمه والدعوة لمقاطعته، فيقول توفيق القطوفي، معلم، لـ"المشعل": "بالرغم من مطالبة الكثير من الأشخاص بوقف عرض المسلسل، إلا أنني أرى أنه مسلسلًا توعويًا، فهو نقل الواقع المرير للشباب المراهق كما هو، كما وجه رسائل للتربويين وأولياء أمور التلاميذ لكي يهتموا بأبنائهم ويراقبوا أنشطتهم باستمرار، وأتمنى أن تكون الرسالة وصلت بشكل صحيح لإصلاح ما تبقى من المنظومة التربوية الحالية".
أعجب المسلسل أيضًا أميرة الورغي، ربة منزل، حيث قالت إن العمل يسرد أحداث يعيشها المراهقون بالفعل وتسببت في تدمير بعضهم وأدت حتى إلى وفاتهم أحيانًا، مشيرة إلى أنها ترى أن مسلسل فلوجة يوقظ ضمير المراهقين ويجعلهم يرون نور المستقبل ويطمحون لإنجاز العديد من الأشياء المهمة في حياتهم بدلًا من اتخاذهم طريق الانحراف والذهاب إلى السجن.
"علاقة الآباء بأبنائهم مهمة جدًا والضغط عليهم وحبسهم في المنزل تكون نتيجته عكسية دائمًا"، هكذا قالت إيمان الخال، ربة منزل، مشيرة إلى أن المسلسل سلط الضوء على أهمية وجود علاقة صداقة قوية بين التلاميذ وبين وأولياء أمورهم، وبالتالي فقد عرض المسلسل الداء لكي يداويه المجتمع التونسي.
لم يعجب المسلسل الجميع، فقد رفض أحمد اليزيدي، عامل، عرض المسلسل قائلًا إن نتيجته قد تكون وخيمة خاصة بالنسبة للمراهقين الذين يتأثرون بما يشاهدونه في التليفزيون وما يعرض لهم على وسائل التواصل الاجتماعي ويقلدونه، ولذلك يرى الزيدي أنه من المفترض تسليط الضوء على النقاط الإيجابية في المجتمع وتجنب السلبيات.
وعن رأي الطلبة أنفسهم في المسلسل، فأوضح الطالب حمزة بن علية أنه يأمل ألا يكون للمسلسل نتائج عكسية على التلاميذ بعد انتهاء عرض المسلسل، مشيرًا إلى أن النتيجة المجتمعية لأثره ستظهر بعد شهر رمضان.
ومن جهة أخرى، تواصل "المشعل" مع أبطال المسلسل، فيقول أحمد المندلي، فنان، "تسرع الجمهور في إطلاق الأحكام على المسلسل لأن موضوعه توعويًا هدفه في الأساس مصلحة التلاميذ، فأزمة قطاع التعليم في تونس معروفة ونتمنى إصلاحها في المستقبل بعدما سلطنا عليها الضوء في المسلسل".
وأضاف: "أرى أن أفضل رد على هذا الجدل هو أن نسبة مشاهدة آخر حلقة منه تجاوزت الأربعة ملايين شاهد، وهذه النسبة تعتبر بمثابة شهادة نجاح للمسلسل بامتياز".
دافعت مخرجة المسلسل، سوسن الجمني، عن عملها الفني في أكثر من مناسبة، فأوضحت في إحدى المقابلات التليفزيونية أنها تخوفت في بداية عرض المسلسل من الانتقادات الكبيرة التي واجهها من الجمهور، مشيرة إلى أنها فضلت عدم الرد والانتظار حتى انتهاء العرض حتى يرى الناس الرسائل التوعوية التي يحملها المسلسل ضد الإدمان والمخدرات.
وقالت سوسن إن العمل يهدف إلى الاهتمام بشباب تونس ودعوة المدرسين والآباء لمراقبتهم ومعرفة من هم المحيطون بأبنائهم وأين يقضون أوقاتهم، مشيرة إلى أنها تهدف إلى إصلاح الواقع والبعد تمامًا عن النماذج المذكورة في المسلسل.
بين دفاع وهجوم عمّا يحمله المسلسل من قضايا، هل كان المستوى الفني لـ"فلوجة" يستحق المشاهدة؟ يجيب عن ذلك الناقد عبد الجليل السمراني قائلًا: “المسلسل جريء أبدعن المخرجة سوسن الجمني في إعداده بهذه الصورة بالرغم من حساسية الموضوعات التي يناقشها، فهي استطاعت نقل الواقع التونسي بعيوبه كما هي على الشاشة".
وأضاف: “أوضحت المخرجة رسالة التوعية التي يحملها المسلسل في طيّاته من خلال العديد من المشاهد المؤثرة من أهمها مشهد وفاة التلميذة بسبب جرعة زائدة من تناول المخدرات، فهو كان مشهدًا مؤثرًا بشكل جميل خاصة لحظة وضعها في الكفن، فهذا نموذجًا من الأعمال الدرامية التي تهتم بالتفاصيل لتبين محتواها المتميز".