"روح التجربة مُمتعة لكن مليئة بالمشاعر المتضاربة " .. مع بداية العام الدراسي الجديد تبدأ تجربة جديدة كل عام للطلبة الجدد بالجامعة؛ حيث يبدأ الطلاب المغتربين في الترحال إلى المدينة الجامعية أو الشقق الخاصة لقضاء فترة الدراسة بعيدًا عن الأهل والأصدقاء.
تنتشر فكرة صعوبة ومرارة أول عام في الاغتراب بين الطلاب، لكن نادرًا ما يتشارك الطلاب إيجابيات العام الأول والاستعدادات المادية والنفسية لكل طالب قبل بداية عامه الدراسي الأول "وحيد"، لكن حرصت قلم المنصورة على متابعة أولى أيام الاغتراب بين طلاب السنة الأولى.
قالت سارة السيد - ١٨ سنة - : أحد الأشياء التي كنت أتشوق حدوثها هو استقلالي في مدينة أخرى للدراسة، رغم أنها "خطوة صعبة جدًا على بنت وحيدة للأسرة لكن أسرتي دعمتني جدًا وشجعتني على الخطوة دي"، وأضافت "بدأوا يعدوني نفسيًا لكل المواقف والمشاكل اللي ممكن تواجهني في السكن الجامعي وفي الحياة لوحدي بشكل عام".
أكملت بعد لحظات من الصمت الممزوج بالتفكير "أول ما بدأت أجهز أغراضي كنت خايفة جدًا من الخطوة دي لأنها خطوة جريئة مني ، لكن أول ما وصلت السكن بدأت أتطمن، و بدأت أشوف كل حاجة ناقصة في المكان اللي أنا هقعد فيه عشان أجيبها و بدأت أرتب الغرفة وحسيت إن الرحلة الصعبة بدأت ولازم أكون قدها"، أخبرتنا أنها تعلمت الطبخ وإعداد الطعام والحرص على نظافة المسكن وتحمل الأمور والأحداث جميعًا.
تقابلنا مع فتاة أخرى بدأت بالفعل في الانتقال مع بداية العام الدراسي الجاري لسكن جديد، قابلنا سما حسام - ١٨ سنة - : أنا عايشة حاليًا في سكن مغتربات، أول حاجة عملتها إني حضرت قائمة ورتبت فيها أولوياتي والأهم ثم المهم ثم الأقل أهمية، سواء من أشياء النظافة الشخصية أو الملابس أو أشياء الاستعمال اليومي.
تتذكر ببعض من الخوف والريبة كيف كان أول يوم تنتقل فيه: "أول يوم مر عليّا كنت متوترة جدًا شوية وكنت عايزة أسيب انطباع كويس عند الناس المحيطين بيا و أكون فيها على طبيعتي بشكل كبير".
طلبت منا -سما- الصمت قليلا ثم انطلقت تحكي مسرعة وكأنها تشاهد الأحداث بعينيها في الوقت الحاضر:" رتبت حاجتي بحماس جدًا و بعد ساعتين كنت نضفت غرفتي الجديدة، وبقت مريحة بالنسبة ليّ وحسيت إني أخدت على المكان بسرعة "وبالرغم من الحماس الظاهر والذي بدأ يخفت تدريجيا، على قدر حماسي كنت حزينة جدًا إني هبعد عن مامتي وأهلي لأول مرة لكن كنت سعيدة بثقة والدتي فيا، و مجرد ما وصلت كلمتها و محستش إني بعدت عنها أوي".
ربما يختلف حال الأولاد قليلٍا بالرغم من كونهم يستطيعون التأقلم في ظروف معيشية مختلفة عن الفتيات لكنهم لا يستطيعون الاعتناء بأنفسهم مثلما تفعل الفتيات.
قال محمد أمين - ١٩ سنة - : "الكل كان يحذرني من فكرة الاغتراب والسكن خارج المدينة الجامعية، لكن أنا قررت إني أخوض التجربة و سافرت للدراسة برا مصر" ربما أراد -محمود- في هذا السن الصغير أن يثبت لنفسه أولا أنه يستطيع الحياة وحيدًا ناجحًا بعيدصا عن أهله: "كان الحماس يسيطر عليّ أثناء استعدادي للعيش بمفردي، ممكن يكون أكتر شئ صعب هو إني بقيت مُلزم أساعد نفسي في كل أمور البيت، إحساس بالمسئولية اللي بقت عليّ فجأة هو أكتر شئ بيخوفني لكن أول أيام لي مرت بسلام".
بقى هناك الإشكالية الدائمة وهي تعلم فنون المطبخ: "بقيت بحاول أطبخ لنفسي أكلات جديدة بمساعدة اليوتيوب، حاولت أغسل هدومي وأنشرها".
بالرغم من الحماس الذي كان يحكي به محمد أمين تجربته، اختلفت ملامحه وتغيرت نبرة صوته : "فكرة الاغتراب عمومًا مخيفة لأي شخص، لإنك بتكون مُجبر تعمل حياة جديدة بكل أشكالها، حياة جديدة وناس جديدة، وعادات شخصية جديدة، لكن بالرغم من إنها مخيفة إلا إن كلها حماس وكلها حاجات جديدة وده بيعمل شغف كبير للحياة".
تقابلنا مع أسماء بدر - ٢١ سنة – قررت ترك مصر للدراسة والتعلم، قابلت الكثير من الأشياء الإيجابية والسلبية، تحملت صعاب من أجل حلمها، تتذكر السنوات الماضية :"أنا بدرس خارج مصر بقالي ٣ سنين، الاغتراب والسكن بمفردي من أحسن القرارات اللي اتخذتها في حياتي، أنا قدرت أبني حياتي وشخصيتي خلال سنوات الدراسة، كان عندي روح الفضول سائدة جدًا في البداية لكن بدأت تتلاشى مع ظهور مسئوليات كتير تكاد تكون أكبر من سني وقتها لكن أنا قدرت أتعامل معاها".
بالطبع لم تكن الحياة وردية وسعيدة طوال الوقت ولكنها استطاعت العبور فوق تلك الصعاب؛ تكمل أسماء :"كل الامور اللي كانت تزعجني، وتوترني بقيت أتلاشها و أقلل من وجودها في حياتي، بدأت اعرف ارتب أولويات حياتي و أطبخ و أشتغل على موهبتي".
وتبقى المعادلة الأصعب دائما ما بين انتشار التخوفات الكثيرة إلا أن روح التجربة والمغامرة لا تزال هي من تسيطر على قرار الطلاب المغتربين، آملين في السير في رحلة مفيدة مبهجة لهم تعلمهم أسرار الحياة، ويكتسبون من خلالها تجارب علمية.
تصوير: أرشيفية
كتب/ت سلمي الهواري
2021-10-24 00:00:00