مر شهر رمضان سريعًا ببهجته وطقوسه وأجواءه، تتغنى الإعلانات بأن رمضان في مصر "حاجة تانية"، ونحن من واقعنا في الغربة حقيقي لا ننكر ذلك، لا يعكر صفونا سوى أننا نقضيه وسط الدراسة و"ضغط الامتحانات"، مغتربون في دولة أجنبية أخرى، بعيدون عن عائلاتنا و"اللمة" والزينة وبهجة الشارع والاحتفالات.
على مدار الشهر؛ يحاول الطلاب المغتربون أن يفعلوا ما يجعلهم يشعرون بقدوم "رمضان"، أو كما تقول إحدى زميلاتي، نحاول أن نتخطى "مشاعرنا المرتبكة" بعيدًا عن وطننا وعائلاتنا، خصوصًا لمن يقضون عامهم الأول خارج مصر.
لأول مرة يقضي محمد سليمان، 22 عامًا، شهر رمضان وهو مغتربًا عن أسرته، يقول إن الشعور الملازم له على مدار الشهر هو "الوحدة"، فالشهر الذي اعتاد فيه على زحمة لمة الإفطار، يبدو مثيرًا لشعوره بما وصفه "الغربة المعنوية"، مشيرًا أنها موجعة أكثر من الغربة المكانية.
يقول سليمان: “الصعوبة في إنك مش بس بتواجه أيام رمضان وحيدًا في غربة، لكن كل الأيام بتمر بمواجهة صعبة في إنك بتعيش حياتك وحيد، صراحة متمناش إني أبعد عن عيلتي تاني ومش بس خلال شهر رمضان، لكن دي في النهاية مجرد أمنية”.
يتفق معه في الرأي أحمد السيد، 19 عامًا، الذي حاول السيد قضاء شهر رمضان مع زملاؤه العرب والمسلمين ممن يعيشون معه في السكن، حتى يشعر "ولو بأجواء بسيطة" من شهر رمضان بدلًا من أن يقضيه وحيدًا، فيقول: “لم يكن الأمر مجديًا بشكل كبير، كل يوم كان بيشغل تفكيري أمنية واحدة، وهي إن سفرة رمضان تجمعني وسط أهلي تاني".
تصف إسراء جمال، 21 عامًا، أن مشاعرها من بداية الشهر هي "الارتباك"، والتي تتكرر كل عام ومع كل حدث تعيشه بعيدًا عن أسرتها، وتوضح: "كل رمضان بقضيه لوحدي بيكون صعب جدًا وأول رمضان زيه زي تالت رمضان، فالصعوبة كما هي مهما مرت السنوات، وأعيش نفس شعور الاشتياق للأهل وتجمعهم وقت الإفطار".
تضيف: "إنك تبقي قاعد "بتسكرول" على فيسبوك في نهار رمضان ويطلع فيديو لأسرة وقت الإفطار بكابشن، حتى ضجيج العائلة نعمة، فترجع بشريط حياتك تستحضر كل دوشة عيلتك وقت الإفطار ودوشة الأم وهي بتحاول تخلص ٥ أصناف أكل، والأب اللي بيستعجل كل حاجة وخناقات الإخوات، بس في الحقيقة انت قاعد على سريرك في أوضة من ٤ حيطان، قدامك طبق فيه صنفين بالكتير أوي وكوباية عصير".
وتتابع: “حتى برنامج رامز اللي كنت بتابعه بحماس وضحك في وسط أهلي، بقي مُمل وأنا بشوفه لوحدي".
يبدو رمضان في الغربة وكأنه يمر في رمشة عين، فليس فقط أجواءه الحميمة في مصر هي ما نفتقده، بل نفتقد أيضًا ما اعتادنا عليه من طقوس وعبادات، حيث تتكدس علينا المسؤوليات اليومية، فهنا لا يخرج الموظفون مبكرًا بسبب رمضان ولا تنخفض عدد ساعات الدراسة، هنا لا نشعر برمضان إلا في غرفنا.
يقول أحمد السيد: "بعد الإفطار بصلي التراويح مع الشباب ومن الممكن ننزل في تمشية سريعة وأشتري طلبات السحور، ثم أعود إلى المنزل للمذاكرة حتى الفجر، واليوم بيكون ماشي سريع جدًا كأني بحاول ألحق حاجة لكن في الحقيقة مش عارف هي إيه؟".
أما إسراء جمال فيومها الرمضاني مختلفًا، فتقول: "اليوم في رمضان بيكون مقسّم بين الجامعة والصلاة والطبخ والتنظيف، وأقوم أنا بكل الأدوار في آن واحد؛ بقوم بدوري كطالبة في إني بروح الجامعة، ودوري كإنسانة إني أقرأ قرآن، ودور الأم هو تنظيف المكان وإعداد الإفطار وغسل الأطباق، ثم في النهاية أعود بسرعة البرق لدوري الروحاني لأنهي أداء التراويح وأبدأ دوري كطالبة في محاولة لمذاكرة الدرس القديم والتحضير للجديد".
ابتسمت إسراء وهي تتذكر والدتها: " يومي بيمشي سريع جدًا، وهو ينتهي في اللحظة اللي بنام فيها على سريري، وبحس وقتها بإحساس أمي لما كانت تقعد بعد يوم طويل وتقول أخيرًا هقعد أرتاح".
وتضيف:"أصعب حاجة بواجهها ويمكن أهلي لا يعرفوها؛ هي اللحظة اللي بيتصلوا فيها بيا وقت إفطارهم، اللحظة دي بحبس فيها كل مشاعري ودموعي عشان يومهم يمشي طبيعي ولا أعكر مزاجهم العام ولا أؤثر على تجمعهم ولا أكون سببًا في حزنهم ليهم وقت الإفطار، وأحاول أضحك في وجههم بكل قواي، ومجرد ما الخط يتقفل ببدأ أتخيل أيامي وسنيني اللي فاتت وسطهم وأتمنى لحظة واحدة بس أرجع فيها ليهم".