كل شهر تضطر أسرة منار -اسم مستعار- إلى استئجار سيارة صرف المياه، من أجل نقل محتويات البيارة أسفل منزلها للتخلص من مياه الصرف الصحي، وهي الوسيلة التي يتّبعها الأهالي داخل نجع "الشرفا" التابعة لمركز إدفو في محافظة أسوان، عبر سيارات مخصصة لجمع مياه الصرف ومن ثم إلقاؤها في أماكن جبلية بعيدًا عن القرية.
تتكلّف الأسرة حوالي 150 جنيهًا في الشهر بعدد نقلتين، وهذا الرقم يُعدّ الأقل تكلفة بالمقارنة بأسر أخرى تضطر إلى تكرار عملية النقل أكثر من مرتين شهريًا بسبب زيادة عدد أفراد الأسرة، وبالتالي زيادة استهلاك المياه، بينما تظل معاناة سكان القرية من تداعيات افتقار القرية للصرف صحي على المستوى الصحي والبيئي أكثر سوءًا، مثل انتشار الروائح الكريهة وما يترتب عليها من ظهور للحشرات حول المنازل، خاصة عند طفح البيارات.
وتعاني القرية مثل نصف قرى أسوان تقريبًا من تلقي الوعود منذ سنوات طويلة حول دخول شبكة الصرف الصحي إلى منازلها دون تنفيذ.
لم يأت الدور بعد!
يتبع نجع الشرفا مدينة البصيلية التي تضم 14 نجع آخرين، وهي إحدى مدن مركز إدفو في شمال محافظة أسوان، ويعيش فيها حوالي 15 ألف نسمة، وتعد أحد المدن القديمة التي يتمركز فيها السكان من مئات السنين. وقد أقامت أسرة منار في "الشرفا" داخل المدينة، منذ نهاية القرن ال19 أي ما يزيد عن قرن كامل.
ولم تفلح محاولات سكان النجع للتغلب على مشكلات غياب شبكة الصرف الصحي، رغم تغيير طريقة بناء "البيارة" من تبليطها بالصخور، وهو ما كان يجعلها تسرب المياه في التربة نفسها، إلى تبطينها بالأسمنت لمنع هذا التسرب، مرورًا بمحاولات خفض استهلاكهم من المياه نفسها.
ولا تتبع كل الأسر في النجوع المحرومة من شبكة الصرف الصحي التخلص من المخلفات عبر السيارات فقط، فهناك من يلقي بها في الترع القريبة، عبر ماسورة تصل البيارة بالترعة، وهناك من يمد ماسورة بيارته إلى الجبل، وهناك من يعتمد على أن تقوم سيارة سحب المياه بذلك.
وتتذكر أسرة منار محاولات سكان النجوع ونواب المدينة في مجلس الشعب للاتفاق مع محافظ أسوان في الثمانينات، ورغم وعدهم أن تصلهم شبكة الصرف الصحي، لم يتم التنفيذ.
ووفقًا لتصريح صحفي سابق للمهندس صبري محمود، مساعد محافظ أسوان للمنطقة الشمالية، في اليوم السابع في 2017، فقد تم إدراج إدراج مدينتي السباعية و البصيلية وقرى الوحدة المحلية "الكلح"، التابعة لمركز إدفو، وذلك ضمن خطة مشروعات الصرف الصحي عام 2007، وبالفعل بدأ العمل وتم الانتهاء من 5 محطات رئيسية و3 محطات فرعية وأكثر من 40% من الوصلات الداخلية، لكن توقف العمل في 2011 حيث رفضت الشركات استكمال المشروعات للمطالبة بفارق الأسعار وفقًا لقوله.
وعادت اسم المدينة من جديد في عام 2019، حينما أعلنت مؤسسة "حياة كريمة" غير الحكومية، في 2019، تبني إدخال الصرف الصحي إلى القرية، وهو ما لم يتم تنفيذه على أرض الواقع حتى الآن، بينما لا تزال تعلن الحكومة إدراج مزيد من القرى في مشروعات المبادرة، كان آخر تصريحات اللواء دكتور اسماعيل كمال، محافظ أسوان، في سبتمبر الماضي أن "حياة كريمة" أدرجت 90% من قرى المحافظة ضمن مشروعات الصرف الصحي.
ويبلغ عدد الاشتراكات في خدمات الصرف الصحي في محافظة أسوان 168,376، وفقًا للنشرة السنوية لإحصاءات مياه الشرب والصرف الصحي لعام 2022/2023، بينما بلغ عدد الأسر المحرومة من خدمات الصرف الصحي في أسوان165.617 أسرة وفقًا للنشرة الشهرية الصادرة عن محافظة أسوان لعام .
ويعتبر مركز إدفو الأكثر تضررًا، إذ يشكل 46% من إجمالي المناطق المحرومة من خدمات الصرف الصحي، يليه مركز كوم أمبو بنسبة تصل إلى 25%.
لم يأت الدور بعد!
يقول فارس حسين، أحد سكان قرية الاسماعيلية التابعة لمركز كوم أمبو، أن منازل القرية متضررة بشدة بسبب تسرب مياه الصرف من البيارات إلى الجدران.
بالنسبة لمنزل عائلة فارس، يوضح أن عملية نقل المياه تُجرى كل عشرة أيام لنقل محتويات البيارة الواحدة خمس مرات، إذ تصل تكلفة النقلة بواسطة سيارات سحب 50 جنيهًا، بعضها يُلقى في الجبال، بينما يقوم البعض الآخر بإلقائها في مياه الترع، مما يزيد المشكلة تعقيدًا، خاصة خلال فترات امتلاء الترع وعمليات ري الأراضي.
قرارات ما بعد الأزمة
وبرز في الآونة الأخيرة أزمة افتقاد قرية "أبو الريش" خدمات الصرف الصحي بسبب الأزمة الصحية التي ربطت بين تلوث مياه الشرب والإصابات التي وقعت في القرية وأدت إلى إصابة أكثر من 480 شخصًا بعدوى "الإي كولاي" الناتجة عن وجود ميكروب الإشريكية القولونية، والغريب أن الأزمة كانت السبب في قرار الحكومة المصرية إعادة استكمال أعمال إدخال منظومة الصرف الصحى لقرى أبو الريش بحري وقبلي، وإعادة إطلاق المشروع المتوقف منذ عام 2010.
وبحسب منظمة الصحة العالمية واليونيسف، يُعتبر وجود فضلات البشر في الأماكن المكشوفة سببًا رئيسيًا لتلوث الأغذية والمياه والبيئة، مما يؤدي إلى انتشار أمراض خطيرة مثل الكوليرا، خاصة عندما يرافق ذلك سوء سلوكيات النظافة الصحية، فيما يظل التعرض للفضلات البشرية من الأسباب الرئيسية لوفيات الأطفال واعتلال صحتهم، بالإضافة إلى نقص التغذية والهزال.
كما يرتبط تردّي خدمات الصرف الصحي بنقل أمراض الإسهال مثل الكوليرا والدوسنتاريا والتيفوئيد، فضلًا عن الإصابة بالديدان المعوية وشلل الأطفال، كذلك يفاقم تدهور خدمات الصرف الصحي من حالات التقزم، ويساهم في انتشار مقاومة مضادات الميكروبات.
وتشير البيانات الخاصة بموقع خريطة مشروعات مصر، لوجود 19 مشروعًا للصرف الصحي في أسوان منذ عام 2018 بتكلفة تصل إلى 25 مليار جنيه للمناطق التابعة لمبادرة "حياة كريمة"، والتي شملت بعض المناطق في مركز إدفو مثل السباعية ومعبد إدفو، وكذلك في كوم أمبو مثل الكاجوك ومعبد كوم أمبو. وبحسب بيان سابق للواء إسماعيل كمال محافظ أسوان في سبتمبر 2024، تم الانتهاء من تنفيذ مشروعين وبدء التشغيل التجريبي لهما.
في مايو 2024، ناقش عدد من نواب البرلمان أزمة الصرف الصحي في أسوان، حيث ناقشت النائبة نشوى شريف، قضايا تتعلق بعدم إحلال وتجديد شبكة مياه الشرب المتهالكة بجزيرة هيسا في منطقة الباتنيول بمحافظة أسوان، بالإضافة إلى مشكلات عدم إنشاء محطة صرف صحي في نفس المنطقة، وكان قد طرح النائب جابر أبو خليل استفسارات بشأن أسباب توقف أعمال الصرف الصحي في قرى غرب النيل بمركز دراو، وطالب بتقديم الحكومة إجابات مقنعة حول أزمة توقف أعمال الصرف الصحي في مجلس قروي كل من بنبان والمنصورية والجعافرة بمركز دراو.
كما أثار النائب خالد رضوان تساؤلات حول أسباب عدم إدراج بعض مناطق كوم أمبو قبلي وأجزاء من منطقتي النجاجرة غرب وشرق، ضمن خطة الصرف الصحي في مدينة كوم أمبو بمحافظة أسوان.
من جانبه، يقول نائب مركز إدفو حسن خليل إن تنفيذ مشروعات الصرف الصحي قد بدأ بالفعل في نجوع البصيلية مثل المعمارية، وضمن المرحلة الأولى التي من المتوقع الانتهاء منها بنهاية عام 2024. وتأتي باقي النجوع في عام 2025 كمرحلة ثانية، مثل نجع والزوايدية ونجع الشرفا.
وأضاف أنه يتم التواصل مع لجان حياة كريمة لتوفير الموارد المالية اللازمة لكي تستكمل الشركات المنفذة أعمالها، خاصة مع وجود بطء في تنفيذ أعمال الصرف الصحي بمركز إدفو.