على وقع الأغاني الفلسطينية والتراث الحي، الذي يعكس هوية فلسطينية عميقة تنبض بالحياة، أضاءت فرقة فلسطين "كنعان" مسرح فوزي فوزي في اليوم الرابع من مهرجان أسوان للثقافة والفنون، حيث قدمت عروضًا استثنائية ارتبطت بالأرض والوطن.
"على عهدي على ديني على أرضي تلاقيني، أنا دمي فلسطيني".. كان العرض الأكثر حماسة الذي قدمته الفرقة وتفاعل معه الجمهور بشدة؛ لكونه مرتبط في الأذهان بحرب غزة، وشارك الجمهور بالغناء مع الفرقة، بينما رفع آخرون علامة النصر بأصابعهم، ورددوا هتافات الدعم لفلسطين.
وسبقه أناشيد: "شوفتو البطل، شيل عالمجوز، جينالك يا فلسطين، إنتي الروح"، قدمتها الفرقة خلال عروضها في يوم الافتتاح وقصور الثقافة، ليكونوا أبرز الفرق المشاركة في المهرجان بمدينة أسوان. لذا تحدثت معهم "عين الأسواني".
الفن رسالتنا.. فلسطين متجذرة
سهيل دياب، مدير فرقة كنعان للثقافة والفنون الفلسطينية، تحدث عن نشأة الفرقة قائلًا: "تأسست فرقة فلسطين في القاهرة العام 2018 وكانت مبادرة جماعية من الأعضاء بهدف إحياء التراث الفلسطيني، وليس فكرة فردية، وعقب ذلك لاحظنا إقبالًا كبيرًا من المصريين على تعلم الدبكة بعد أن فتحنا ورش لها، ومن بعدها انطلقنا في المشاركة بالمهرجانات الثقافية".
تتكون الفرقة من 35 شابًا وفتاة، بالإضافة إلى مجموعة من الأطفال لا يزالون في مرحلة التدريب. يؤكد دياب أن عروضهم لا تقتصر على الترفيه، بل تحمل رسالة عميقة تعكس الواقع الفلسطيني: "نستغل الفن لننقل رسالة للعالم مفادها أن فلسطين متجذرة وباقية، وموجودة في كل مكان، ونقدم لوحات فنية مثل دمي فلسطيني، وفلسطين تاج ع الراس".
التراث الذي تقدمه الفرقة يتوزع على قسمين كما يوضح دياب، الأول هو التراث الأصيل المتوارث عن الأجداد مثل أغاني "دلعونا"، أما القسم الثاني يتضمن الأغاني التي أعيد إحياؤها بألحان معاصرة، مثل أغنية "يا ظريف الطول" التي قدمها الفنان حمزة نمرة.
بين الدبكة والفقدان
"صوت أمي تناديني فلسطيني فلسطيني أنا دمي فلسطيني".. يدّب سهيل بقدميه على مسرح فوزي فوزي بكل حماسية، رغم الأوجاع التي يحملها في قلبه هو وأعضاء الفرقة: "عام الحرب كان ثقيلًا، كنا نسمع يوميًا عن استشهاد أهلنا، وكان أصعب تحدٍ لنا هو فقدان أحبابنا".
كان دياب داخل غزة حين اندلعت الحرب، وظل هناك خمسة أشهر بعدما أُغلق المعبر، يتذكر: "أصعب شيء هو أن تصحو كل يوم على خبر استشهاد شخص تعرفه، هذا الألم جعلنا نتوقف عن العروض لمدة 8 أشهر، ولكن بعد مخاطبة سفارة فلسطين لنا، أدركنا أنه يجب أن نواصل عملنا لنقل التراث الفلسطيني للعالم".
يؤكد دياب: "لم يكن تأثير الحرب مقتصرًا على الفرقة فقط، بل طال المشهد الثقافي والفني في غزة، إذ كان الفن بها حاضرًا بقوة قبل الحرب، لكن توقف كل شيء تقريبًا بعدها، لذا حاولنا المشاركة كي نثبت أن هناك فرق فلسطينية صامدة".
ورغم الصعوبات، تواصل الفرقة عملها بجهود ذاتية، حيث يعتمد تمويلها على مساهمات الأعضاء أنفسهم، يقول دياب: "نجمع المال من بعضنا لاستئجار مكان للتدريب، وأي عائد نحصل عليه من العروض ندخره في صندوق الفرقة للإنفاق عليها".
يحاول دياب وهو يرقص على وقع الطبول: "فلسطين تاج ع الراس في العين وفي قلوب الناس عشقي المجروح"، أن يبث الحماسة المشتعلة في قلبه وسط الجماهير، إذ أنه فقد في الحرب 17 فردًا من عائلته وظلوا تحت الأنقاض لثلاثة أشهر.
لذلك أصرّ دياب وفرقته على المشاركة بالمهرجان كي تظل فلسطين حيّة، واختتمت الفرقة عرضها برفع العلم الفلسطيني على المسرح، لينضم إليهم باقي الفرق، حيث رفعوا العلم المصري بجوار الفلسطيني، في مشهد يجسد عمق التضامن بين الشعبين وسط أجواء احتفالية مفعمة بالحيوية.