أبي الأعزب

صورة أرشيفية

كتب/ت عبدالرحمن خليفة
2024-05-18 13:46:44

عندما كان يخفينى عن عيون صديقاته كنت لا أحزن، لا أشعر بشيء، ولكن كنت أبتكر الحيل حتى أبعدهم عنه، لا أعلم كيف للطفل ابن العشرة أعوام أن يكون لديه تلك الغيرة على والده، لا أعلم عدد المرات التي جعلت أبى لا يقترب من الفتيات، كان لا يعاقبنى، ولم أجده ولو لمرة جادًا فى الارتباط.

لم تهتز صورته أمامى وأنا أراه يقفز من علاقة بفتاة إلى علاقة أخرى، لا أعلم كيف هذا كان لا يفرق معي، رحلت أمي للسماء، وتركتني لأبى وأنا في الخامسة من العمر، هكذا أخبرني.

لم يجعلني أشعر بفقدانها ولو لمرة واحدة، عندما أتذكر طفولتي معه، أذكر احتوائه لي، وأنه كان أبًا وأم في آن واحد، وكنت أرفض أن يشاركنى فيه شخص آخر، لا أريد أن يقل اهتمامه بي بدخول شخص آخر في حياتنا.

شخصان يعيشان فى منزل وحدهما، لكنهما سعداء، يملأ الفرح المنزل، بعد أن انتهي من يومي الدراسي يأخذني إلى مقر عمله، ثم نعود إلى المنزل لنُحضّر الطعام سويًا، بعدها نلعب "بلايستيشن" حتى منتصف الليل.

لكن هذه السهرات تتوفر فقط، في الليالي التي لا يقرر فيها الخروج مع إحدى صديقاته، ظللنا كذلك حتى بلغ عمري عشرين عامًا، وكأنه كان ينتظر حتى يشتدّ عودي، ليتركني في 2 مايو 2022، تاريخ لن أنساه أبدًا، كنت يومها أنتظره أمام مقر الجامعة.

الكثير من المكالمات، لكنه لا يجيب على أيًا منها، هذا ليس طبيعيًا، وبعد العديد من الاتصالات جاءني الرد الذي لم أكن أتمنى أن يأتي. على الجانب الآخر، شخص غريب يخطرني بأن "صاحب هذا الهاتف انتقل إلى المستشفى".

سرعان ما توجهت إلى المستشفى، دقات قلبي تزداد بشدة وأنا أعلم أن أبي ليس بخير، على مكتب الاستقبال أخبرنى الموظف أن أبي سافر إلى السماء، ودخلت أنا في نوبات من الفزع، مع أصوات صاخبة تصدر من القلب ليست من الفم، لم أكن أتخيل أن يأتي اليوم ويتركني نصفي الثاني.

تحولت حياتي ما بين ندمي أننى لم أتركه يتزوج لمراعاته مشاعري، حتى لا يجعلني حزينًا، وما بين العيش في أحضان الذكريات واللحظات السعيدة التي كنا نقضيها سويًا.

تمنيت أن أكون هذه المرة أنا من يسافر إلى السماء قبله، ولكن عندما أفكر فى الأمر أتراجع، وأقول كان سيعيش طوال حياته حزينًا عليّ.

مرّ شريط الذكريات أمام عيني، لم يكن يمر يوم دون أن يأتي ليصطحبني من المدرسة، حتى مع دخولي الجامعة اشترى لي سيارة وكان هو من يقودها، لم يعلمني قيادة السيارة لخوفة الشديد عليّ. الآن بلغت الثلاثين ولم أتزوج، وأخذت عهد أني سأظل عازب للأبد، كما حظرت الزواج على والدي.