على أرض واسعة تمتد تحت سماء زرقاء صافية، تتناثر أشعة الشمس الخفيفة على حقول الجزر التي امتلأت بالثمار البرتقالية اللامعة. في الهواء، تتصاعد رائحة التربة الطازجة.
يقف المزارعون بملابسهم البسيطة وأيديهم مغطاة بالأتربة، وهم يعملون بجد في حصاد الجزر بعد أن نضجت جذوره في التربة، ينحني كل واحد منهم بعناية، ويرفع الجذور الممتلئة التي تلتف حولها أوراق خضراء طويلة، ويسحب الجزر من الأرض بمهارة.
هنا قرية بني أحمد في محافظة المنيا، يوم حصاد الجزر الذي يبدأ في فبراير من كل عام، يصطف الجزر المقطوف في أكوام على الأرض، يتألق بلونه الزاهي، بينما الأجواء مليئة بحركة العمل الجماعي، حيث يتعاون الجميع في جمع المحصول الذي يمر بعدة مراحل من التنظيف والجمع تمهيدًا لنقله إلى الأسواق.
حصاد الخير
يقول محمد عبدالمنعم، مزارع من قرية بني أحمد: "الجزر من المحاصيل التي نفضلها، لأنه لا يستغرق فترة زمنية طويلة في الأرض، كما يمكن زراعة محاصيل أخرى بعده".
ويشرح محمود فتوح، مزارع آخر: "تبدأ المرحلة الأولى بتقليع الجزر من الأرض"
ويضيف: "نستخدم أسياخ حديد في عملية تقليع الجزر، وهو أداة مستحدثة، ففي فترات سابقة، كنا نستخدم التؤوريا أو المنجل، لكنها تكسر جذور الجزر ولا يخرج سليم".
يُزرع الجزر على مساحة 600 فدان في قرية بني أحمد الغربية بالمنيا خلال شهر أغسطس، يضع المزارعون البذور في الأرض بعناية، ليبدأ الجزر في النمو خلال أشهر الصيف الحارة. مع مرور الوقت، تبدأ الجذور في الامتداد تحت التربة، وتستمر الزراعة حتى نوفمبر وديسمبر، حيث تكون هذه الفترة هي موسم الحصاد الأول.
وهناك أيضًا عروة أخرى من الجزر تزرع في ديسمبر، ليحصد المزارعون محاصيلهم في شهري فبراير أو مارس.
مرحلة إزالة العرش
يشرح محمد عبدالمنعم، أن المرحلة الثانية هي تقصيف العرش، وهو الجزء الذي يستخدم كعلف للمواشي، فهو من مخلفات حصاد محصول الجزر كل عام.
بينما يضيف محمود فتوح: "بعد قصف العرش، نجمع الجزر في أجولة لنقله إلى المغاسل، ثم نبيعه إلى تجار الخضروات في المنيا أو في المحافظات الأخرى، إذ ينتج الفدان من الجزر ما يقرب من 20 إلى 30 طنًا".
تضاعفت قيمة صادرات الجَزر إجمالًا في مصر العام 2024 إلى 11.7 مليون دولار، مقابل 5.4 مليون دولار العام 2023 بزيادة نحو 117%، وتحتل مصر المركز الثالث عربيًا في إنتاج الجزر بواقع 221.3 ألف طن سنويًا.
فرحة الحصاد
يتواجد في أثناء الحصاد أبناء المزارعين وأصحاب الأراضي في حقول الجزر، حيث يملأ الفرح أجواء المكان.
ينتشرون بين صفوف الجزر وهم يرفعون الجذور الممتلئة بعناية، يبتسمون فرحًا بما جادت به الأرض من محصول وفير.
مرحلة الغسيل
بعد انتهاء الحصاد، ينقل المزارعون المحصول إلى المغاسل المملوكة لتجار الجملة من أجل تنظيفها وغسلها بشكل أوليّ، إذ يوضح محمد عبدالمنعم: "التجار يشترون المحصول منا ثم يتكفلون بغسله إذ تضم القرية 10 مغاسل".
في ساعات الصباح الباكر، كان الضباب يملأ أجواء قرية بني أحمد الغربية وسط برودة شديدة، ورغم هذا الجو القارس، كان العمال يتجمعون في مغسلة الجزر، يواصلون عملهم داخل الأحواض المملوءة بالجزر والمياه الباردة.
تبدأ عملية الغسيل بوضع المحصول في الأحواض الإسمنتية المليئة بالمياه، حيث يترك الجزر لفترة قصيرة ليتخلص من الأتربة العالقة به، ويظهر المحصول نظيفًا وجاهزًا للنقل.
عمرو محمد، صاحب مغسلة في قرية بني أحمد الغربية، يشرح آلية العمل: "المغسلة عبارة عن حوض إسمنتي مزود بماكينة ري تعمل بشكل دوري، تصب المياه في الحوض المملوء بالجزر، ثم نصرف المياه مباشرة في الترعة المجاورة، يساعد ذلك على تنظيف الجزر من الأتربة والشوائب التي تلتصق به أثناء الحصاد ثم نضعه في الأجولة تمهيدًا لنقله".
يضيف: "المغسلة تعد جزءًا مهمًا في عملية تجهيز الجزر للتوزيع في الأسواق، حيث تساهم في رفع جودة المحصول وتجهيزه بشكل أفضل قبل وضعه في الأجولة".
تنتهي رحلة الجزر الطويلة من الحقل إلى المستهلك، مرورًا بمراحل الحصاد والتجميع والغسيل، ليصل في النهاية إلى الأسواق بأفضل حالاته.