عامان من الحرب والنزوح وسط مخاوف من "قانون اللاجئين" 

تصوير: تصميم/ باسم حنيجل

كتب/ت أمنية حسن
2025-04-15 11:00:05

بعد صراع طويل، تمكّنت سوزان توفيق، طبيبة سودانية، من الوصول إلى أسوان في إبريل من العام 2023 هاربة من تداعيات الحرب التي اندلعت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. لحسن حظها، عبرت سوزان الحدود، قبل أن تبدأ مصر في يونيو تطبيق سياسة "التأشيرة المُسبقة" كإجراء لدخول السودانيين إليها، والتي تمنع دخول النساء والأطفال وكبار السن دونها.

على مدار عامين، استقرت سوزان هي ومليون و200 ألف وافد سوداني يعيشون في مصر وفقًا لتقارير حكومية، بينما يدخل النزاع عامه الثالث وسط مخاوف تتزايد داخل أوساط اللاجئين منذ نوفمبر الماضي، عقب أن أقر مجلس النواب المصري مشروع قانون تنظيم لجوء الأجانب المقدم من الحكومة، الذي أثار قلقًا من أن يؤدي إلى رفض طلبات اللجوء أو سحبها بشكل تعسفي وفق بنوده. 

قانون اللاجئين

يعد القانون أول تشريع داخلي ينظم شؤون اللاجئين في مصر والذي كانت تتولاه المفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

ويتضمن 39 مادة تتوافق -حسب نصوصه- مع الاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها القاهرة، وعلى رأسها اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين الموقعة بجنيف في 28 يوليو (تموز) 1951، ويستهدف تنظيم لجوء الأجانب إلى مصر وأوضاعهم وحقوقهم والتزاماتهم المختلف.

وخلال شهر تقريبًا، نشرت الجريدة الرسمية في 16 ديسمبر الماضي، مشروع القانون بعدما صدّق عليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. ومن المفترض أن يصدر مجلس الوزراء لائحته التنفيذية خلال 6 أشهر من وقت التصديق عليه.

وبمجرد إعلان القانون، انتقدت 22 منظمة حقوقية، من بينها هيومن رايتس ووتش، في بيان لها القانون بشكله الحالي، وأنه يسمح بوجود تضييق على طالبي اللجوء، وحالات طرد غير قانونية، وتقييد الوصول إلى الحقوق. 

ووصفت ورقة بحثية أصدرها معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، المادة 7 من القانون بـ "الفضفاضة"، وانتقدت أنها تمنح اللجنة الدائمة صلاحيات موسعة لسحب صفة اللاجئ، موضحة أن هذه النصوص تثير القلق بسبب غموض المعايير والمحددات، مما يترك مجالًا واسعًا لتفسير غير دقيق قد يؤثر على حقوق اللاجئين.

ويشير خبراء إلى أن القانون يتعارض مع قرار التأشيرة المسبقة مع "اتفاقية الحريات الأربعة" التي وقعت عليها مصر والسودان في عام 2004، وتسمح بدخول الأطفال والنساء دون تأشيرة. وأنه يخالف مذكرة تفاهم وقعتها مصر مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في 1954، كي تتولى مسؤولية تسجيل وحفظ بيانات اللاجئين، ويعهد بهذه المسؤوليات إلى "اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين".

تعبر سوزان عن تخوفها من أن تتعامل مع اللجنة بدلًا من المفوضية، التي تعتبر بالنسبة لها "ملاذًا آمنًا"، تولى تنظيم شؤون السودانيين خلال سنوات الحرب بعدما توقف دور القنصلية بحسب قولها. تقول: "في حال انتهاء إقامتي، لا أعرف ما هو وضعي أو ما الذي سيحميني من الانضمام إلى مصير الترحيل". وتتسق تخوفات سوزان مع ما أعلنته ورقة بحثية أصدرتها منظمة العفو الدولية في ديسمبر الماضي حول قانون اللاجئين الجديد، وثقت فيها ترحيل 18 ألف سوداني من مصر.

مقصلة الرفض

يقول المستشار نجيب جبرائيل، رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، في حديثه لـ"عين الأسواني"، إن عدم احتواء القانون الجديد على أي ضمانات لحماية اللاجئين من قرارات اللجنة المستحدثة دون تحديد واضح لآليات عملها وهيكلها، يثير التخوف من أن يجعل قراراتها نهائية وغير قابلة للطعن، ويضع اللاجئين تحت مقصلة الرفض والترحيل الفوري. 

ويطالب كريم عنارة، مدير الأبحاث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ضرورة وجود فترة انتقالية طويلة لضمان سير العملية بشكل سلس، وتجنب حدوث فجوة قانونية أو مشاكل تتعلق بالأشخاص الذين كانت ملفاتهم مفتوحة سابقًا لدى المفوضية.

ويضيف لـ"عين الأسواني" القانون الجديد يمنح اللجنة المعنية صلاحيات وسلطات واسعة وغير محددة بدقة، مستشهدًا بالمادة 10، التي لم تحدد الإجراءات التي يمكن أن تتخذها اللجنة في حالات معينة استثنائية مثل التي تشمل الحروب والظروف الخطيرة، وأن هذا الغموض قد يتيح صلاحيات واسعة قد تُستخدم بشكل تعسفي، مثل تعليق أو سحب صفة اللاجئ من الشخص بناءً على ظروف غير واضحة أو قابلة للتفسير بشكل شخصي.

وتحذر المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (غير حكومية) في دراسة تحليلية أعدتها خلال نوفمبر الماضي، من المادة 9 الخاصة بالترحيل الفوري للاجئين، كونها تمنح اللجنة صلاحيات واسعة، مثل "إسقاط الحق في اللجوء" أو "رفض منح صفة اللاجئ"، مما يتيح إمكانية التنسيق لترحيل الأفراد.

ويفسر عنارة ذلك بأن القانون الجديد يمثل تراجع في الحقوق القانونية للاجئين التي كانت تمنحها المفوضية لهم، خاصة أنه لم يحدد فترة زمنية كافية لملتمسي اللجوء لتقديم الاستئناف وممارسة حقوقهم القضائية، مما يحد من فرصهم في الدفاع عن أنفسهم في مواجهة القرارات التي قد تؤثر على وضعهم القانوني، بسبب عدم وجود هيئة يلجأون إليها.

كما يلفت الانتباه إلى غياب المعلومات الواضحة بشأن معايير اختيار وتأهيل العاملين في هذه اللجنة، مما يثير القلق حول مستوى تدريبهم في هذا المجال والضمانات القانونية المفروضة عليهم.

لذلك، ترى المبادرة في دراستها أنه من الضروري تصميم نظام قانوني قوي وتوفير وقت كافٍ لإعداد البنية التحتية لنظام التسجيل والبت في طلبات اللجوء، قبل منح "اللجنة الدائمة" صلاحيات تتعلق بإدارة مصير اللاجئين أو ممارسة انتهاكات ضدهم.

أميرة ومخاوف الترحيل

وينعكس هذا الوضع على أميرة سيدون، سودانية، وصلت إلى أسوان مع أسرتها بعد اندلاع الحرب. فرغم أنها دخلت البلاد بطريقة شرعية وفقًا لما ذكرته في حديثها مع "عين الأسواني"، إلا أنها لا تزال تخشى من ترحيلها، خاصة وأن القانون سيُطبق بأثر رجعي، مما يعني أن أحكامه ستشمل جميع طالبي اللجوء واللاجئين، بما في ذلك أولئك الذين اكتسبوا صفة اللاجئ قبل بدء تطبيقه. 

ويوضح الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية، أنه بموجب اتفاقية اللاجئين التي وقعت عليها مصر في الخمسينيات، يجب على الدول الموقعة قبول اللاجئين من الدول التي تشهد حروبًا.

ويضيف لـ"عين الأسواني": "لا يجوز إعادة هؤلاء اللاجئين إلى بلدانهم إلا في حالة استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية فيها، لضمان سلامتهم وحمايتهم، وإلا فإن الدولة المضيفة قد تتعرض لعقوبات دبلوماسية، لذا فإن الحكومة تسعى لحماية نفسها من تبعات المعاهدات الدولية التي سبق ووقعت عليها عبر هذا القانون".

ويعزو الدكتور عبدالمنعم زمزم، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة، إصدار هذا القانون إلى تزايد أعداد اللاجئين في مصر بسبب الأوضاع الإقليمية المتوترة، ما يستدعي تنظيم العملية بشكل قانوني. 

ويقول لـ"عين الأسواني": "في الماضي كان اللاجئ يغادر مصر بعد فترة قصيرة، أما الآن فيظل اللاجئون لفترات أطول، مما يتطلب تنظيم وضعهم القانوني ليتماشى مع التحديات الجديدة".

لكن يعترض زمزم على الرسوم التي يفرضها القانون ولم يحددها إلى الآن: "اللاجئين يكونوا في الأغلب فارين من الحروب والدمار ولا يمتلكون أي أموال".

وسبق وأكد أحمد العوضي، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، في لقاء تلفزيوني سابق، بأنه سيتم فرض رسوم على اللاجئين في مصر وفقًا للقانون الجديد. 

وأوضح أن هناك 9 ملايين لاجئ يستفيدون من موازنة مصر السنوية البالغة 10 مليارات دولار، وأن كل من يتقدم لتقنين وضعه سيتم النظر في موقفه، ومن لا يحصل على الموافقة سيتم ترحيله إلى دولته حسب المادة 9 من القانون.

وتتولى اللجنة المستحدثة النظر في أكثر من 800 ألف ملف للاجئين المسجلين لدى المفوضية بأثر رجعي، دون أن يحدد القانون آلية واضحة لذلك.

صراع الحقوق

وبينما يقر مشروع القانون في المادة 20 حق الطفل اللاجئ في التعليم الأساسي، تشير المبادرة المصرية إلى أنه يتجاهل الحق في التعليم الجامعي الحكومي، ويتعارض مع "اتفاقية اللاجئين" التي وقعت عليها مصر في عام 1951، وتضمن حقهم في التعليم العالي، لأن حرمانهم من التعليم يعيق دمجهم في المجتمع.

كما تثير المادة 21 من القانون أزمة أخرى تخص الحق في العلاج، إذ تنص على حق اللاجئين في الرعاية الصحية المناسبة، إلا أنها لم تحدد مفهوم "الرعاية المناسبة" بشكل دقيق، فلم تضمن حقهم في الوصول إلى المستشفيات الحكومية أو المساواة مع المواطنين في تلقي الخدمات الصحية، بل أرجأ تنظيم هذه المسائل إلى لائحة من الوزير المختص، مما يزيد القلق بشأن وضوح الحقوق الصحية للاجئين.

وفيما يفرض القانون الجديد التزامات مالية على اللاجئين، مثل دفع الضرائب، لا يشير إلى التزام الحكومة وجود مظلة حماية اجتماعية تضمن لهم حياة كريمة وتلبي احتياجاتهم الأساسية. 

يقول عنارة أن ذلك يتناقض مع اتفاقية جنيف التي وقعت عليها مصر، وتقرّ بمنح اللاجئين المقيمين بشكل قانوني نفس الضمانات الاجتماعية التي يحصل عليها المواطنون، مشيرًا إلى أن ذلك "تهميشًا لحقوقهم الأساسية" على حد وصفه، وأن ذلك يتكرر في المادة 37 التي تفرض على من يؤوي لاجئين ضرورة إشعار قسم الشرطة.

يعلق قائلًا: "اللاجئ ليس مجرمًا، ولا يوجد نص دستوري يمنع شخصًا من إيواء لاجئ بشكل إنساني، فلا بد من معاملتهم كأفراد تحتاج حماية وليس موضع شك".

واجهت أسرتي سوزان وأميرة صراعًا سواء في إلحاق أبنائهم بالمدارس أو تلقي الخدمة العلاجية، فما بين المدارس الحكومية التي تتطلب أوراقًا ثبوتية أو المدارس الخاصة مرتفعة التكلفة، تضطر أسر إلى بقاء أبناؤهم في المنزل، وهو نفس الأمر الذي يواجهونه في القطاع الطبي حيث تقوم بعض المستشفيات الحكومية بحجز جوازات السفر حتى دفع الرسوم. 

وفيما تدخل الحرب عامها الثالث، وتخلف وراءها واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة؛ تتابع أسرتي سوزان وأميرة ما ستؤول إليه الأمور في مصر، وما إذا كانت اللائحة التنفيذية ستفض هذه المخاوف أم ستزيدها.