في نوفمبر الماضي، نشرت جريدة المصري اليوم تقريرًا حول تقدم النائبة حنان عبده عمار، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة إلى المستشار الدكتور حنفى جبالي، رئيس المجلس، موجه إلى الدكتور خالد عبدالغفار، وزير الصحة والسكان، بشأن احتلال مصر المرتبة الأولى عالميًا وفقًا لمنظمة الصحة العالمية في معدلات الولادة القيصرية.
ووفقًا لنتائج أخر مسح صحي صدر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يبلغ متوسط الولادات القيصرية في مصر 72 % عن عام 2021، وأن النسبة قفزت في قرابة عشرين عامًا من 2000 إلى 2021 سبعة أضعاف من 10 % إلى 72 %، فيما كانت مصر في عام 2014 في المركز الثالث بنسبة 51.8 % بعد جمهورية الدومينيكان و البرازيل.
تقول آية منير، مؤسسة مبادرة "سوبر وومان"، إن النساء اللائي يجرين الولادة القيصرية لا يحصلن على توضيحات بأسباب إجرائها الطبي، رغم أن ذلك حقهن في معرفة طريقة كل ولادة ومخاطرها.
وأضافت: “أغلب الشكاوى التي تأتي من السيدات تتعلق بالعنف الطبي ضدهن، وكلهن يتم تجهيلهن وعدم الرد على استفسارتهن".
وتفسر "منير" ارتفاع نسب الولادة القيصرية بتهميش حق النساء في الشكوى، وتضيف: “أغلبهن لا يتلقين ردودًا من الأطباء سوى بعبارة "انتِ بتدلعي"، ولذا تخاف النساء من الشكوى، خاصة وأن المجتمع يرى أن مصلحة الأم وصحتها هي الأخيرة، ولا يقبل سماع أن من حق السيدة الشكوى من أي أمر.
وأكدت، أن أغلب السيدات تختار الولادة القيصرية كي يشعر زوجها بتغير ما لمصلحة الطفل.
تفسر يُسر محمد، 35 عامًا، ميلها إلى الولادة القيصرية لأنها تستطيع اختيار اليوم والتوقيت دون ألم، على عكس الولادة الطبيعية ذات الألم الصعب وغير المحتمل.
لكن "يُسر" في أول تجربة للولادة اكتشفت أنه لا يجب الولادة طبيعيًا بالأساس؛ لأنه يوجد مشكلة بالرحم لم تكتشفها سوى أثناء الولادة، على الرغم من متابعتها مع طبيبة في عيادة خاصة والتي لم تحذرها من وجود المشكلة.
وعانت "يُسر" من تمزق الرحم واضطرت إلى إجراء عملية وخياطة الرحم حينها.
وفي الولادة القيصرية لم تشعر "يُسر" بأي ألم، لكنها تضيف: “في آخر ولادة شعرت بالطلق قبل الموعد بأسبوع، وكان يجب أن ألد بمجرد الشعور بالألم، وأخبرت الطبيب الذي أكد لي أنني لو انتظرت أكثر من ذلك كان من الممكن حدوث انفجار في الرحم".
وعلى عكس "يُسر"، فإن دينا رمضان، 22 عامًا، ترى أن الولادة القيصرية صعبة وخطيرة وضارة بصحة الأم، لكنها أيضًا لم تجد خيارات أخرى أمامها سوى "القيصرية"؛ لأن الطبيب اكتشف أن منسوب المياه حول الجنين منخفض، وأن الرحم لم يفتح سوى 3 سم فقط وليس 6 سم، ما جعلها في النهاية تستلم لقدرها وتلد طفلها قيصريًا، وسط معاناة عقب ذلك من آلام في الظهر؛ بسبب حقن الظهر بمخدر كلي.
وتأثرت "دينا" بذلك في الولادة الأولى والثانية، إذ لم تدر لبنًا كافيًا لطفليّها، ولذا اعتمدت على اللبن الصناعي؛ على الرغم من أن مولودها الثاني ممنوع من ذلك.
وعانت سمر صلاح، 39 عامًا، من تجربتين ولادة إحداهما فاشلة والثانية ناجحة، تقول: “في الأولى شعرت بالموت وأصبت بنزيف شديد واضطررت للولادة القيصرية لأنني أعاني من أمراض في القلب".
ولم يكتمل الحمل الأول لسهى محمد، 36 عامًا، واضطرت لاستئصال جزء من الأنبوب، وفي حملها الثاني اتفقت مع طبيبها على الولادة في مستشفى خاص، وفي نهاية الشهر الثامن شعرت بأعراض الولادة فذهبت لمستشفى غير مجهزة عكس الخاصة، واكتشفت أن الطبيب الذي أجرى العملية غير متمكن، وسبب لها التصاقات في الأنبوبة السليمة، وبعد عمل مناظير رحم وبطن اكتشفت أنها لن تستطيع الإنجاب مرة أخرى بسبب التصاقات الأنبوبة.
وأعدّت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات" عام 2021 ورقة سلطّت بها الضوء على المفاهيم والانتهاكات الخاصة بالولادة القيصرية.
وتشير الورقة، إلى أن العوامل الطبية الصحيحة التي يجب الاستعانة بها لإجراء الولادات القيصرية، هي المشاكل الخاصة بتنفس الجنين أو ضربات قلب بطيئة أو وضع غير طبيعي للجنين داخل الرحم، ما يُقلق الطبيب ويدفعه لإتخاذ قرار إجراء الولادة القيصرية العاجلة.
وأوضحت الورقة، أن الوضع غير الطبيعي للجنين داخل الرحم يشمل أن تكون قدميّ الطفل عند فتحة المهبل، أو قد يكون الطفل في وضع عرضي أو طفل وزنه كبير، بما يُصِعب خروجه من فتحة المهبل مثل الأطفال المولودين لأمهات مصابة بالسكري، وهو وضع مُخالف للولادة الطبيعية، وبعض الأمراض الأخرى كمشاكل القلب المتقدمة وارتفاع ضغط الدم أو السكر ووجود عدوى أو ورم كبير يسِد فتحة المهبل، أو إذا كانت السيدة حامل بتوأم أو أجرت ولادة قيصرية سابقة.
كما نبهت الورقة، إلى أن الولادة القيصرية بدون مبرر طبي تسبب ضررًا للمولود والأم، وقد تؤدي إلى إصابة الأم بالمشيمة المتوغلة واستئصال الرحم أثناء الولادة في حال حدث نزيف الولادة الهائل.
كما تؤثر هذه الولادة على قدرة الأم على الرضاعة الطبيعية، فيما قد يتعرض الجنين لمضاعفات مثل: "زيادة الجراثيم المعوية والسمنة والحساسية والإصابة بالتوحد والسكري وأمراض المناعة".
وفي محاولة للحد من ارتفاع نسبة الولادة القيصرية في مصر، أصدرت وزارة الصحة والسكان توجيهات في 2022 لتحفيز الأطباء على إجراء الولادات الطبيعية.
ووجهت الوزارة وفق متحدثها الرسمي، الدكتور حسام عبدالغفار، بضرورة مساواة أجور الأطباء والطواقم الطبية عن الولادات الطبيعية بنظيرتها من القيصرية، مع تخصيص حافز مالي للفريق الطبي الذي يحقق معدلات أعلى من الولادات الطبيعية.
كما شددت الوزارة على ضرورة سن التشريعات التي تضمن حق الطبيب أو الممرضة في تطبيق الولادات الطبيعية في أثناء حدوث الآثار الجانبية البسيطة، وتنظيم تدريبات دورية للفرق الطبية أثناء الخدمة مع توجيه القائمين على المنشآت الطبية الحكومية والخاصة بجمع المعلومات الصحية والبيانات الروتينية عن الولادات القيصرية وأسبابها، لتحقيق الحوكمة في البيانات.
وشددت الوزارة على ضرورة تحليل جميع أسباب الولادة القيصرية، وإلزام جميع المستشفيات الخاصة والحكومية بالعمل بالدلائل الإرشادية المتعلقة بأسباب وضوابط اللجوء للولادة القيصرية.
ونبهت الوزارة على ضرورة عمل الاستبيانات والدراسات في المناطق السكنية؛ لمعرفة البيانات التي تساعد في تحسين طرق تشجيع المرأة الحامل على تبني فكرة الولادات الطبيعية، بالإضافة إلى عقد مناقشات مجتمعية لأضرار الولادات القيصرية، وزيادة جلسات التثقيف النفسي للنساء اللائي يعانين الخوف من الألم، وتفعيل دور المجتمع المدني للمشاركة في ترسيخ المفاهيم الصحيحة عن الولادة الطبيعية وفوائدها للأم والطفل، وأضرار الولادة القيصرية دون مبرر طبي.