"اكتئاب ما بعد الأعياد".. موظفون يتحدثون عن فقدان الطاقة والرغبة في الاستقالة

Written By مريم أشرف
2023-07-03 08:31:59

تأتي الأعياد والإجازات الرسمية الطويلة كفرصة لالتقاط الأنفاس، مثل استراحة محارب من معارك الحياة، تتيح وقتًا للراحة ومقابلة الأصدقاء والأقارب.
لكن لماذا تتحول أيام العيد وخصوصًا مع قرب صباح أول يوم العودة إلى العمل عند البعض إلى التمحور حول "الاستقالة" والحاجة إلى كسر الروتين مقابل فقدان الطاقة؟ 
هل تعلم أن كل هذا وأكثر هي أعراض لما يُعرف بـ"اكتئاب ما بعد العطلات أو الأعياد"، الذي تعرّفه منظمة الصحة العالمية كأحد أشكال الاكتئاب التي تصيب الأشخاص في فترات الأجازة، وفي حالتنا هنا الأعياد؟ 
على الرغم من عمله كمُدرب في ركوب الخيل، لا يزال محمد شبل، 30 عامًا، يعاني من ضيق وملل بعد انتهاء الإجازة والعودة إلى الحياة بإيقاعها الطبيعي، يقول لـ"صوت السلام": "بعد أول يوم عمل بعد عطلة عيد الفطر الماضي؛ شعرت بضيق شديد وقضيت أكثر من يوم في زهق وخمول وخنقة، مبقتش طايق أعمل اللي ورايا".
يعتمد شبل في عمله على الحركة والمجهود البدني، صُحبته للخيول لم يغير من حالته، هذه الطاقة التي يحتاجها في تدريب ركوب الخيل يفتقدها أيام إجازة العيد، فيما تتدفق مشاعر الحزن وكره الروتين في حياته، خاصة وهو يتحرك طوال 11 شهرًا في دوائر الروتين بخفة وإنجاز.
يعاني محمد وغيره، من أعراض الخمول والحزن والروتين، يشعرون أن الحياة أفضل أثناء الإجازة، فيما ترافق هذه "السحابة المظلمة"، كما يصفها محمد كظله لأسابيع، ما يدفعه ليرمي نفسه في دوامة العمل ويضاعف ساعات عمله، لعله ينسى تلك المشاعر الحزينة. 
يفرض على نفسه نظام صارم، يذكّر نفسه بأن هذه هي حياته، يضبط ساعته البيولوجية، ثم مواعيد تناول الطعام وساعات العمل، وبعد أسابيع ينصهر في الروتين، في انتظار إجازة طويلة أخرى.
ويصدر مجلس الوزراء في مصر، قبيل العطلات الرسمية الطويلة قرارًا يُحدد الأيام، وفي بعض المرات تم ضم أيام إجازة رسمية تزامنت فيها الأعياد مع مناسبات وطنية أخرى، وهو ما يميز العام بالنسبة للموظفين بوجود أيام عطلة رسمية طويلة قد تقترب من أسبوع كامل إذا ما أضيفت لها يوميّ الجمعة والسبت، وهو ما ينتظره الموظفون بفارغ الصبر للراحة من روتين العمل.
لكن لا راحة بدون ألم، فالخروج قليلًا من روتين العمل له فاتورة تُسددها نورا فتحي، 27 عامًا، من صحتها النفسية؛ نراها تقف داخل محل لبيع البن لإحدى العلامات التجارية الشهيرة، تشعربإرهاق شديد.. تصنع فنجانًا من القهوة لمرتادي المحل، لكنها تحتاج إلى أطنان من الكافيين لتعود إلى روتينها الطبيعي، وتستعيد طاقتها الكاملة بعد عطلة العيد.
لا تعرف نورا ماذا يحدث، كل ما تقوله إنها بعد كل إجازة رسمية طويلة تفكر بجدية في الاستقالة، لتتخلص من مشاعر الحزن وعدم قدرتها على رؤية الناس مرة أخرى، يزعجها الأصوات الكثيرة، تنظر إلى ساعتها انتظارًا لانتهاء فترة عملها، تعود إلى المنزل مًسرعة، تود لو أنها بقت في غرفتها إلى الأبد.
تلك الأعراض التي تعاني منها نورا هي تحديدًا ما ذكرته منظمة الصحة العالمية حول أعراض الاكتئاب وهي: “ضعف في التركيز، اضطرابات في النوم، اضطرابات في الشهية والوزن، شعور بالتعب أو فتور الطاقة"، بالإضافة إلى أن كل هذا يقود المصاب بالاكتئاب نحو المعاناة في جميع مناحي الحياة مثل المنزل والعمل والمدرسة، وهو ما يشعر به البعض بعد انتهاء عطلة العيد، من تقلب في المزاج واستنكار وكراهية للروتين اليومي الطبيعي. 
تقول نورا: “لما بضّغط وأغوص في الشغل، بحس إن مفيش مفر، لازم أرجع للروتين تاني"، كل هذا هو ما وصفته نورا لحالة التأقلم مع الروتين التي تدخل فيها وزملائها في العمل، إذ تحتل الاستقالة الصدارة في نقاشاتهم التي يقطعها صوت زبون يطلب فنجانًا من القهوة، كأنما يُذكرهم بأن الروتين هو الحل. 
لكن ما مدى انتشار أعراض "اكتئاب ما بعد العطلات"؟.. نشر التحالف الوطني للأمراض العقلية NAMI ومقره الولايات المتحدة الأمريكية، تقريرًا سابقًا عام 2014، تحدث فيه أن 24 % من المصابين بأمراض عقلية تسوء حالتهم في الإجازات الطويلة، و40 % يكونون في أسوء حالاتهم.
وتشير منظمة الصحة العالمية في تقرير صدر ابريل الماضي، إلى أن 280 مليون شخص في العالم يعانون من الاكتئاب، وأن 75 % من الأشخاص في البلدان منخفضة ومتوسط الدخل لا يتلقون أيًا من علاجات الاضطرابات النفسية، نتيجة لنقص الاستثمارات في رعاية الصحة النفسية، والوصم المجتمعي المرتبط بالاضطرابات، وتقصد المنظمة هنا الاكتئاب عامة وليس "اكتئاب ما بعد العطلات". 
من جانبها استطلعت "صوت السلام" آراء 14 شخصًا بين عمر 18 إلى 30 عامًا، عبر سؤالًا طرحته على مواقع التواصل الاجتماعي، وهم يعملون في وظائف حرة وبعضهم موظفين أو يدرسون، أجاب 12 منهم بأنهم شعروا بتغيرات في حالتهم المزاجية بعد انتهاء عطلة عيد الفطر الماضي والتي امتدت لأسبوع كامل، لكن الباقي قال إنه لم يشعر بتغيرات.
الذين سألناهم من الـ 12، قالوا إنهم أحسوا بفقدان الشغف وانطفائهم وشعورهم بثقل رهيب، أحدهم فسر ذلك بقوله: “قمت بتأجيل كل المهام إلى بعد العيد، وحان التنفيذ وأنا بلا طاقة تقريبًا"، بينما قالت فتاة من بينهم: “حاسة إني مش عاوزة أسمع صوت مخلوق"، وأجاب ثالث: "مش عايز اتعامل مع حد".
من جانبه، يقول أحمد حسن، معالج نفسي، إن هذه الحالة مشخصة بـ"اكتئاب ما بعد العطلات"، ويظهر بشكل واضح مع الإجازات السنوية الطويلة، ويشعر به البعض بعد إجازات الأعياد بما أنها الأطول خلال العام، ويطلقون عليه  مجازًا "أنتخة بعد العيد".
ويوضح أحمد لـ"صوت السلام"، أن أعراض هذه الحالة هي: "نقص  الطاقة، الإحساس العام بالحزن والحنين لفترات الراحة، الإحباط والشعور بعدم الاكتفاء والإنجاز، وكلما زادت مدة الإجازة زادت حدة الأعراض".
يشير أحمد أن هذه الأعراض من المفترض أن تختفي بعد أسبوعين من الدخول في روتين العمل الطبيعي، لكن استمرار هذه الحالة لشهور يعني أن الشخص قد أصيب باضطراب اكتئابي.
ويُفسر أحد أسبابه قائلًا: “الضغط الذي يجعل معظم الموظفين يفكرون في المبالغ الباهظة التي أنفقوها في العيد، وبالتالي يرون أنهم بحاجة إلى العمل أكثر من أي وقت مضى، مما يدخلهم في اكتئاب ربما يعرقل فرص التعافي”. 
ويذكر الموقع الأمريكي "Verywellmind”، المعني بدراسات الصحة النفسية، في تقرير نُشر ديسمبر الماضي، أن الضغوط المالية لشراء الهدايا في الأعياد يخلق أعباءً إضافية.
يقول حسن إن أحد الطرق الفعّالة للتخلص من الروتين بعد العطلات ومحاولة عدم السقوط في الاكتئاب وضع جدول يومي للقاء الأصدقاء والأقارب وذلك "لخلق حالة تشبه أيام العيد"، ويضيف: “من المهم القيام بأنشطة مختلفة بعد انتهاء ساعات العمل، فالخطأ الذي يقع فيه أغلب الناس أنهم يعتقدون أنه لابد من فرض نظام روتيني صارم.. لكن الحقيقة أنهم بحاجة إلى الترفيه". 
كما يرى أحمد، أن عادات مثل الاستيقاظ المبكر، والقيام بالمشي يوميًا، وتناول الطعام الصحي، من شأنه أن يخفف من حدة "اكتئاب ما بعد العطلات"، بجانب وجود مدير متفهم، ويقول: “لابد بجانب الروتين من عادات صحية، بجانب أن المسئولية تقع على عاتق المدير الذي عليه بعد الإجازة تدريج المهام بشكل يومي أقل فأكثر، لأن الخطأ عند أغلب المديرين هو تكثيف العمل مرة واحدة بعد الأعياد لذا تسوء بيئة العمل أكثر".
سألنا أحمد عن رغبة ترك العمل التي أبداها بعض من تحدثنا إليهم، فقال بشكل واضح: “قد يكون "اكتئاب ما بعد العطلات" مرآة جديدة لبيئة العمل في ظروف مختلفة، فلو أنك لا تستطيع تحمل هذا بوعي حقيقي وبحاجة إلى الاستقالة إفعل ذلك".
يضيف أحمد: “لكن اعتقد أن هذا أمر خيالي وصعب، لا تستقيل قبل البحث عن فرصة عمل جديدة".