"إيميلي مولر" وكسر القواعد

صورة أرشيفية

Written By مريم أشرف
2024-06-08 10:42:02

صُدمت عندما وجدت الفيلم القصير "إيميلي مولر"، يحصل على 8.4 من 10 تقييم في موقع "آي إم دي بي"-موقع قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت- الذي يوثق بيانات الأفلام على الإنترنت، ويقدم تقييمات الأفلام من خلال مشاركة متوسط تقييم الجمهور للفيلم على الموقع؛ فبالنسبة لشخصي مثلي من محبي الفيلم، وجدت أنه من المنطقي حصول الفيلم على 10 نجوم كاملة، بسبب اختلافه وفلسفته، كذلك حبكته الدرامية.

فيلم "إيميلي مولر" أُنتج عام 1994، ومن إخراج وتأليف آيفون مارسيانو، وتؤدي دور البطلة الممثلة فيرونيكا فارجا، وتُروى القصة بالأبيض والأسود في 19 دقيقة و55 ثانية باللغة الفرنسية. الفيلم لصُنّاع فرنسيين، يُعرض بطريقة مختلفة عما كان يُطرح من أفلام في فترة التسعينات الملونة، سواء كانت قصيرة أو طويلة.

يحكي الفيلم القصير عن تجارب أداء لدور فتاة في فيلم ما، وتبدأ القصة بتجربة أداء إيميلي مولر، التي تحاول بدء مشوارها الفني والحصول على تلك الفرصة، يطلب منها المخرج أن تُحضر حقيبتها لتخبره بما يوجد فيها، لتتحول محتويات الحقيبة أساسًا لبناء حوار وحبكة الفيلم، فكل قطعة لها قصة تسردها إيميلي بمشاعر وحالة خاصة، وتتحول تجربة الأداء إلى تجربة مختلفة عن النمط المألوف لتجارب الأداء.

في رسالة عبر تطبيق"واتس آب" اقترح علىَ أحد أصدقائي الأعزاء الفيلم في 2020، لأشاهده وأخبره برأيي، كان منبهرًا لدرجة لم أفهمها، وبعد مشاهدة الفيلم أصبح لدي نفس حالة الانبهار، فاخترته كمشروع لمادة السيناريو خلال دراستي بكلية الآداب، في آخر عام لي في قسم المسرح 2024.

وخلال 4 سنوات استقر الفيلم في قائمة مفضلاتي، التي أعيد مشاهدتها حتى أرى فيها تفاصيل أخري، واستغلال شعور الانبهار بتلك القائمة في تدريب درامي، وظلّت الفكرة التي تتردد في بالي، وتُلحّ عليّ بإعادة مشاهدة الفيلم، مُتصورة أنه سيكون أحد مشروعاتي المستقبلية، لكني لم أكن أعرف هل سيكون مشروع دراسي أم نقدي خاص بمراجعة تلك التجربة.

تتحرك عيون إيميلي بعيدًا أحيانًا في لحظات الصمت والتفكير، ليكون العنصر المتحرك فقط في "الكادر"-إطار وأبعاد الصورة- فالفيلم به كل عناصر الصورة التي تدعو للملل، ويعرفها صناع الأفلام كقاعدة لمنع استخدامها، حتى لا يفشل فيلمهم، لكن مارسيانو كسر تلك القاعدة، ووضع مُقومات الملل في الفيلم لتحقق نجاح، واعتبرت من نقاط قوة الفيلم.

حتى أن محاولات كسر هذا الملل، كانت محاولات من قلب الحدث الدرامي، مثل مقاطعات المخرج لإميلي بسؤال.

ومن بين تلك العناصر "الكادر" الواحد الثابت على إيميلي، واستخدام اللون الأبيض والأسود، فتلك العناصر البصرية لمدة 19 دقيقة و55 ثانية تُعدّ مخاطرة من صانع الفيلم، لكنها كانت مُخاطرة ناجحة؛ جعلت من هذا الكادر علامة بصرية شهيرة للفيلم، ففي حالة البحث عن اسم الفيلم على موقع "جوجل" ستجد هذا الكادر أولى نتائج البحث، وتلك هي أحد مقاييس نجاح ذلك التحدي، وحاز الفيلم على 12 جائزة من 12 مهرجان من مختلف أنحاء العالم.

حوار الفيلم لم يكن شكله الفني مُحبّذ للنقاد والصناع، إذ جاء في شكل سؤال وإجابة بين المخرج وإيميلي، مثل مباراة "بينج بونج" سخيفة، لكن يطغى عليها شعور الفضول تجاه محتويات الحقيبة، الذي تسرّب لدى أغلب المتفرجين، فشعور الفضول يطارد حالة الملل قبل حدوثها، ويُعدّ عامل جذب جيد يوازن تلك المخاطرات السينمائية.

لم تكن نهاية فيلم "إيميلي مولر" متوقعة على الإطلاق، إذ أنها ليست "بلوت تويست"-أي نهاية مفاجئة- بالشكل المعروف، فكانت درسًا في التمثيل، ينتهي الفيلم بترك إيميلي الحقيبة على شماعة بعيدة، بعدها يأتي شخص يسأل عن صاحبة الحقيبة، فتقول إحدى أفراد فريق العمل إنها حقيبتها، وبسبب ذلك يندفع المخرج راكضًا وراء إيميلي، ليس ركضًا عاديًا، بل لأنه نجح في الوصول إلى الممثلة المناسبة للدور، ولا يُريد أن يفقدها، وكل ذلك بسبب محتويات حقيبة غيّرت من قدر إيميلي إلى القدر التي تتمناه.