على بعد 10,416 كيلو متر من مصر، وفي قارة أخرى، تتواجد الدمى المصرية في متحف أتلانتا، بمدينة تحمل نفس الاسم بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن أسهم نبيل بهجت في استقرارهم بالمتحف وتوثيقهم في منظمة اليونسكو ليكونوا طيف مصري في قارة أخرى.
نبيل بهجت، هو أستاذ بقسم المسرح في كلية الآداب جامعة حلوان، ورئيس القسم سابقًا، ومؤسس فرقة ومضة المسرحية لعروض الأراجوز وخيال الظل. قدّم ملف في 2011 بضمّ خيال الظل والأراجوز في توثيق التراث غير المادي في منظمة اليونسكو، لتستمر جُهوده بهجت تجاه الأراجوز وخيال الظلّ، مخافة اندثارهما من الوجدان المصري والعالمي.
وفي صباح 11 يونيو 2024، انتشر خبر عن وضع دمى مصرية في متحف أتلانتا، من بينهم كان الأراجوز وخيال الظل، أجرت "صوت السلام" حوار مع "نبيل بهجت" ، ليحكي لنا الرحلة منذ بداية اختياره للأراجوز وخيال الظل، بعد مرور شهر على استقرار الأراجوز في المتحف..
كيف بدأت رحلتك في مسرح خيال الظل والأراجوز؟
في مطلع الألفينات بدأت تجربتي لإحياء خيال الظل والأراجوز، بهدف البحث عن أشكال مسرحية عربية ومصرية مُختلفة تمامًا عن الشكل المسرحي الأوروبي المعروف، ومثّل ذلك بالنسبة لي تحدِ بسبب اختفائه، بالإضافة إلى حالة إنكار العاملين بالمسرح تجاه المسرح الشعبي وما يُمثّله خيال الظل والأراجوز.
بدأ الأمر بجمعي للأرشيف الخاص بـالأراجوز وخيال الظل، وأصدرت كتاب الأراجوز، وحصلت على توثيق لعروض أراجوز لمدة 19 ساعة في 7 شرائط "DVD"، من خلال البحث عن القائمين على المسرح الشعبي حاملين ذلك الأرشيف، وفي عام 2004 أنشأت فرقة ومضة المختصة في تلك العروض، التي انطلقت من خلال لاعبي الأراجوز المحترفين؛ عم صابر المصري الملقب بـ"شيخ أراجوزية مصر"، وعم صابر سعد "شيكو" وحسن خليفة، وهم من أهم صناع مسرح الأراجوز وخيال الظل في مصر.
لماذا اختارت الأراجوز وخيال الظل ليكونوا رحلتك في عالم المسرح؟
لأنهم الشكل الأول للمسرح المصري والعربي، بسبب طبيعته الفنية البسيطة والإقبال الجماهيري والشعبي، وكان لابد من توثيقهم واعتمادهم بعيدًا عن الشكل المسرحي المُستورد من الخارج، لتحقيق العدالة الثقافية التي كان من الضروري أن تحدث منذ سنوات، ولمنحهم نفس المساحة والحقوق، لذلك لم يكن الأراجوز وخيال الظل مجرد بحث، بل كانوا تحدي شخصي ثقافي للاحتفاء بتلك الفنون التي أوشكت على الاندثار.
ما هي إجراءات توثيق خيال الظل والأراجوز من البداية حتى إعلان ضمّهم للتراث غير المادي باليونسكو؟
بدأت رحلة التوثيق في اليونسكو، من رغبتي في انتزاع اعتراف عالمي بالأراجوز الذي كان المسرحيون يتعاملوا معه على أنه سُبّة، واستخدموا معه ثقافة الهامش، مُعتبرين أن الفنون الغربية هي محط الاهتمام فقط، في حين أن العالم احترم الفنون الشعبية الغربية، مثل الأوبرا التي وُضعت لها ميزانيات، وهي فن إيطالي شعبي، لذا كان لابد من احترام العالم أيضًا للفنون الشعبية المصرية.
لم تكن تلك الرحلة سهلة أبدًا، لأنه كان يلزم الاعتراف المصري في البداية لذلك الفن الشعبي، وهو ما حدث من خلال عروض فرقة ومضة في معظم المسارح المصرية، ثم الاعتراف العربي من خلال العروض بالدول العربية، كما انتقلنا إلى أمريكا لعمل 120 عرض الأراجوز وخيال ظل، المرحلة الأهم وهي بدء عملي على ملف عن تلك الفنون من خلال دراستي، وما توصلت له في 2011، وقمت بتمويله بشكل كامل، ثم حدث التسجيل أخيرًا في عام 2018 لخيال الظل والأراجوز كتراث غير مادي باليونسكو، وقبول الملف واعتماده.
كيف وصلت الدمى المصرية إلى متحف أتلانتا؟
بدأ مشروع استقرار الدمى بالمتحف منذ 10 سنوات، بالتوازي مع مشروعي للتوثيق باليونسكو، لكنها طبقًا للإجراءات حدثت في يونيو الماضي، حيث استقرت 43 دمية مصرية، من بينهم دمية الأراجوز المعروفة باسم "المقدّم" في أوساط اللاعبين ويرافقها شرح توضيحيّ لها، وكذلك ابن الأراجوز فلفل أو "السنؤم"، وزوجة الأراجوز "نفّوسة" المعروفة باسم "الكوديانة"، وبعض الدمى الأخرى، إلى جانب عرض مستمر لبعض عروض فرقة ومضة.
استقرار الدُمى بالمتحف أسعدني للغاية، شعرت بـاستعادة الاستحقاق للثقافة الشعبية، وأن الثقافة الشعبية هي جزء حميمي من المُكوّن المصري، وأنها يمكن أن تُمثّل مصر، وتأكيد لرحلتي منذ البداية في الفنون الشعبية المسرحية، فهي رسالة فكرية بالنسبة لي أكثر من كونها رسالة شعورية، وتأكيد على جهود الفنانين الشعبيين.
لماذا اختفى مسرح الدمى في مصر ولم يصبح مطلوب جماهيرًا؟
معاناة مسرح الدمى في مصر حاليًا بسبب الخوف من المخاطرة الإبداعية، في تجربة ذلك المسرح، الذي ينتمي لجمهور واسع من بينهم الأطفال، فيما يكاد يختفي، رغم تواجد مبدعين مصريين في الدمي لديهم تجارب ثرية، لكن لم يُحاول أحد تطوير هذا المسرح، ويقومون باستنساخ تلك التجارب فقط دون خلق تجارب جديدة، والسبب الآخر هو اهتمام الحركة الإدارية الثقافية لنوع محدد من الفنون، دون أي محاولة للتحرر من الأفكار القديمة.
كيف يجب أن يتلقى صناع مسرح الدمى الدعم والاهتمام حاليًا في مصر؟
أظن أنه في السنوات الأخيرة ازداد الاهتمام بالفنون التراثية، لكن المشكلة التي تواجه صناع المسرح هي عدم فهمهم للاستلهام والتوظيف والاستعادة في مسرح الدمى، مما يخلق مسرح دمى غير مفهوم، إلى جانب عدم توجيه الدعم من المؤسسات الثقافية الحكومية لصناع مسرح العرائس الحقيقون وعدم الاحتفاء بهم وتكريمهم، وهم كنوز بشرية وحاملين للتراث الشعبي.