منذ السابع من أكتوبر الماضي؛ انتشرت حملات في مصر دعت المواطنين لمقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال الاسرائيلي أو الدول المؤيدة له واستبدالها بأخرى محلية الصنع، بعضها كان بالفعل مطروحًا بالأسواق، وأخرى بدأت توسيع خطوط إنتاجها إثر إقبال مستهلكين على منتجاتهم البديلة.
استخدم المواطنون هذا الحق في مواجهة مجازر الاحتلال في قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أن الصورة على أرض الواقع كانت أكثر تعقيدًا، إذ وفقًا لتصريحات حازم المنوفي، عضو الشُعبة العامة للمواد الغذائية بالاتحاد العام للغرف التجارية لجريدة "المصري اليوم" نوفمبر الماضي، فتأثير المقاطعة لم يتعد 10 % فقط؛ لأن الشركات المحلية لم تستطع تغطية احتياجات السوق.
هنا في المنصورة حاولنا قياس آثار الحملة على أصحاب المحلات، فمثلًا علي حمادة، صاحب سوبر ماركت يقول إن المقاطعة قللت مكاسبه؛ لأن المنتجات المباعة عنده تقع كلها ضمن قائمة المقاطعة.
وأضاف: “موزعين المنتجات المصرية يجبروننا على شراء منتجات لا يحتاجها المستهلك.. وبعضها من منتجات المقاطعة"، بينما مشكلة "حمادة" هي مع المرتجعات الهالكة التي لم تنته بعد صلاحيتها، إذ أن شركاتها لا تقبل إعادتها طالما أن تاريخها لم ينته.
ولم يكن عند "حمادة" طلب على شراء المنتج المصري قبل الحملة، وبعدها أصبح هناك نسبة قليلة فقط من المستهلكين يشترون منتجات المقاطعة، فيما تضاعف الطلب على شراء المنتج المحلي، ما خلق أزمة في عدم توافره بالأساس من الشركات لعدم قدرتها على إنتاج كميات تناسب حجم الطلب في الأسواق.
وضرب "حمادة" مثلًا بمنتج المياه الغازية الذي راج اسمه بعد الحملة وهو "سبيرو سباتس"، ويقول: “اتصلت بأكثر من مندوب للشركة بهدف توفير كميات منه للمحل، لكنني لم اتسلم أية منتجات حتى الآن"، ويتعهد في حال توافرت المنتجات المصرية بكثرة التوقف عن بيع المنتجات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي.
ومثل "حمادة" يعاني كرم محمد، صاحب سوبر ماركت، من قلة المعروض من المنتج المصري في الأسواق وعدم مناسبة ذلك لارتفاع الطلب على شرائه، وقال إن المندوبين أخبروه أن الشركات غير قادرة على توفير الكميات المطلوبة من المنتج المحلي مثل "تايجر" و"سبيرو سباتس"، فيما لا تقبل شركات منتجات المقاطعة المرتجع طالما أن صلاحيته لم تنته بعد.
وأضاف "محمد" أنه واجه أسئلة كثيرة عن توافر منتجات "سبيرو سباتس"، ورغم أن مندوبي الشركة قبل المقاطعة كانوا يأتونه لعرض منتجاتها، إلا أنه منذ زيادة الطلب لم يزره أيًا منهم، فيما لا يعرف كيف يواجه ضغط المستهلكين لشراء المنتجات المصرية، ويعاني نفس الأمر مع منتج "تايجر" إذ كان مندوبي الشركة يأتون إليه قبل المقاطعة بكميات أكبر لانخفاض الطلب على المنتج وقتها.
ولا يعرف "كرم" جيدًا قائمة المقاطعة للمنتجات، لكنه شهد عددًا من زبائنه يتصفحون تطبيقات على الهاتف المحمول تعطيهم الأسماء بالتحديد، ولا ينوي كرم حينما تنفذ منتجات المقاطعة عنده شراء كمية أخرى.
ذهبنا إلى تجار الجُملة وهم الحلقة الثانية بين الشركات وتجار التجزئة.
يقول نصر عادل، تاجر جُملة، إن بعض البقالات والسوبر ماركت لا تشتري منه المنتجات الأجنبية الداعمة للاحتلال لانخفاض الطلب عليها لصالح المنتجات المصرية، مضيفًا: “الشركات المصرية توفر لتجار الجملة كميات قليلة من منتجاتها، ولا حل سوى إرضاء تجار التجزئة بتوزيع كميات قليلة على كل منهم، بدلًا من توزيع كمية كبيرة على تاجر واحد".
ويوضح "عادل" أن استمرار المقاطعة سيدفعه للتوقف عن شراء المنتجات الأجنبية، ويأمل زيادة المعروض من المنتجات المصرية المتوفرة بكميات قليلة الآن.
ويقول صلاح متولي، تاجر جُملة، إن المقاطعة لم تؤثر على تجارته أو تؤدي إلى خسارته، موضحًا أن وزارة التموين تجبر الشركات على استلام مرتجعات المنتجات الموجودة لدى التجار - على حد تعبيره - موضحًا: "هنقدر نستبدل منتجات المقاطعة بزيادة الطلب على المنتجات المصرية".
وعبر "متولي" عن سعادته بانتشار ثقافة المقاطعة، وقال: “سعيد لأن الأجيال الصغيرة هي التي تطلب بشدة المنتجات المصرية"، مفسرًا بذلك سبب رفع الشركات المحلية أسعار منتجاتها بعد المقاطعة.
ماذا عن المستهلكين؟.. تقول شيماء سعد، ربة منزل، إنها لا تواجه مشكلة في شراء منتجات مصرية عليها زيادة بالأسعار، خاصة مع توفر بديل للأجنبي، موضحة: "لا يوجد منتجات مصرية أرخص من المنتجات الأجنبية بل بالعكس هي مساوية لها في السعر”.فيما فوجئ محمود العشري، مدير في مجمع الإيمان، بارتفاع سعر زجاجات "سبيرو سباتس" بعد المقاطعة من خمسة جنيهات للواحدة إلى 15 جنيه، على عكس منتجات أخرى مصرية منافسة ثبتت أسعارها؛ لأنها لم تلق انتشارًا لسوء جودتها، فيما سيستمر في مقاطعة المنتجات الأجنبية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي.
لكن يوسف محمد، 16 عام، ضرب بعرض الحائط كل دعوات المقاطعة وقال بشكل صريح: “لن أقاطع فمنتج مثل سيناكولا جودته سيئة، لازالت أشرب البيبسي، أما سبيرو سباتس فلقيتها أغلى من سعرها العادي”.