تضاعف أسعار "الأسماك" يطردها من وجبات البورسعيدية تدريجيًا

Photographer: مؤمن مسعد - أحد العاملين بمحل أسماك ببورسعيد أثناء عرض السمك الطازج

Written By مؤمن مسعد
2024-03-10 19:26:57

في بورسعيد عادات متأصّلة؛ تمشية البحر، وعزف السمسمية، وأكل الأسماك الطازجة، لطالما رافقت أكلة السمك موائد البورسعيدية وآبائهم وأجدادهم، فالأمر لا يرتبط بمجرد عادة، بل هو تراث يوحد المدينة بغض النظر عن قدرتهم الاقتصادية.

لكن اليوم، وفي ظل الارتفاع المستمر في أسعار الأسماك خلال الشهور الماضية، وبعد تخطي تحرير سعر صرف الدولار ليصل إلى 50 جنيهًا، أصبحت هذه العادة مهددة بالاختفاء من موائد الأسر محدودي الدخل.

يقول محمد الألفي، 45 عامًا، صاحب محل صغير لتصوير المستندات: "أنا رب لأسرة مكونة من ستة أفراد؛ أنا والأم والأربعة أولاد، ولدين في المرحلة الإعدادية وبنت في الابتدائية والأخير حديث الولادة، أقطن في منزل إيجار مفروش في حي شعبي، وزوجتي تعمل بائعة في إحدى الصيدليات، ونتحصل سويًا على راتب يتراوح من 6 إلى 7 آلاف جنيهًا".

 يحكي محمد في حسرة على الماضي: "كل شئ في بلدنا سعره يتزايد وأتوقع أن يرتفع سعر الأسماك مرة أخرى في الفترة المقبلة تحديدًا في محافظة بورسعيد، ويضيف عندما كنت صغيرًا كان البائعين يتخلصون من السمك الفائض والمتبقي من اليوم لرخص سعره وقتها، حيث كانوا يقومون بإلقائه في القنال الداخلي، وكان جميع الأقارب من الصيادين يتهادون الأسماك بين بعضهم البعض لنفس السبب، حتى أنني أتذكر في فترة شبابي كنت أعتاد الإفطار في الصباح بوجبة مكونة من السمك والجرجير".


يتحدث "محمد" عن الأسماك التي كانت أكثر رواجًا في بورسعيد لقلة سعرها، وأصبحت الآن مبالغ في زيادة سعرها دون أسباب منطقية، ويقول: "كان الشبار الأبيض من أرخص أنواع الأسماك في السوق، حيث كان لا يتعدى سعره 30 جنيهًا في العام الماضي، وحاليًا أصبح سعره لا يقل عن 90 جنيهًا".

ينصح محمد باتخاذ موقف ضد البائعين لاستغلالهم حب وتعلق أهل بورسعيد بأكل السمك، ويضيف: "أصبحت أشتري وجبة الأسماك في يوم الجمعة من كل أسبوع، واختار الأقل سعرًا دون التشرط على نوع السمك، عكس ما اعتدنا في صغرنا على أكل السمك طوال أيام الأسبوع".

وفي نفس السياق أشارت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، التي صدرت في أكتوبر الماضي، إلى أن معدل التضخم السنوي في مصر انخفض في سبتمبر ليصل إلى 39.7%، مقابل 40.4% في أغسطس.

وخلال سبتمبر الماضي، سجلت أسعار بعض مكونات سلة الغذاء قفزات كبيرة، مما أدى إلى زيادة وتيرة صعود التضخم على اساس سنوي، حيث ارتفعت أسعار قسم الطعام والمشروبات بنسبة 73.6% وذلك نتيجة لارتفاع أسعار الحبوب والخبز بنسبة 45.8%، وتغير اللحوم والدواجن بنسبة 92.8%، وتغير الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 80.2%، وتغير الألبان والجبن والبيض 70.8%، وتغير الزيوت والدهون 29.4%، وتغير الفاكهة 70.9%، وتغير الخضروات 114.6%، وتغير السكر والأغذية السكرية 46.8%، وتغير البن والشاي والكاكاو 68.7%.

وقد انعكست هذه البيانات في قفزة في أسعار الأسماك الأكثر رواجًا بين الأسر محدودة ومتوسطة الدخل في بورسعيد، حسبما رصدت "البورسعيدية" من خلال مقارنة بين الأسعار الحالية وأسعار العام الماضي، في الفقرة التالية..

فتراوحت أسعار كيلو الشبار الأبيض بين 75 و90 جنيهًا للكيلو الواحد، في حين كان يتراوح سعره في العام الماضي بين 20 و35 جنيهًا، وتراوح أيضًا سعر كيلو الشبار الأخضر بين 120 و150 جنيهًا، في حين كان يتراوح سعره في العام الماضي بين 60 و80 جنيهًا، ووصل سعر كيلو الطوبارة 150 جنيهًا، في حين كان يبلغ سعره في العام الماضي 70 جنيهًا، وسجل سعر كيلو البوري 190 جنيهًا، في حين كان يبلغ سعره في العام الماضي 90 جنيهًا، فيما وصل سعر كيلو السيوف 120 جنيهًا، في حين كان يبلغ سعره في العام الماضي 50 جنيهًا.


وبالعودة لأسر من سكان بورسعيد، يقول "علاء السيد"، 63 عامًا، موظف حكومي على المعاش، و هاوي للصيد : "السبب الرئيسي في ارتفاع سعر الأسماك هو إقبال الناس عليها وشرائها بأي ثمن، لذلك يجب على جميع أهالي بورسعيد المقتدر ماديًا قبل الفقير، الوقوف بحزم أمام جشع التجار وعمل مقاطعة كاملة لكل أنواع السمك، لأن الوضع الحالي يعبر عن حالة من الجشع على حساب المواطن، وأنا عن نفسي مقاطع بقالي أكثر من 6 شهور، وأكتفي فقط بما اصطاده وهو قليل جدًا لأنني هاوي ولارتفاع تكاليف رحلة الصيد أخرج للصيد مرة أسبوعيًا".

وتابع علاء: "الصياد لا يتدخل في تحديد السعر في بيعه لإنتاج صيده ولكن التجار يسعون للربح حتي وإن وصلت أسعار الأسماك إلى أضعاف الثمن، بالإضافة إلى أن معظم بائعي الأسماك ليسوا صيادين ولا يملكون مزارع سمكية وبالتالي يعتمدون على البيع للتجار، الذين أصبحوا يبالغون في تسعير الأسماك بشكل غير منطقي لأن إنفاق التجار في تكلفة النقل من المزارع أو المصايد إلي السوق لا يستحق كل هذه النسبة، لذلك يجب العودة إلي نظام التسعيرة المحددة لسعر الأسماك لمنع التلاعب بالأسعار".

وفي محاولة الحكومة المصرية تخفيف أزمة زيادة أسعار السلع عبر قرار رئيس مجلس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، في 9 أكتوبر الماضي، عن التوصل إلى اتفاق بشأن تخفيض أسعار 7 فئات رئيسية من المنتجات، بنسب تتراوح بين 15 إلى 20%.

كان القرار بأن السلع المشمولة بعملية التخفيض تشمل: "الفول، العدس، منتجات الألبان، المكرونة، السكر، الزيت، والأرز"، فيما أكد أيضًا رئيس الوزراء التوافق مع اتحاد منتجي الدواجن على تخفيض أسعار الدواجن الحية والمجمدة وبيض المائدة، على أن تستمر مبادرة تخفيض الأسعار لمدة 6 أشهر مع إجراء تقييم لها.

بالرغم من هذه المحاولة التي لا تضم الأسماك إليها ضمن السلع المشمولة بقرار التخفيض، إلا أن نسبة التخفيض في أسعار السلع مع الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه المصري، تبتلع أثر التخفيض بالكامل، وانعكست كذلك على جودة السلع، وذلك بحسب حديث ح.ب.

"أنا ربة منزل، أسرتي مكونة من خمسة أفراد؛ أنا والأب والثلاث أولاد، أقطن في منزل إيجار قديم، وزوجي موظف حكومي صباحًا ولديه عمل إضافي ليلًا، ويتحصل شهريًا على 10 آلاف جنيهًا، ولكن بعد الارتفاع الكبير في جميع أسعار السلع الغذائية الأساسية، أصبح الراتب ينفذ بالكامل بعد منتصف الشهر".

هذا كان لسان حال السيدة الخمسينية "ح.ب"، وتُكمل: "بعد ارتفاع أسعار السلع الغذائية تحديدًا شعرت وكأن قيمة راتب زوجي انخفضت إلى نصفه، حتى أننا لجأنا لمقاطعة سلع نهائيًا أو تقليل شراء الأخرى، في البداية تعايشت أسرتي مع الوضع ولكن تدريجيًا أصبح هناك تَلَهُف لأكلات بعينها مثل أكلة السمك الذي أصبح سعرها لتكفي عائلتي أصبحت باهظة جدًا، وإذا اشتريت كيلو واحد فلن يكفيهم، وبحكم العادة نشأنا جميعًا في بورسعيد على عشق أكل الأسماك بمختلف أنواعه".

تقول "ح" أن أسرتها لم تتأثر كثيرًا بعملية تخفيض بعض السلع، وتفسر قائلة:”نسبة التخفيض صغيرة للغاية ولم تؤثر على عملية الشراء، فعلى سبيل المثال أشتري الآن وجبة الأسماك مرتين أو ثلاثة شهريًا، بعد أن أصبح سعر هذه الوجبة المكونة من كيلوجرامان سمك وكيلو أرز وطبق سلطة يصل إلى 400 جنيهًا لتكفي أفراد عائلتي، في حين كنت أشتري الوجبة نفسها حوالي عشرة مرات شهريًا منذ عام ونصف تقريبًا، عندما كان لا يتعدى سعرها 200 جنيهًا".

وتابعت "ح": "أصبح يحل الآن مكان وجبة الأسماك بشكل أساسي وجبة المكرونة بجانب اللحوم المجمدة، والتي يتكلف سعرها الآن حوالي 145 جنيهًا، فهي تتكون من كيلو مكرونة بسعر 25 جنيهًا، ونصف كيلو فراخ بانيه مجمدة بسعر 95 جنيهًا، وكيلو ونصف طماطم بسعر 25 جنيهًا، ووجبات أخرى أيضًا أقل سعرًا وتفتقد للبروتين في أغلب الأحيان مثل: البقوليات والكشري والبطاطس".

كان الحديث مع "محمد" و "علاء" و"ح"، متشابهًا تقريبًا مع أسر أخرى، حيث أجمع غالبية الأسر من محدودي الدخل على عدم قدرتهم على شراء الأسماك مثلما اعتادوا سابقًا، في إشارة منهم إلى "الخوف" من زيادات متلاحقة لا توازيها دخولهم الشهرية.

Photographer: مؤمن مسعد - عدد من محال الأسماك ببورسعيد