الصيادون الهواة في بورسعيد.. مصايد مغلقة وتصاريح باهظة التكلفة

Photographer: مؤمن مسعد - عدد من الصيادين الهواة يمارسون هوايتهم ببورسعيد

Written By مؤمن مسعد
2023-12-18 00:00:00

بين أهل بورسعيد والصيد حكايات تتناقلها الأجيال منذ أكثر من قرن ونصف، لا يعتبرها أهالي المدينة الساحلية مهنة فقط، بل هواية أيضًا، ولا يحتاج ممارسها سوى سنارة ومكان يسمح له بالصيد، وهو ما لم يعد متاحًا منذ أربعين عامًا.

ولأعوام كثيرة كان ما يسميه البورسعيدية بـ"صيد الهواة" معروفًا، فيمكنك من خلاله الابتعاد قليلًا عن ضغوط الحياة وقسوتها، بضعة ساعات تكفيك في وقت الفراغ، لكن الهواية صارت مهددة بعوائق وقيود تمنع ممارستها.

وفي عام 1983 فر ضت هيئة الثروة السمكية بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، شرط استخراج ترخيص هواة صيد الأسماك بالسنارة لأي شخص يقوم بالصيد سواء من خلال مركب للنزهة أو بالوقوف على شاطئ البحر، وهو ترخيص يحمل اسم "صيد الهواة" ويتم الحصول عليه مقابل رسوم وصلت حينها إلى عشرة جنيهات، وفي يناير الماضي فوجئ الهواة بوصول سعر الرسوم إلى 217 جنيه.

ممارسة صيد الهواة بأحد مناطق بورسعيد

كما فُرضت إجراءات أخرى، مثل: "التقدم بطلب إلى أقرب مكتب مصايد تابع له من يريد الحصول على تصريح، ولا بد أن يكون الطلب مدموغًا، وصورة ضوئية من البطاقة الشخصية، على أن يقدم مع الطلب عدد 2 صورة فوتوغرافية شخصية لطالب الترخيص، وصورة ضوئية من إيصال دفع الرسوم المقررة خلال العام"، مع العلم أنه يحق لحرس الحدود منع هواة الصيد بالسنارة في حال عدم وجود التصاريح اللازمة من الصيد بالمياه البحرية، بجانب مصادرة أدوات الصيد.

"لماذا كل هذا التعنت تجاه هواة الصيد.. لم أتأثر بزيادة رسوم التصريح، بقدر إجراءاته التي تستغرق وقتًا طويلًا، لدرجة أن أغلب أماكن الصيد داخل المدينة صارت مُغلقة أمام الجميع"، كان هذا لسان حال، أحمد سعد، الموظف في محكمة بورسعيد الابتدائية، والهاوي للصيد.



ويضيف "سعد"، بأن الكثير من محبي الصيد أصبحوا على وشك نسيان الهواية، و بدأ عدد لا بأس به منهم في بيع أدوات الصيد الخاصة بهم، نتيجة للتحديات التي يتعرضون لها مؤخرًا، وأبرزها غلق معظم المصايد في بورسعيد لأسباب غير معلنة، وصعوبة استخراج الترخيص حتى بعد استيفاء جميع الأوراق المطلوبة.

ويواصل: "في إحدى المرات اصطحبت زوجتي وأولادي لقضاء وقت مع أسرتي، وممارسة هواية الصيد سويًا، وذهبت إلى مكان خالي من الناس على الشاطئ، ثم فوجئت بمجموعة من العساكر  تمنعني بعنف شديد وتطلب مني مغادرة المكان، وهنا تمنيت أن يكون هناك قدر بسيط من التفهم، فأنا مع أسرتي ولا افتعل المشاكل أو أضايق أحدًا ما بفعلي، وفي النهاية الصياد ماسك سنارة مش مسدس". 

وهيئة الثروة السمكية بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، هي الجهة المنوط بها إصدار تصاريح للصيد لمن يتقدم سواء للصيادين أو الهواة، ووفقًا للمادة رقم 24 من القانون رقم 146 لسنة 2021، في شأن حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية، فقد: "حظرت ممارسة مهنة الصيد دون الحصول على ترخيص، وبدون هذا الترخيص يُعرض المواطن نفسه لعقوبات قانونية، تصل إلى الحبس مدة لا تزيد عن سنة، وغرامة لا تزيد عن 50 ألف جنيه، أو إحدى هاتين العقوبتين".

وبعض الصيادين الهواة يتخذون منها مصدرًا لدخل بسيط، لكنهم أيضًا حصلوا على نصيبهم من الأزمات الاقتصادية التي يعيشها المواطن المصري حاليًا، مما أثر على عملهم وأيضًا على محلات بيع أدوات الصيد.

يقول حسين أحمد، من الصيادين الهواة: "في ظّل قسوة الوضع الاقتصادي بالنسبة للأسرة المصرية، أصبح أمل معظم الصيادين الهواة في بورسعيد الرجوع من رحلتهم بوجبة سمك تخفف عن كاهلهم مصاريف وجبة الغداء، أو بيع السمك للمطاعم والحصول على مبلغ رمزي يساعد على المعيشة".

صياد هاوي ببورسعد

ويضيف: "كل المصايد أصبحت مُغلقة، وحتى الشواطئ ممنوعة، لماذا أكون موظف حكومي، وأتعرض إلى وصف مخالف للقانون، لذلك أناشد رجال الجيش من حرس الحدود وجميع المسئولين الشرفاء لتسهيل تصريح صيد السنارة، ولو كان هناك مشكلة يتم معاقبة الفاعل وليس الجميع عن طريق غلق المكان بالكامل، أرجو أن تضعوا في اعتباركم ظروف الناس وضغوط الحياة"، موضحًا: "احنا بنتفك في الرياضة دي وفي منا يعتبرها أكل عيشه وميعرفش غيرها".

وأصاب الكساد التجاري محلات بيع أدوات الصيد، إذ يواجه أصحابها العديد من المشكلات التي تهدد وجودهم في المهنة التي يعتمدون في دخلهم عليها، في ظل هبوط سعر الجنيه أمام الدولار، وتأثيره على ارتفاع أسعار الأدوات.

يصف محمد شاكر، صاحب محل بحي الزهور، الوضع الحالي بوقف الحال، قائلًا: "وقفت بيع عدة الصيد والسنانير، لأن البضاعة كل ساعة سعرها بيتغير، وصاحب المحل هو الذي يتحمل الفرق من جيبه، في خلال شهرين فقط ارتفع سعر بعض الأدوات بنسبة تصل إلى 50%، فعلى سبيل المثال علبة سنون السنارة كانت بـ25 جنيه من شهرين فقط والآن أصبحت بـ65 جنيه”.

ويقول محمد علي الوشاحي، صاحب محل أدوات صيد بحي العرب، "نسبة ربح المحل انخفضت بنسبة 80%، وأصبح غالبية الزبائن يترددون من أجل بيع الأدوات وليس شرائها، لا أريد أن أتحدث عن غلاء سعر الأدوات لأنه ليس السبب الرئيسي، ولكن هناك أيضًا سبب وهو عدم وضع الدولة متمثلة في الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية قوانين صارمة تجاه مشكلة صيد "الزريعة" إذا لم يكن لها مصالح شخصية معهم، وهم الأشخاص الذين يقومون بصيد الأسماك قبل اكتمال مراحل نموها مما يؤدي إلى خفض كميتها أثناء الصيد، فهم أكبر كابوس للصيادين".

أحد الصيادين الهواة يستعرض سمكة اصطادها

وهو ما يؤكد عليه "سعد"، الموظف، ويقول: "من أكبر المشكلات التي تواجهنا "الزريعة" وفعلهم مجرم قانونًا، وعلى حسب معلومات متداولة بدأ يصدر لهم تصاريح يصل ثمنها إلى 40 ألف جنيه، وهي المشكلة التي تؤثر على الثروة السمكية والصيادين، لماذا يجرم القانون فقط الصياد الغلبان الذي لا يملك سوى سنارته، ويترك صيادي الزريعة؟".

وتابع: "من أكبر المصايد التي تم غلقها حاليًا هي بحيرة المنزلة بعد استئجارها، وهو يعد وقف حال لعدد كبير من الصيادين؛ بالرغم من أن البحيرة ملكًا للدولة ولا يجوز استئجارها، والرئيس الحالي أوصى بذلك في زيارته لبورسعيد سابقًا، ولكن الثروة السمكية لها رأى آخر وهو تنمية الاستزراع السمكي مع الاستفادة بنسبة 3%".

وبحيرة المنزلة يطل على ضفافها أربع محافظات: "الدقهلية، بورسعيد، دمياط، والشرقية"، وهي أكبر وأهم البحيرات الطبيعية فى مصر وكان اسمها قديمًا "بحيرة تنيس"، وسُميت بالمنزلة لقربها من مدينة المنزلة بالدقهلية، وكانت معروفة بخصوبتها، إذ يتوفر لها أهم مقومات الثروة السمكية، والتي تعد مصدر الرزق الوحيد لعشرات الآلاف من الصيادين البسطاء.

وتحققت "البورسعيدية" من معلومة استئجار بحيرة المنزلة، وحصلت من مصدر خاص على عقد شركة باسم "شركة حسن إبراهيم إبراهيم العفيفي وشريكه"، والسمة التجارية: "بورسعيد للاستزراع السمكي.. شركة توصية بسيطة"؛ بغرض إنشاء مشروع استثماري لتشغيل وإقامة مزارع سمكية ببحيرة المنزلة، وذلك بترخيص من حكومة جمهورية مصر العربية.

 وهذا الأمر يتباين مع توصية الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال حديثه على هامش افتتاح عدد من المشروعات القومية بشرق بورسعيد، في يناير 2021.

وفي تصريحات نقلها موقع "اليوم السابع"، قال السيسي: "بحيرة المنزلة عانت من غياب رقابة الدولة فى السنوات الماضية، حيث كانت الداخلية لها حملات خلال السنين الماضية على مدار 20 عام، ضد أوكار وغيره من هذا القبيل، ماحدش تصدى لهذا وتركوها حتى أصبحت عشش وناس خارجة عن القانون".

صورة ضوئية حصلت عليها البورسعيدية

وأضاف السيسي: "الدولة بذلت جهد كبير لمواطنيها لتحسن من حياتهم، وتطلع سمك ممكن يبقى صحي للناس، احنا شلنا متوسط من متر لمتر ونص، علشان كتلة من قاع البحيرة اللى كان فيه مخلفات صعبة تتشال، عشان درجة جودة المياه، لكي تبقى البحيرة المقامة على 250 ألف فدان تنتج 70 ألف أو 80 ألف طن سمك أو أكثر، لابد بعد اللى إحنا عملناه يبقى فيه سيطرة كاملة على الإجراءات داخل البحيرة، ونساعد الصيادين ونعلمهم ونحسن من حياتهم، لكن نقول تانى أحواض في البحيرة ده كلام مش صح".

Photographer: مؤمن مسعد - صيادون ببورسعيد يمارسون هوايتهم