على جانبي الطريق في حارة العطارين بمحافظة المنيا، تصطف محال العطارة التي تفوح منها روائح التوابل والقرفة والقرنفل، بينما تتدلى أكياس الياميش والمكسرات على أبوابها. يمرّ الزبائن والسكان المحليون في مشهد مألوف، تتعالى أصوات المساومات على أمل شراء احتياجات رمضان بأرخص سعر.
يُعد شارع العطارين أحد أقدم الشوارع التراثية إذ لا يزال يحتفظ بكل معالمه الأصلية، ورغم أنه يتفرع من سوق الحبشي في محافظة المنيا، إلا أنك بمجرد أن تخطو داخله، تشعر وكأنك انتقلت إلى خان الخليلي في قلب القاهرة، حيث تمتزج الأجواء التراثية بالزخم التجاري، لا سيما خلال موسم سلع رمضان.
وفي شهر رمضان، يتحول الشارع إلى واجهة رئيسية لأهالي المحافظة، حيث يتوافدون من مختلف المراكز لشراء مستلزمات العطارة والياميش، إذ يحتضن الشارع بين جنباته أقدم تجار العطارة في المنيا، الذين أصبحوا مقصدًا أساسيًا للباحثين عن أجود أنواع التوابل والمكسرات.
حارة العطارين
يقول مصطفى جابر، أحد تجار العطارة في الشارع: "أعمل في تجارة العطارة منذ أكثر من 20 عامًا، لكن الموسم الأكثر إقبالًا هو شهر رمضان بسبب شراء السكان للياميش والتوابل، إذ إن حارتنا مقصد لكل أهالي مراكز المنيا".
تراجعت مبيعات مصطفى خلال هذا العام نتيجة ضيق الحال: "الشخص اللي كان يشتري بـ1000 جنيه أصبح يشتري بـ500 أو 700 جنيه فقط".
أما عن حركة المبيعات، يوضح: "العام الماضي شهدت الأسعار هذا العام ارتفاعًا كبيرًا، أما هذا العام فلم تكن هناك زيادة كبيرة، لذا شهدت حارتنا إقبالًا من المواطنين من مختلف مراكز المحافظة، سواء قبل رمضان أو خلاله، لشراء مستلزمات الشهر الكريم من التوابل والياميش".
منهم شيرين عبدالفتاح، معلمة من مركز مطاي بمحافظة المنيا، اعتادت على شراء مستلزمات رمضان من حارة العطارين كل عام، تحكي: "منذ طفولتي، كنت أرافق والدي إلى شارع العطارين لشراء الياميش والتوابل في شهر رمضان، وبعد زواجي، أصبحت هذه العادة جزءًا من طقوسي السنوية، فلا يكتمل استقبال الشهر الكريم دون زيارة هذا الشارع".
وتوضح شيرين ما يميز شارع العطارين عن الأسواق الأخرى في مركزها، قائلة: "هنا أجد أجود أنواع التوابل والياميش، والأسعار تكاد تكون مماثلة لتلك الموجودة في أسواق مطاي، لكن الجودة في شارع العطارين هي التي تدفعني دائمًا للشراء منه".
يشبه شارع العطارين خلية النحل بسبب الحركة والنشاط التي تدب فيها خلال شهر رمضان، فلا يقتصر الزبائن على سكان مدينة المنيا فقط، بل يتوافد إليه الأهالي من مختلف مراكز المحافظة، من مطاي وأبو قرقاص وملوي وديرمواس وسمالوط والعدوة ومغاغة وبني مزار، وكل منهم يحمل في ذهنه قائمة بما يحتاجه استعدادًا لاستقبال رمضان.
نفحات رمضان
وصل عبدالله عصام، رب أسرة من مركز مغاغة، إلى شارع العطارين حاملًا قائمة مستلزمات أسرته، إذ اعتاد على شراء احتياجات رمضان منه كل عام. يقول: "الأسعار هنا أقل مقارنة بالأسواق في مغاغة"، مشيرًا إلى أن جودة الياميش والتوابل في شارع العطارين تفوق تلك المتوفرة في مركزه.
أما عن الأسعار هذا العام، يوضح عبدالله: "السنة دي الأسعار معقولة جدًا مقارنة بالسنة اللي فاتت، وأنا وضعت ميزانية 1500 جنيه لشراء الياميش والتوابل، والحمد لله الميزانية كفت واشتريت كل اللي كنت محتاجه".
يؤكد على حديثه محمد علي، أحد تجار حارة العطارين، بأن هذا العام شهد ارتفاعًا في الأسعار: "فيه زيادة حصلت بنسبة تتراوح بين 15% و30% حسب كل صنف".
ويضيف: "الزيادة بسبب استيراد أغلب أنواع الياميش رغم أنه متوفر لكن الأصناف تأتي من الخارج، لذلك يشتري الزبائن هذا العام بكميات أقل للتوفير حتى لا تضيع ميزانية المنزل على الياميش ومستلزمات شهر رمضان فقط".
ويرجع الإقبال الكبير من المواطنين من المراكز البعيدة إلى جودة المنتجات المتوفرة في الشارع، قائلًا: "الشارع مليء بأجود أنواع التوابل والعطارة، لذا يأتي الناس من مختلف المراكز لشراء احتياجاتهم".
وعن الأجواء في الشارع خلال شهر رمضان، يصف المشهد: "أنا هنا منذ 25 عامًا أعمل في العطارة ولا أرى هذا الإقبال سوى في شهر رمضان لأن الزبائن يأتون من كل مكان بالمنيا ولا نجد موطأ قدم في السوق وقتها".
بينما قلل وليد خضر، أحد زبائن حارة العطارين، من كميات الياميش التي اعتاد على شرائها، بسبب ارتفاع الأسعار عن العام الماضي: "التين المجفف وصل سعره إلى 550 جنيهًا للكيلو، بينما كان العام الماضي بـ350 جنيهًا، وكنا حينها نشكو من غلاء الأسعار".
ويضيف وليد أنه يفضل شراء الياميش والتوابل من شارع العطارين لأنه يجد هناك كل ما يحتاجه، موضحًا: "في مركز أبو قرقاص قد لا أجد عند التجار جميع الأصناف التي أبحث عنها، لكن هنا في شارع العطارين، كل شيء متوفر".
على إيقاع حركة البيع والشراء التي لا تهدأ خلال شهر رمضان في شارع العطارين، يظل هذا المكان مقصدًا لأهالي المنيا، حتى وأن هدأت الحركة قليل تبقى رائحة التوابل والياميش تملأ الأجواء وتختزن حكايات لا تنتهي عن رمضان.