في يوم من الأيام وجدت نفسي وسط نيران، أضأتُ المكان باللون الأحمر، صرخت وأخذت أنادي: "انقذوني، هل يوجد أحدٌ هنا؟ أرجوكم ساعدوني!".
فجأة، رأيتُ نور أبيض يظهر من بعيد بقوة، تملكّني الذهول، لكني بدأت السير تجاهه، وفي رأسي أتساءل: "ما هذا الضوء؟ ولماذا لا أشعر بالنيران؟، لماذا تزداد قوة إضاءته؟".
وفجأة، فتحت عيني لاستيقظ من هذا الكابوس، وجدت نفسي نائمة على سريري، وبجانبي أختي "ياسمين" في السرير المقابل، نهضت من السرير وشربت كوبًا من الماء، أخذت أنظر لنفسي في المرآة، وأقول "لماذا أشعر بإحساس غريب؟، وكأن شيئًا ما سيحدث".
أنا يافا، الفتاة الفلسطينية، التي لا تخاف من شيء، كما ربّاني أبي، ومنذ ولادتي رأيت الاحتلال القابع على أرضنا بالقوة، ويوميًا أحاول النجاة منه، فكيف لي أن أخاف من كابوس؟
ذهبت لإلقاء التحية على أبي وأمي، بعدها قمت بمساعدة أمي في تحضير الفطور، وبعد تناوله اتجهت إلى غرفتي، وبدأت في قراءة كتاب يسرد قصة استقرار معظم الدول وعيش سكانها في سلام، بينما نحن، نُقتل كل يوم، نظرت إلى الحديقة الخاصة بنا، فوجدت جيراننا الذين يسكنون في المنزل المجاور، يحملون حقائب، يبدو منها أنهم سيرحلون عن منزلهم، رأيت أبي يتقدم من بوابة منزلهم ثم تحدث إليهم قليلًا، وعاد في اتجاه منزلنا، ورأيت على وجهه أمارات العبوس والإحباط.
استقبلته على الباب، وسألته :"ماذا بك يا أبي؟ لِم يملأ العبوس والإحباط عينيك ووجهك؟"، وبدون مقدمات، قال لي: "يجب أن نرحل من بيتنا هذا يا يافا"، فسألته في دهشة: "لماذا؟".
فأجابني: "الإسرائيليون سيقصفون المنطقة". قلت له " كيف؟، تساقطت دموعي وأنا أقول: "لا يجب أن نخرج من منزلنا".
وضع أبي يده على كتفي في دعوة لكي أهدأ، وقال "سيقصفون المنطقة، أخطروا الجميع بضرورة الخروج من المنازل، هيا احضري أغراضك".
ذهبت لكي أُحضر أغراضي وبداخلي حزن كبير "كيف لهم أن يتجرأوا؟ كيف يصبح خيارنا إما الموت تحت القصف أو ترك أرضنا ومنزلنا؟".
عيناي مليئة بالدموع، أنظر إلى منزلنا لآخر مرة، وأمي تبكي بجانبي وأخوتي يبكون، وبعدها توجهنا إلى ملجأ للأيتام، لكي نعيش به، ونحن لا نعلم مصيرنا، استقبلنا الجميع بترحاب، ورأيت في أعينهم الخوف وعدم الطمأنينة، ليس منّا، بل من الاحتلال.
نمت دون أن أشعر، وفجأة سمعت صوت صراخٍ عالٍ، أيقظني أبي وصاح فيّ: "هيا سيقصفون هذا المكان أيضًا"، وفي تلك اللحظة لم أرْ سوى الكابوس، ذاك الذي حلمت به أمس. إنه يتحقق الآن، وفي لحظة تدارك مع هرولة الجميع للهرب، أنني وأبي وأمي بلا أخوتنا، لا أراهم.
تركني أبي مع أمي، وذهب لكي يبحث عن أخوتي، فقلت لها: "أمي أرجوكِ دعينا نخرج من هذا المكان وأبي سيلحقنا".
فقالت لي: "لن أخرج دون والدك وأخواتك"، ظللت أنظر للسماء وأنا أنتظر صوت الانفجار، حتى رأيت أبي يركض نحونا دون أخوتي.
ركضنا للخارج، وأثناء لهثنا، رأيت أخوتي، وسط كل هذا المشهد المرعب، يلعبون ويضحكون على مسافة بعيدة، وفجأة انطلق أول صاروخ، ليستقر فوقهم، لم أصدر صوتًا، وبداخلي كنت أصرخ "لا لا، كيف؟ متى؟ لماذا؟".
صرخت أمي، وأبي رغم فزعه البادي على وجهه، إلا أنه قال "ليس هنالك وقت"، وحملنا ووضعنا بالسيارة وتحرك بها بأقصى سرعة نحو الجنوب، أقول "أخوتي هل أنا في كابوس!!"، وأمي تصرخ وتبكي بصوت مرتفع، أما أبي فتتساقط دموعه في صمت.
وبعد ١٢ ساعة، كنا قد وصلنا على حدود مصر، لم أشعر بنفسي ونمت، وعندما استيقظت وجدت نفسي في بيت شخص ما على سرير.
بدأت أردد " هذا كابوس، أين ياسمين ويس، لا، أرجوكم".
بدأت في البكاء، وجاء أبي وأمي، نظرت لهم، وبدأت أقول:"هذا كابوس، أين يس؟ أين ياسمين؟ احتضنني أمي وأبي، وقالوا لي: "ليس حلم، إنها الحقيقة يا يافا".
لم يبقْ معي من فلسطين سوى قلب تركته مع أخوتي، وكتاب يجعلني أتساءل كل يوم: أين السلام؟؟