خطة تطوير التعليم.. نتائج عكسية تعصف بالطالب والمعلم

تصميم باسم حنيجل

Written By أمنية حسن
2024-12-02 11:10:58

تواجه "ب ح"، طالبة بالصف الثالث الثانوي، أزمة نقص المعلمين، التي بدأت منذ التحاقها بالمرحلة الثانوية، بمدرسة عوض السيد الثانوية بنات بمركز مدينة أسوان، حيث بدأت المشكلة منذ 2022، بمادة الفيزياء للصف الأول الثانوي، التي ظلت بلا معلم، لأكثر من شهر ونصف، بسبب نقص المعلمين، وتوضح "ب ح" أن المدرسة كانت تضم اثنين من المعلمين فقط يتولوا تدريس المراحل الدراسية الثلاثة، فيما كان عدد فصول الصف الأول 6 فصول. 

رغم محاولة المدرسة حل الأزمة من خلال تعيين معلم جديد، إلا أن "ب ح" أكدت أن الوقت الضائع أثر على تدريس المنهج حسب الخطة المقررة، مما اضطر المعلم إلى تدريسها سريعًا لتغطية المنهج قبل نهاية الفصل الدراسي، ما أرغم الطالبة على الاعتماد على الدروس الخصوصية، لتعويض فجوة عدم وجود معلم، لكن الوضع كان أكثر ضررًا على زملائها ممن لم يتلقوا درسًا خصوصيًا بالمادة.

عامان مرا ولاتزال الأزمة مستمرة، باعتراف وزارتين في حكومة مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، ففي 11 نوفمبر 2024، أصدرت وزارة الشئون النيابية بيانًا، حول نتاج جلسة مجلس الشيوخ، التي نوقشت فيها إجراءات وزارة التربية والتعليم لحل أزمة نقص المعلمين.

معلم بالحصة

وأشار البيان إلى أن وزارة التربية والتعليم، قامت بعدة إجراءات لمواجهة هذا العجز، بإطلاق مسابقة لتعيين 30 ألف معلم سنويًا، يجري فيها تعيين المعلم لفترة عامين، وإتاحة الفرصة لمعلمي الفصل لتدريس المواد الأساسية، مع تقنين أوضاع اختصاصي التعليم، وتشغيل 50 ألف معلم بنظام الحصة، ليحصل كل منهم على مقابل مادي بلغ  50 جنيهًا للحصة الواحدة، إلى جانب الاستعانة بالخريجين المكلفين بأداء الخدمة العامة بدون مقابل مادي، لسد العجز في أعداد المعلمين ، التي بلغت حسب تصريح وزير التربية والتعليم حينها 469,860 ألف.

نقص أعداد المعلمين، أدى لتقليص أعداد الحصص في بعض المواد، مثل مادة الإحصاء التي أُدرجت هذا العام للصف الثالث الثانوي، حيث لا تحصل "ب.ح" إلا على حصة واحدة أسبوعياً بنظام المحاضرات لمدة ساعتين، بدلاً من حصتين، لعدم وجود عدد كافي لمعلمي المادة بحسب ما قاله معلم المادة لتلاميذ فصل بسملة. (الفقرة دي مش مفهومة ومحتاجة إعادة صياغة).

تراجع 

 وهو ما يتوافق مع بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لأعداد المعلمين، والتي شهدت تراجعًا ملحوظًا في محافظة أسوان بقدر 642 مدرسًا من إجمالي 17,099 مدرسًا لعام 2023، مقارنة بـ16,457 مدرسًا في عام 2022، وفي ظل استمرار الأزمة، جاء قرار إلغاء بعض المواد مثل الألماني وعلم النفس حلًا لمشكلة نقص المعلمين التي كانت تعاني منها، لكن في النهاية يقع الاعتماد الأول على الدروس الخصوصية كخيار لضمان التحصيل الدراسي.

الأزمة طالت المدارس الأزهرية أيضًا، والتي تتبع الأزهر الشريف من حيث الإشراف والمناهج الدراسية، كمؤسسة دينية مستقلة عن وزارة التربية والتعليم، فنقص المعلمين أجبر"كريمة جمال"، اسم مستعار، على زيادة نصيبها من الحصص الأسبوعية لمادة اللغة الإنجليزية التي تقدمها بمدرسة إعدادية أزهرية بأسوان، لتصل إلى 18 حصة أسبوعيًا بدلًا من 12 فقط.

ورغم ذلك، تؤكد كريمة، أن مادتها تعتبر الأقل تأثرًا بالأزمة، مُقارنة بمواد تشهد عجزًا أكبر، مثل الرياضيات والعربية والتي أجبر معلميها بالمدرسة على تدريس عدد أكبر  من الحصص أسبوعيًا. 

التعليم الأزهري

"نقص المعلمين في المدارس الأزهرية أصبح أكثر تعقيدًا، لعدم وجود تعيينات جديدة منذ سنوات".. هكذا علقت "كريمة"، لتتبعها بضيق قائلة "الحلول المطروحة اقتصرت بشكل كبير على تحميل المعلمين حصصًا إضافية دون أي تعويض مادي".

وأمام تحميل المعلمين الأزهريين عدد أكبر من الحصص دون مقابل، أعلنت إدارة التعليم بالأزهر، في نوفمبر 2024، حاجتها للاستعانة بمعلمين بنظام العمل بالحصة، للعام الدراسي 2024/2025، في جميع المحافظات، وأوضح البيان الذي اطّلعت عليه عين الأسواني، أن أسوان تحتاج لـ308 من المعلمين في مختلف التخصصات بالتعليم الأزهري.

وتُظهر بيانات الإحصاء، خللًا في أعداد المعلمين والطلاب بالتعليم الأزهري، فعدد طلاب مدارس الأزهر في أسوان بالمراحل الدراسية المختلفة بلغ 360,39 ألف طالب وطالبة لعام 2022/2023، بزيادة واضحة عن عام 2021/2022، بعدد 30,149 طالب وطالبة، لكن هذا الارتفاع في عدد الطلاب صاحبه انخفاض في أعداد المعلمين خلال العامين من 2683 لـ2371 معلم.

هذا الخلل، واجهته إدارة التعليم الأزهري، وفقًا لـ"كريمة"، باللجوء لدمج عدد من الفصول الدراسية في فصل واحد، كمحاولة لسد عجز المعلمين، ما أدى لزيادة كثافة الطلاب داخل الفصول.

جودة التعليم

وهو ما أكدته بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2022/2023، و2021/2022، فبالرغم من زيادة عدد المدارس في محافظة أسوان، بقدر 22 مدرسة لعام 2023 بواقع 1360 مدرسة، مقارنة بـ1338 مدرسة للعام 2022، إلا أن البيانات أكدت انخفاض أعداد الفصول الدراسية بواقع 76 فصلًا، حيث سجلت أعداد الفصول عام 2023 إلى 9021 مقارنة بـ2097 لعام 2022.

وبرصد تصريحات وزير التربية والتعليم في 2024، جاءت "جودة التعليم" كأهم عناوين خطته لتطوير العملية التعليمية، من خلال عدد من الإجراءات، جاءت على أرض الواقع بدمج فصول وزيادة نصاب المعلم من الحصص.

وعلى أرض الواقع، فنتيجة تطبيق خطة "تطوير التعليم" سعيًا للجودة، أثرت بالسلب على "كريمة"، حيث تقول :"وصل عدد الطلاب في الفصل الواحد إلى 55 طالبًا، هذا الوضع جعل تنقل المعلم بحرية في الفصل لشرح الدرس أمرًا مستحيلًا، فالمقاعد الطلابية قاربت على الوصول إلى المكان الذي أقف فيه على السبورة، كما يصعب على الطلاب التفاعل أو طرح الأسئلة في ظل هذا العدد الضخم، مما يؤثر سلبًا على استيعاب الدرس".

تضمنت خطة التطوير أيضًا عدة إجراءات، ومنها الاختبارات الشهرية والتقييمات الأسبوعية، ووفقًا لـ"هناء أحمد"، والدة اثنين من التلاميذ في المرحلة الإعدادية والثانوية، فأبناؤها يعانون بسبب نقص المعلمين، فالعديد من المدارس قد توفر معلم للمادة بعد بداية العام الدراسي بأسابيع، ما يساهم في تقليص الوقت المخصص لتدريس المنهج، وهذا لا يتزامن مع تأجيل الاختبارات الشهرية؛ فتكون عملية شرح المادة بطريقة مكثفة مما يؤثر على استيعاب الطلاب للمنهج.

دروس خصوصية

ورغم أن وزارة التربية والتعليم، استهدفت الحد من الدروس الخصوصية، إلا أن طريقة مواجهة أزمة نقص المعلمين، دفعت أولياء أمور للاعتماد بشكل أساسي على الدروس الخصوصية، وفقًا لـ"هناء" التي توضح قائلة: "في المدارس يجب على المعلم إتمام المادة قبل نهاية الفصل الدراسي، حتى وإن بدأ متأخرًا، بسبب عدم وجود معلم للمادة، لذلك اعتمد على الدروس الخصوصية بشكل أساسي، والمشكلة ليست منحصرة في مدرسة أبنائي فقط، بل هي مشكلة عامة، لذا فالدروس الخصوصية هي الحل الأمثل، خاصة في المواد التي يعتبرها أبنائي صعبة مثل الرياضيات واللغات، لتعويض ما تفقده المدارس الرسمية من اهتمام بمتطلبات الطلاب التعليمية".

تروي مروة عبدالله -اسم مستعار- مدرسة رياضيات، التي وجدت طريقها في العمل بمدرسة خاصة بعد محاولات متعددة بالعمل في المدارس الحكومية، فتروي تجربتها في مجال التعليم منذ تخرجها عام 2020، موضحة: "قررت في البداية المشاركة في مسابقة التطوع في مدرسة تجريبي، ووفقًا للنظام المقرر لا يحق لي الحصول على عائد مادي خلال عملي، لكن قررت التطوع على أمل أن يساعد ذلك في قبولي في مسابقة الحصة التي يُقال إنها تفتح باب التوظيف بعد فترة من التطوع".

خارج التخصص

ومن خلال تجربتها أكدت "مروة"،  أن عجز المعلمين أجبرهم على تدريس مواد لا تقع ضمن تخصصهم، ما نتج عنه مشكلات بجودة التعليم المقدم للطلاب، توضح قائلة "قام معلم الدراسات الاجتماعية بتدريس مادة الرياضيات للصفوف الابتدائية الأولى، ما أدى إلى وجود أخطاء في الحل خاصة مع تعديل المناهج التي تتطلب أسلوبًا جديدًا للشرح".

خلال فترة تطوعها لمدة فصل دراسي، قامت مروة بتدريس 15 حصة أسبوعيًا في مدرسة ابتدائية تضم حوالي 27 فصلًا، حيث كانت تعمل مع 9 معلمين آخرين في نفس المادة. لاحقًا، وفي الفصل الدراسي الثاني التحقت بمسابقة العمل بالحصة، حيث درّست لـ18 فصلًا يضم كل منها حوالي 50 طالبًا، بالتعاون مع مُعلميْن آخرين، ورغم الجهد الكبير، لم يتجاوز أجر الفصل الدراسي كله حوالي 2150 جنيهًا فقط.

وهو ما يخالف قرار رئيس مجلس الوزارة الصادر في 3 مارس وقرار المجلس القومي للأجور رقم 27 لسنة 2024، بتقرير الحد الأدنى للأجور للموظفين والعاملين لدى أجهزة الدولة، والذي فرض دخوله حيز التنفيذ منذ مايو الماضي.

من ناحية أخرى، أظهرت تقارير الموازنة العامة للعام المالي 2023/ 2024 أن إجمالي مخصصات التعليم بلغت نحو 229 مليار و891 مليون جنيهًا، وهو ما يُمثّل حوالي 2.35% من الناتج المحلي البالغ 9.8 تريليون جنيه لعام 2022/ 2023، وهو أقل ما نصه دستور 2014، الذي أقر على إلتزام الدولة بتخصيص 4% من الناتج المحلي للإنفاق على التعليم.

مخصصات التعليم

ورغم أن الدولة رفعت حجم مخصصات التعليم في الموازنة الجديدة للعام المالي 2024/2025 إلي 294 مليار جنيه، إلا أن الناتج المحلي للعام الحالي لم يتحدد بعد، لكن وفقًا لبيان وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي في أكتوبر 2024، عن نتائج الأداء الاقتصادي خلال الربع الأخير من العام الـمالي 23/2024، حيث سجل معدل النمو الحقيقي للناتج  المحلي الإجمالي، تراجعًا إلى 2.4% ليصل معدل النمو السنوي إلى 2,4%.

وأمام أزمة نقص المعلمين وانتهاء تجربة تطوع "مروة"، حاولت معلمة الرياضيات التقديم لمسابقة 30 ألف معلم، لكنها لم تحظ بالقبول، رغم عدم معرفتها سبب الرفض.

لذا قررت العمل في المدارس الخاصة، التي لا تواجه أزمة نقص في المعلمين، لكن الميزة الأكبر في المدارس الخاصة أنها تقوم بتوظيف وفقًا لآلية العرض والطلب وبشكل أسرع، ما يضمن عمل مروة سريعًا، لكنها مع ذلك تقدم أجورًا منخفضة ولا تضمن التثبيت الوظيفي أو أي حقوق وظيفية، وبحسب "مروة" فإن النتيجة واحدة في كلا الحالتين.