في بداية يناير المقبل، من المفترض أن يدخل قرار المجلس القومي للأجور في اجتماعه الأخير أكتوبر الماضي حيز التنفيذ.
يرفع القرار الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص إلى 3500 جنيه بدلاً من 3000 جنيه، والعلاوة الدورية السنوية -بما لا يقل عن 3 % من أجر الإشتراك التأميني- إلى 200 جنيه بدلاً من 100 جنيه كحدِ أدنى، على أن تُطبق تلك القرارات من يناير، وذلك دون استثناءات.
زيادة لا تعبر عن الزيادات التي شهدتها كل السلع والخدمات التي يحتاجها المواطنون في مصر في السنوات الأخيرة، إلا أنه بالنظر إلى سوق العمل والوظائف في القطاع الخاص في أسوان، حتى هذا الحد الأدنى لا يتم تحقيقه.
تخرجت فاطمة خيري، 25 عامًا، في كلية العلاج الطبيعي قبل عامين، بدأت بالعمل في مركز تأهيل أطفال بأجر 2000 جنيه لمدة 8 ساعات يوميًا، وهو راتب لم يقدرها ماديًاعلى حد وصفها، خاصة وأن العمل مُجهد؛ تقول: "تركت العمل وبحثت عن مكان آخر، ثم فوجئت بأن متوسط الرواتب في أسوان منخفض ولا يصل حتى إلى 3000 جنيه، حتى المكان الذي كنت أعمل فيه لم يرفع أجري إلا بمقدار 200 جنيه فقط".
وتعاني فاطمة وغيرها من الباحثين عن فرصة للعمل في أسوان من محدودية الوظائف، ما يجعل أصحاب العمل يتحكمون في الأجر وعدد الساعات غير المنطقية أو المتوافقة مع القوانين الرسمية.
زيادات لا تناسب الواقع
ورغم أن الزيادة المقبلة هي الثالثة على مستوى القرارات خلال هذا العام، حيث ارتفع الحد الأدنى للأجور في يناير 2023 من 2400 إلى 2700، وفي يوليو ارتفع إلى 3000 جنيه، أملًا في أن يستفيد منه أكثر من 29 مليون عامل في هذا القطاع، إلا أنه على أرض الواقع يبدو الوضع مختلف تمامًا على مستوى التنفيذ.
فبالنسبة لفاطمة وغيرها من العاملين في القطاع الخاص تحديدًا لا يجدون إلا القليل ممن يطبق هذه القرارات، أدركت "فاطمة" ذلك على مدار عام من البحث في سوق الوظائف في أسوان ووجدته دون المستوى المطلوب، وبعد مرحلة من الخوف قررت البدء في مشروعها الخاص متسلحة بتجاربها.
تعلق قائلة: "الملابس في أسوان ترتفع أسعارها بشكل كبير مع جودة رديئة، لذا يستهدف مشروعي توفير ملابس تنافس المحلات بالجودة والسعر، والعمل عبر الإنترنت مريح لأنه من المنزل، وفرصة لزيادة دخلي".
وواجهت "فاطمة" صعوبات كثيرة في التعامل مع الزبائن، إذ بعضهم يتهرب من استلام المنتج وتتحمل هي خسارته لأنه لا حل لديها لإرجاعه للتاجر أو تأجيل استلامه، بجانب مشكلة قياس الملابس لتفادي حدوث خطأ.
وهربًا من ذلك باتت تكتب على كل قطعة أرقام قياس أقل من المكتوبة في بيانات المصنع؛ لأن الطول والعرض قد لا يكون مثل الرقم الحقيقي.
والفارق بين أسعار الملابس في أسوان والقاهرة يصل إلى الضعف، تضيف: "شراء الملابس من التجار في الوجه البحري أقل تكلفة من أسوان رغم فروق أسعار الشحن وتكاليف النقل التي تصل إلى 200 جنيه في الطرد الواحد مهما كانت الكمية، كما يؤثر الأمر أكثر في حالة استرجاع ملابس بها عيوب صناعة، ما يعني تحقيق خسائر في النهاية".
لا تفكر فاطمة في ترك العمل "أونلاين"؛ إلا إذا وجدت وظيفة مناسبة لتخصصها الدراسي، ولذا لا زالت تعمل في مركز تأهيل بشكل مجاني كتطوع.
وتمثل المرأة المصرية نسبة 23.7 % من قوة العمل في مصر، وفقًا لتقرير تعزيز المساواة في سوق العمل الصادر عن المجلس القومي للسكان في 2022.
ووفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد بلغت نسبة عدد أفراد قوة العمل "15-64 سنة" في الأعوام 1990، 2000، 2005 من نسبة النمو للإناث بنسبة 1.9 % مقارنة بـ 2.5% للذكور، فيما بلغ معدل البطالة خلال تلك السنوات للإناث من 16.2% إلى 25.1 % مقارنة 5.5% لـ 7.1% للذكور.
التجارة أونلاين بديلًا للراتب الضعيف
وتزامن مشروع سارة محمد، 35 عامًا، مع الحظر الذي حدث في 2020 بسبب انتشار فيروس كورونا، وهو أيضًا يستهدف البيع "أونلاين"، وأكسبتها دراستها في إدارة الأعمال وعمل والدها في التوريدات خبرة.
تقول سارة لـ "عين الأسواني": "تخرجت أختي في كلية التجارة ولم تنل حظًا في الحصول على وظيفة، لذا بدأنا مشروعنا في بيع ملابس الأطفال والأدوات المنزلية ومستحضرات التجميل، وملابس النساء مؤخرًا".
وتضيف: "بعد تخرجي عمِلت في مدرسة خاصة، ثم حصلت على وظيفة حكومية، وبعد ست سنوات بدأت العمل عن طريق الإنترنت كمصدر دخل ثانوي، وقمت بتوفير ملابس "البراندات" بجودة أفضل؛ لأن البيع "أونلاين" يوفر التعامل مع قطاع كبير من المورد، وتوفير تصميمات متنوعة بأسعار أقل من المعروض في المحلات والتي تصل إلى الضعف".
وأعلنت "سارة" مشروعها بالتزامن مع فترة الأعياد، ووجدت إقبالًا جيدًا من المشاركين، ثم قررت توفير السلع بالطلب، لكنها أيضًا واجهت معضلة مقاسات الملابس، فضلًا عن مشكلة تكاليف الشحن ووقت الوصول، لذا قررت هي وأصحاب مشروعات أخرى جمع الطلبيات مرة واحدة وتقسيم سعر الشحن الإجمالي، لكن سعر الطرد ثابت سواء كانت الكمية قليلة أو كبيرة، وهذا يؤثر على الأرباح في النهاية.
ولمواجهة مشكلاتها مع سوء تعامل بعض الزبائن لم يكن الحل سوى الحصول على نسبة من ثمن الطلب مقدمًا، خاصة مع تهرب بعض الزبائن من استلامها.
وكان للدعاية التي نفذتها "سارة" دورًا كبيرًا في الترويج للمنتجات، خاصة وقد قدمت هدايا صغيرة لجذب العملاء وخصومات.
وترى "سارة" أن العمل أونلاين أرباحه غير منتظمة، لذا بجانبه تعمل في وظيفة ثابتة تحقق لها دخلًا ثابتًا، مؤكدة أن هذا العمل عبر الإنترنت قد يكون حلًا لمن يعمل في وظيفة بعقد أو أعمال حرة في محلات الملابس التي بالأساس لا توفر سوى أجور ضئيلة بين 1000 إلى 2000 جنيه، وبلا حقوق عمل أصلًا.