خلف باب الجراج المقفل وظلامه الدامس تستلقي “ثنية” القطة المشردة صاحبة الفرو الأبيض الكثيف التي تتلوّن بالرمادي وذيلها المُرقّع بنفس شكل غرتها، تحتضن أطفالها الذين لم يصل عمرهم بعد إلى أسبوع، تُرضعهم بعد يوم طويل كانت تبحث فيه عن قطعة خبر، تمنع معدتها من القرقرة وشربة ماء تروي عطشها الذي قد يستمر لعدة أيام.
ذلك الجراج كان مأواها الذي وجدته بعد عناء وبحث دام عدة أسابيع قبل ولادتها، لتأمن مكانًا هادئًا تضع فيه أطفالها، للبدء في رحلتها اليومية لجمع القوت الذي لا تحتفظ به لنفسها، بل تحوله لأطفالها خائري القوى.
بدأت رحلتها في عمارة السيد واهب التي تقع في شارع جانبي دافئ لا تجوبه ضوضاء مركبات الطرق المزدحمة، تجولت ثنية نزولًا وصعودًا تستعطف سكانها لرمي بقايا طعام العشاء، بالفعل أحبها السكان ورحبوا بها، فقد كانت قطة ودودة لا تُخرّب ولا تؤذي طفلًا، لكن حين لاحظها العجوز واهب لم يُعجبه حال العمارة وضحكات الأطفال على السلالم وهم متجمعون مع ثنية، وهي تلتف حول أقدامهم ليرموا لها مكعبات الجبنة فتهرول لتلتقطها وتعود لتحصل على بقية ما بالطبق.
أمسك واهب بعكازه المصنوع من جريد النخيل المنحوت منحنيًا من الأعلى صارخًا في الأطفال، ليركض كُلًا منهم إلى والديه، فزعت ثنية، فقفزت ووقف فرو ذيلها فارّة إلى الخارج، وورائها العجوز واهب يضرب عكازه في الأرض وهو يصيح لتذهب في طريقها، ولا تتطفل على ممتلكاته وهدوء روتينه اليومي.
حاولت ثنية العودة، لكن كان الرد من العجوز أقوى وأرعن مما سبق، فبعد عدة مرات تحطّم أملها في الرجوع إلى بيتها ومصدر راحتها بضمان مأكلها وركن نومها في البدروم. عادت ثنية وهي خائبة الرجاء تبحث بين الطرقات عن موقع فقط لتنام فيه هانئة مرتاحة البال بعيدًا عن عكاز واهب وحاجبيه المعقودين.