خارج مائدة رمضان.. كيف أثرت الأسعار على "إفطار" 2025؟

Photographer: رنا محمد - أحد الأهالي بسوهاج أثناء شراء مسلتزمات رمضان

Written By رنا محمد
2025-03-08 16:07:56

مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية، اضطرت العديد من الأسر إلى إعادة النظر في عاداتها الرمضانية، والتخلي عن بعض الطقوس التي كانت تُعدّ من أساسيات الشهر الكريم، فلم يعد الحديث عن تجهيزات رمضان كما كان في السنوات الماضية، بل أصبح الحديث عن كيفية التكيف مع الغلاء، وتقليل الإنفاق على ما كان يُعتبر سابقًا ضروريًا.

مائدة التحديات

من بين من يعانون من هذه التغيرات، أسماء أبو الحسن، ربة منزل تعول أسرة مكونة من خمسة أفراد، التي ترى أن الأسعار قد ارتفعت بشكل كبير مقارنة بالعام الماضي، مما اضطرها إلى إعادة ترتيب أولوياتها، فتقول: "كنا نشتري ياميش رمضان والمكسرات والحلويات بكميات كبيرة، لكن الآن أصبحت الأولوية للحاجات الأساسية مثل اللحوم والخضروات والزيوت، فلم يعد بإمكاننا شراء المكسرات تمامًا، وحتى المشروبات الرمضانية مثل التمر الهندي وقمر الدين أصبحت رفاهية لا نستطيع تحملها، حتى الفواكه التي كنا نشتريها بكثرة، أصبحت تُشترى بكميات قليلة، ونبحث دائمًا عن البدائل الأرخص".

وتضيف أسماء أن العام الماضي كان به ارتفاع في الأسعار، لكن ليس بالحدة التي نشهدها الآن، ففي العام الماضي كانت تحاول التوفير عبر الشراء بالجملة أو البحث عن العروض، أما هذا العام، فقد اختفت معظم العروض، ولم يعد هناك فرق بين الشراء المبكر أو المتأخر، مما جعل التكيف مع الوضع الحالي أكثر صعوبة.

وتقدر أسماء أن الحفاظ على نفس مستوى الإنفاق السابق يحتاج إلى ما يُقارب 10 آلاف جنيهًا، ولكنها تحاول تقليل النفقات إلى 6 أو 7 آلاف جنيهًا عبر استبعاد بعض الكماليات، ومن الحلول التي لجأت إليها تحضير بعض المنتجات منزليًا بدلًا من شرائها جاهزة، مثل قمر الدين والعصائر الطبيعية، كذلك تقليل عدد الأصناف على السفرة، بحيث تقتصر على طبق رئيسي وطبق جانبي بسيط.

عادات تتغير 

أما محمود عبد الرحيم، وهو رب أسرة مكونة من أربعة أفراد، فيرى أن هذا العام مختلف تمامًا عن أي عام مضى، إذ تضاعفت الأسعار بشكل غير طبيعي، مما جعله مضطرًا إلى إعادة ترتيب أولوياته، فيقول: "كنا نشتري اللحوم والفراخ بشكل شبه يومي، لكن الآن نحاول تقليل ذلك إلى مرتين أسبوعيًا فقط، وكذلك الحلويات الرمضانية مثل الكنافة والبسبوسة لم نعد نشتريها من المحلات، بل نحاول صنعها في المنزل بأقل التكاليف".

وعن محاولته لمواجهة الغلاء، يوضح الحاج محمود "قمت بشراء الخضروات وتخزينها قبل رمضان لتجنب ارتفاع الأسعار لاحقًا، كما قمت باستبدال اللحوم بالبقوليات والبيض للحصول على البروتين بتكلفة أقل، كما اتفقت مع زوجتي إعداد الطعام بكميات معقولة لتجنب الهدر، وتجهيز بعض الأطعمة في المنزل مثل الفطائر والحلويات والعصائر بدلًا من شرائها جاهزة".

وعن ميزانية رمضان، يضيف الحاج محمود أنه لو أراد شراء كل ما اعتاد عليه سابقًا، فسيحتاج من 12 إلى 15 ألف جنيهًا، وهو مبلغ يصعب توفيره، لذلك يسعى إلى الالتزام بحدود 7 إلى 8 آلاف جنيهًا، مع التركيز على الضروريات فقط.

تراجع العزومات 

كان لشدة الغلاء تأثير واضح على واحدة من أجمل عادات رمضان، وهي العزومات العائلية، فيقول حسن عبد الله، رب أسرة وأب لأربعة أبناء، "كنت دائمًا أحرص على أن يكون باب بيتي مفتوحًا لأهلي وأصدقائي في رمضان، لكن هذا العام الأمر أصبح صعبًا جدًا، فالوجبة التي كانت تكلفني 500 أو 600 جنيهًا، أصبحت الآن تتجاوز 1500 جنيهًا، وهذا لعائلة صغيرة، فما بالك بعزومة كبيرة؟".

ويضيف حسن "في السابق، كنا نقيم عزومات أسبوعية، خاصة يوم الجمعة، لكن الآن أصبحنا بالكاد نقيم عزومة صغيرة لأولادي وزوجاتهم أحيانًا، حتى إذا دعاني أحد للعشاء، أشعر بالتردد، لأنني أعلم أن التكلفة ستكون عبئًا عليه".

ولتخفيف العبء المالي لجأت أسرته إلى عدة بدائل؛ منها تقليل عدد الأصناف على السفرة إلى طبق رئيسي مع شوربة وسلطة، والاستغناء عن الحلويات الجاهزة واستبدالها بحلويات منزلية بسيطة، والتوقف عن شراء ملابس جديدة لكل أفراد الأسرة والاكتفاء بالضروريات فقط.

لكن أكثر ما يؤلمه هو غياب إحساس اللمة العائلية، حيث يقول: "رمضان هو شهر الكرم والتواصل، ولكن الظروف الاقتصادية جعلت الكثير منا يحتاج الى مراجعة حساباته".

موسم وعبء 

فمع اقتراب شهر رمضان، يفترض أن تشهد الأسواق المصرية زحامًا وطلبًا متزايدًا على السلع الرمضانية، إلا أن المشهد هذا العام كان مختلفًا تمامًا، حالة من الركود تسيطر على الأسواق، والبائعون يشتكون من ضعف الإقبال بشكل غير مسبوق، بينما يقف المواطنون أمام السلع حائرين، يقارنون الأسعار بقدرتهم الشرائية، وكثير منهم يقرر في النهاية المغادرة دون شراء.

اعتاد محمد عبد الستار، أب لخمسة أبناء، على النزول إلى السوق مع زوجته وأطفاله قبل رمضان بأيام، لشراء المستلزمات والاستمتاع بأجواء التحضيرات، لكنه هذا العام خاض تجربة مختلفة تمامًا.

فيقول: "خرجت للسوق وحدي، ولم يكن همّي تجهيزات رمضان، بل كان همّي كيف سأوفر المال، وجدت نفسي أتجول بين المحلات، أسأل عن الأسعار أكثر مما أشتري، وأدركت أنني مضطر للاستغناء عن أشياء كثيرة".

واضطر محمد الاستغناء عن شراء الياميش والمكسرات، حيث اكتفى بربع كيلو بلح فقط، أما اللحوم والدواجن فقد استغنى عن شراء كميات كبيرة التي اعتاد على شرائها، وأصبح يشتري أسبوعيًا فقط، واستبدل المعلبات والعصائر الجاهزة بالمشروبات المنزلية مثل الليمون، حتى السلع الأساسية كالزيت والسكر والأرز والسمن، أصبح يشتري ما ما يكفيه لأسبوع واحد فقط.

ويصف شعوره أثناء التسوق قائلًا: "شعرت أن رمضان أصبح رفاهية، بينما كان في الماضي فرصة لإسعاد أولادي، حيث رأيت كثيرًا من الناس يتجولون في الأسواق دون أن يشتروا، وأصحاب المحلات مستغربون من قلة البيع ".

للأغنياء فقط

في أحد الأسواق الشهيرة بمدينة سوهاج، كان عبد الرحمن السيد، بائع ياميش، منذ أكثر من عشر سنوات، يجلس خلف أكياس المكسرات والفواكه المجففة، لكنه لم يكن مشغولًا بتلبية طلبات الزبائن كما أعتاد فى الأعوام السابقة، بل كان يراقب الشارع، حيث يمر الناس أمام المحل دون أن يدخلوا، فيقول بحسرة: "الياميش أصبح للأغنياء فقط، الناس بتسأل عن الأسعار، ولما تسمعها تضحك مرددة جملة "خلاص، هنصوم على البلح والمية"، ومحدش يقدر يلومهم، الأسعار فعلًا ولعت، حتى أنا لما بجرب أشتري حاجة للبيت بحس إنها بقت حمل تقيل".

ويتابع في حزن "زمان الناس كانت بتشتري الياميش بالكيلو، دلوقتي اللي بيقرر يشتري بياخد بالكيس الصغير، وأحيانًا نص كيس، فأحد الزبائن اعتاد على شراء 5 كيلو مكسرات كل رمضان، السنة دى شاف الاسعار وقال لي: "أنا كفاية عليَّا الفول والطعمية".

رفاهية مستبعدة

على بعد أمتار، يقف كريم محمود صاحب محل لبيع العرقسوس وقمر الدين والخروب، مشغولًا بإعادة ترتيب عبوات المشروبات، لكنه لا يخفي ضيقه من ضعف الإقبال، فيقول: "السنة دي الدنيا واقفة، اللي كان بييجي ياخد كرتونة عصائر رمضان، دلوقتي بيكتفي بكام كيس بودرة علشان يعمل مشروب في البيت بأرخص تكلفة، زمان كان العرقسوس والخروب لازم تشترى بكميات، دلوقتي الناس بتقولي هنشرب مية وخلاص".

ثم يضيف بغضب "الأسعار مش بس زادت، لا ده كمان الناس بقت بتخاف تصرف، حتى اللي معاه فلوس مش عاوز يشتري زي الأول، وكل ما حد يدخل يسأل عن الأسعار، أول كلمة يقولها لا مع السلامة، ومش بيرجع".

ركود 

في محل الحلويات كان محمود حسن بائع الكنافة والقطايف، منهمكًا في تجهيز العجينة، لكنه توقف قليلًا ليحكي عن معاناته هذا العام "الحلويات كانت من أساسيات رمضان، لكن حاليًا أصبحت حركة الشراء محدودة، الأول كنا بنبيع الكيلو بالكميات، الناس كانت تشتري بـ3 و4 كيلو كنافة وقطايف وتوزع على الجيران والعيلة، دلوقتي اللي كان بياخد 4 كيلو بيكتفي بنصف كيلو، يعني حتى لو عاوز يعمل كنافة، هيعملها صينية صغيرة وخلاص".

ويضيف بحزن "فيه زبون بيجيلي من سنين، عنده 4 اولاد، كل سنة كان بيشتري 5 كيلو كنافة و3 كيلو قطايف، السنة دي دخل سأل على الأسعار، صمت شوية، وبعدين قال لي "خلاص، هنعمل بسبوسة في البيت، أرخص بكتير، واشترى ربع كيلو بس".

زمن الضروريات 

أما في أحد محلات السوبر ماركت، جلس إسلام عبدالحميد والإحباط يُخيّم على وجهه، حيث أكد أن البيع تراجع بشكل كبير، حتى في المنتجات الأساسية، فيقول: "الناس كانت تشتري خزين رمضان قبل قدومه، تشتري زيت وسكر ودقيق وتمر، وحاجات تانية كتير، لكن دلوقتي بيشتروا السلع الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها، حتى التمر اللي كان يباع بكميات كبيرة، بقى الزبون يسأل عن أرخص نوع ويكتفي بكيلو واحد".

ثم يتابع بنبرة مريرة "مرة زبونة سألتني عن سعر الكرتونة البلح، ولما سمعت، ردت وقالت: "هو احنا هنصوم ولا هنتعذب بسبب الأسعار؟". 

Photographer: رنا محمد - مستلزمات رمضان بأسواق في سوهاج