قطار الأسعار يدهس حلويات رمضان في سوهاج

Photographer: رنا محمد - طفلة تنظر لطبق حلويات شرقية

Written By رنا محمد
2025-03-05 13:29:03

شهد العصر الفاطمي في مصر، تقديم "الكنافة" للخليفة المعز لدين الله الفاطمي، عند دخوله القاهرة في شهر رمضان، ومنذ هذا الوقت انتقلت الكنافة، عبر مصر إلى بلاد الشام من خلال التجار، فيما تشير بعض الروايات إلى أن "القطايف" ظهرت في العصر المملوكي، حيث كان صُنّاع الحلوى يتنافسون على تقديم أفضل ما لديهم، فابتكر أحدهم فطيرة محشوة بالمكسرات وقدمها للضيوف، ومن هنا جاء اسم "القطايف".

ومنذ هذا الحين تُعدّ الحلويات جزءًا لا يتجزأ من العادات الرمضانية المصرية، حيث ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بأجواء شهر رمضان منذ قرون، وأبرزها الكنافة والقطايف، اللتان تحملان تاريخًا طويلًا في الثقافة المصرية.

 

 

اختلفت العادة 

ومع حلول رمضان 2025، تغيرت العادة مع  فاطمة أحمد، سيدة أربعينية من سكان محافظة سوهاج، والتي استهلت حديثها قائلة: "طبق الحلوى هو الطبق الذي لا يخلو منه أي بيت في شهر رمضان، حتى لو كان بسيطًا، فهناك أنواع من الحلويات التي لا نقوم بصنعها إلا في رمضان فقط، والتي يكون لها طعم مميز جدًا عن باقي أيام السنة، خاصة لأنها تُصنع بحب وبراعة من يد الوالدة".

فمن بين هذه الحلويات؛ البغاشة وبلح الشام والقطايف والفريسكا ولقمة القاضي وصوابع زينب والكنافة بأنواعها المختلفة، وأيضًا هناك الحلويات الخفيفة مثل الخشاف أو المهلبية، وكان من العادات الجميلة في الماضي أن يتمّ تحضير الحلوى قبل آذان المغرب بساعة، حيث يُملأ طبق منها ويُرسل إلى المسجد لإفطار الصائمين، كنوع من الصدقة هو كسب الثواب، كما كان من المعتاد توزيع طبق من الحلوى على الجيران، تعبيرًا عن روح المحبة والمشاركة في رمضان.

لكن اليوم تغيرت كل هذه العادات، فلم يصبح لطبق الحلوى وجود مستمر أو طعم مثل الماضي، حيث أن الأسعار في غلاء مستمر، فأصبح من الصعب تواجده دائمًا على سفرة الافطار، وأصبح موجود فقط في أول أيام الشهر، وربما يومين أو ثلاثة في منتصفه فقط.

تكاليف 

تستطرد فاطمة في حديثها "في السنوات الأخيرة اتجهت إلى شراء الحلوى الجاهزة توفيرًا للمال والوقت، فصنع صنف من الحلوى يحتاج إلى ميزانية ضخمة من حيث الزيت والكثير من السكر لصنع الشربات، بالإضافة إلى المكونات الأخرى"، وتضيف قائلة "مثًلا تكلفة صنع طبق من حلوى بلح الشام في المنزل يتراوح ما بين 100 إلى 150 جنيهًا، لذلك الاتجاه إلى شراء الحلويات الجاهزة أقل في التكلفة، صحيح مش نفس الكمية اللي هعملها في البيت، ولكن هوفر 50 جنيه". 

روح رمضان 

تتذكر سعاد عبدالله ذات الـ39 عامًا "عندما كنت طفلة، كان طبق الحلويات هو نجم المائدة الرمضانية، كانت لا تكتمل سفرة الإفطار بدونه مهما كان بسيطًا، فكانت أمي تعده بحب وكأنها تصنع لنا فرحة صغيرة بعد يوم طويل من الصيام، كنا ننتظر لحظة الإفطار ليس فقط لتناول الطعام، ولكن لنرى ماذا أعددت لنا اليوم من حلويات".

وعن ذكرياتها مع طبق الحلوى تقول "كان طبق الحلوى في رمضان الأقرب للقلوب، فكان ينتظرونه الأطفال بكل شغف، مثل القطايف المحشوة بالقشطة أو المكسرات، وبلح الشام المغطى بالشربات، وصوابع زينب المقرمشة، والتي كنت أحب صنعها بأيديّ مع والدتي".

وتكمل "كنت أشعر بالسعادة بسبب رؤية الفرحة التي تملأ أعين اخوتي الصغار عندما كانوا يتذوقونها، فلم يكن الأمر مجرد طعام، بل لحظة من السعادة الخالصة التي تجمعنا حولها، لكن مع مرور السنوات بدأت هذه العادة تتلاشى، فلم يعد وجود طبق الحلوى يوميًا على مائدة الإفطار أمرًا معتادًا كما كان من قبل، فلم يكن الأمر مجرد انشغال أو تغيير في العادات، بل كان هناك سبب أقوى وهو غلاء الأسعار".

سنوات التغيير

تشير سعاد إلى أن هذا التغيير بدأ منذ حوالى ٣ أو ٤ سنوات، عندما بدأت الأسعار ترتفع بشكل جنوني، وأصبحت تكلفة تحضير الحلوى تضاهي تكلفة الوجبة الرئيسية. فالسكر والمكسرات وحتى الدقيق والسمن، كل هذه السلع ارتفع سعرها، مما جعل صنع الحلوى في المنزل عبئًا إضافيًا على ميزانية رمضان المرتفعة أصلًا.

المنزلي والجاهز

توضح سعاد ميزانية صناعة الحلوى في المنزل، فتقول "إذا قررت تحضير الحلوى في المنزل، ستجد أن تكلفة الكنافة والقطايف والبسبوسة أصبحت مضاعفة بسبب ارتفاع أسعار المكونات، أما شرائها جاهزة من المحلات، فهو رفاهية لم تعد متاحة للجميع، حيث أصبحت الأسعار تتراوح ما بين 150 في العربات الشعبية و300 جنيهًا وأكثر فى المحلات الفاخرة للكيلو الواحد حسب النوع والمكان، خاصة إذا كانت محشوة بالمكسرات أو القشطة أو الكريمة أو البستاشيو.

ذكرى

تستكمل سعاد قائلة: "في ظل هذا الغلاء بدأ البعض يتجه إلى بدائل أقل تكلفة، لكنها بالطبع لا تعادل جودة المحلات الكبيرة، لذلك ألجأ أحيانًا لهذه البدائل، لكنني أصبحت أبحث عن طرق أخرى لتوفير نكهة رمضان دون أن أرهق ميزانيتي، فأحيانًا أكتفي بصنع حلوى بسيطة مثل الأرز باللبن أو المهلبية بقمر الدين فهي أقل تكلفة وتعطي إحساسًا بفرحة الحلويات الرمضانية، ومرات أخرى اشتري قطعة صغيرة من الحلوى بدلًا من الكيلو الكامل، حتى أستعيد ولو جزءًا بسيطًا من طعم الذكريات".

تختتم سعاد حديثها قائلة "لم تعد سفرة رمضان كما كانت، ولم تعد الحلوى بنفس الحضور الذي اعتدناه، لكن رغم الغلاء، تظل هناك محاولات بسيطة للحفاظ على هذه العادات الجميلة، حتى لو كان ذلك بقطعة صغيرة من الحلوى، أو حتى مجرد ذكرى حلوة من الأيام التي كانت فيها الفرحة تصنع بأقل القليل".  

طقس عائلي

يقول محمد السيد ذو الـ35 عامًا "عندما كنت طفلًا، كان أكثر ما يُسعدنا بعد الإفطار هي الحلوى التي تعدها أمي بيدها، فلم يكن الأمر مجرد تناول طعام، بل كان طقسًا عائليًا، كنا نلتف حولها وهي تعد القطايف، نحاول سرقة قطعة من العجين أو نساعدها في حشوها، كنا ننتظر بلح الشام وهو يُقلى في الزيت، وكانت رائحته تملأ البيت وتزيدنا شوقًا لتذوقه، فلم يكن لدينا رفاهية شراء الحلوى الجاهزة، فكان لكل شيء طعم خاص، طعم الحُب والرضا".

يستطرد محمد في حديثه قائًلا "كانت أكثر الحلوى المحببة لنا كأطفال كانت القطايف ولقمة القاضي، والقطايف الصغيرة المحشوة بالمكسرات أو القشطة، كانت أشبه بكنز صغير، نلتهمه بشغف، ولقمة القاضي أو كما كنا نسميها "الزلابية" كانت سحرية بالنسبة لنا،  فكنا ننتظر أن تخرج من الزيت وتُغمر في الشربات أو تُرش بالسكر المطحون، ثم نحاول أن نلتقطها بأيدينا الصغيرة قبل أن تبرد، فلم يكن الأمر مجرد طعام بل كانت لحظة سعادة.

مع مرور السنين، بدأت تلك العادة تتلاشى تدريجيًا، لم يعد طبق الحلويات حاضرًا على السفرة كل يوم خلال شهر رمضان، كما كان في الماضي، ففي البداية كنا نعتقد أن السبب ذلك هو تغيير نمط الحياة وانشغال الجميع،  لكن الحقيقة كانت أعمق من ذلك، فالغلاء أصاب كل شيء فأصبح صنع الحلويات مكلفًا جدًا.

أعباء 

ويرى محمد أن تراجع عادة صنع الحلوى في المنازل بشهر رمضان، بدأت منذ عشر سنوات، عندما كانت الأسعار ترتفع تدريجيًا، لكن السنوات الأخيرة هي الأسوأ، حيث أصبح سعر كيلو السكر بـ35 جنيهًا، وكيلو السمن بـ160 جنيهًا، وكيلو الزبدة بـ170 جنيهًا، حتى المكسرات أصبح يباع بالجرام، وكيلو الفستق والكاجو بـ600 جنيهًا، وعين الجمل بـ50 جنيهًا، فأقل المكسرات سعرًا الفول السودانى وجوز الهند بـ80 جنيهًا، حتى كيلو الدقيق بـ25 جنيهًا، لذا أصبح تحضير الحلوى في المنزل عبئًا وليس متعة.

أولويات

 يقول محمد، لم يعد تحضير الحلوى في المنزل خيارًا سهلًا كما كان في الماضي، وأصبح شراؤها جاهزة يحتاج إلى ميزانية خاصة، فلم يعد كثير من الناس قادرين على شراء كيلو من الكنافة أو البسبوسة دون التفكير مرتين في أولوياتهم، خاصة في ظل النفقات الاّخري التي يفرضها شهر رمضان 

فإذا أردت صنع الحلوى في المنزل، ستجد أن تكلفة كيلو الكنافة مع الحشو الجيد قد تتجاوز الــ 200 جنيهًا، وإذا أضفت المكسرات أو القشطة فستصبح تكلفتها أعلى، أما شراء الحلوى الجاهزة فقد أصبح من الرفاهية، حيث تتراوح أسعار الكنافة والبسبوسة فى المحلات هذا العام ما بين 150 و300 جنيهًا، وربما أكثر في بعض الأماكن، أما عن البدائل التي لجأت إليها صنع الحلوى في المنزل مع تقليل الكمية. 

Photographer: رنا محمد - محال بمحافظة سوهاج تعرض حوليات رمضان