لماذا يعاني طلاب الثانوية العامة في مصر من الضغط النفسي؟
كنت دائمًا ما أسأل نفسي هذا السؤال، وأطرحه على زملائي الذين خاضوا هذه التجربة قبلي، ولكني لم أحصل على إجابة، إلى أن خضتها بنفسي. كنت فى البداية لا أشعر بفارق بينها وبين أي سنة دراسية أخرى، لكن بعد مرور بعض الوقت خلال السنة الدراسية، أصبح الوضع يسوء يومًا بعد يوم. المعلمين في الدروس الخاصة، وتعجيزنا في مضاعفة أوقات الدروس الخصوصية حتى أصبحنا لا نستطيع الموازنة بين حياتنا الطبيعية وحياتنا الدراسية، فمع مطالباتهم لنا كطلاب بالإجابة عن الكثير من الامتحانات والواجبات المنزلية، تحت زعم "تثبِّت المعلومة"، كان عقلي لا يستوعب أي معلومة على الإطلاق.
أما مواعيد الدروس الخارجية فحدِّث ولا حرج، فبعدها لا يوجد مُتسع من الوقت لقضائه في أي نشاط ممتع، فالدروس الخصوصية تقتص أغلب ساعات اليوم.
الأمر الملفت من وجهة نظرى، أن كل هذه التحديات، لم تكن السبب الرئيسي الذي يؤدي إلى شعوري بالضغط النفسي، فالسبب الرئيسي هم الأهل، نظرًا لقلقهم الغير مُبرر على أولادهم، تحت تأثير الخوف من الفشل، فينطلق بذلك مسلسل المعاناة التدريجي، ففي بداية العام كنت لا أشعر بضغط، ولكن تدريجيًا يتسرّب ذلك الإحساس داخلي، وبعد مرور بعض الوقت، تنطلق ألسنتهم مُكررة "قوم ذاكر، خلصت؟، وهو فى مذاكرة بتخلص!".
صرتُ أشعر بالملل والضيق من هذه الصيحة اليومية، إلى أن وصلت لعنق الزجاجة ، وتحديدًا قبل الامتحان بثلاثة أشهر، فقد حُرمت من جميع الأنشطة التي أُفرّغ فيها طاقتي، حُرمت من ممارسة الرياضة التي كانت حافزًا لي لعدم تراكم الضغط بداخلي، وأصبحت أجلس فى المنزل بين كتبي دون متنفس.
حتى وقت الراحة لم يسلم من الأهل، فعندما كنت أحصل على قسط من الراحة، داخل غرفتي، حيث ألقى بظهري على الأريكة وأمسك الهاتف للترويح عن نفسي، كنت ألاحظ على وجوههم تعابير الغضب الشديد، بين الحين والآخر أحصل على جرعة تعنيف، ممزوجة بخليط من الجمل المُحبِطة، التي كانت تزيد من ضغطي وحزني، فكانت نظراتهم تزيدني غضبًا وحزنًا، لدرجة أنهم اعتقدوا أن ساعات احتضاني للكتب، هي فصل من مسرحية أدعى فيها أنني أذاكر، بل إن الدقائق التي أقضيها في تناول الغذاء كانت تندرج، لديهم، تحت بند التمثيل وتضييع الوقت أيضًا.
حتى لحظات الودّ الأسرية واجتذاب أطراف الحديث، على طاولة الغداء، تحولت إلى لجنة امتحان، فقبل الامتحان بشهور، أصبح أبي يُحدّثني عن الدراسة وأحوال المذاكرة، ويطرح، على طاولة الطعام، أسئلة تخص المنهج، فأصبح تواصلنا على الغداء عن الدراسة.
والنتيجة الشعور بالمزيد من الضغط، حتى أنني اعتزلتهم، وصرت أتناول الغداء في غرفتي هربًا من أسئلة الثانوية العامة التي تراودني في كل مكان.
وعلى غير المعتاد، كان إعلان موعد الامتحانات، مدعاة لسعادة غامرة بالنسبة لي، على عكس زملائي، نظرًا لاعتقادي أني سأتحرر من سجن "الثانوية" الذي أعيش فيه، وعندما انتهيت من آداء آخر امتحان، كنت أعرف في قرارة نفسي أنني لن أتحرر من هذه الضغوطات إلا بعد ظهور النتيجة، لتصطدم أحلام التخلص من كابوس الثانوية العامة، بضغط اختياري الكلية التي سأرتادها.